النواب (دّوا) بيع أسهمه فساداً بنك الثروة الحيوانية.. البرلمان يكشف المستور
عندما رفض عضو البرلمان المستقل محمد طاهر عسيل الإجابة التي أدلى بها وزير المالية والاقتصاد الوطني الفريق محمد عثمان الركابي ؛
حول ملابسات بيع حصة أسهم بنك السودان في بنك الثروة الحيوانية كانت مبرراته أن الإجابة غير كافية، وعندما كون البرلمان لجنة مشتركة ضمت لجان الحسابات والمظالم العامة والإدارة والعمل، الشؤون المالية والاقتصادية، التشريع والعدل وحقوق الإنسان، لإجراء مزيد من التحقيق حول ملابسات البيع، اتضح أن ما قاله وزير المالية بغض النظر عن احتوائه على معلومات مغلوطة، لم يكن إلا رأس جبل الجليد، لأن تقرير اللجان المشتركة الذي قدمته للبرلمان نائب رئيس لجنة المظالم آمنة آدم محمد أورو، أمس كشف معلومات مثيرة عن الصفقة المشبوهة.
مستندات دون رقيب
اللجان وجدت أن بنك السودان المركزي ضالع في كل زاوية من زوايا القضية بداية من تفريطه في مستندات رسمية لم يقم بحمايتها، فقد كشف التقرير أن اللجان التي كونت لدراسة إجابة وزير المالية على سؤال العضو محمد طاهر عسيل لاحظت ضعف نظام حفظ المستندات ببنك السودان المركزي، وبنك الثروة الحيوانية من خلال حجم المستندات المتعلقة بالقضية، والتي وردت إلى اللجان من متطوعين وجهات كثيرة ليست معنية بها المستندات، ما يشير لخلل إداري كبير، معتبرة أن ذلك الوضع لا يستقيم مع مسؤوليات بنك السودان كبنك مركزي للدولة، لذا فقد شددت اللجان البرلمانية على ضرورة إجراء تحقيق متكامل في كيفية خروج هذه المستندات ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.
امتلاك الأسهم
التقرير أشار إلى أن بنك السودان امتلك الأسهم عندما سعى لوقف التدهور في البنك، وبادر بوضع وديعة فيه تبلغ 95 مليون جنيه، بيد أن بنك الثروة الحيوانية فشل في رد الوديعة وطلب رسملة المبلغ، فأتاح ذلك لبنك السودان الحصول على (863.636,363) سهماً تمثل 52% من جملة أسهم بنك الثروة الحيوانية.
البيع بثمن بخس
التقرير الذي قدم للبرلمان كشف عن عرض الأسهم للبيع بخسارة متوقعة تصل إلى 4% من قيمتها، فعند الشراء كانت قمية السهم 11 قرشاً، غير أن بنك السودان عندما قرر التخلص من أسهمه، وجه محافظ البنك اللجنة الخاصة بالترويج وبيع أسهم بنك السودان التي ينوي التخلص منها في المؤسسات الأخرى، وقامت اللجنة بمخاطبة سوق الخرطوم للأوراق المالية لمعرفة سعر سهم البنك والذي حدده لها بسعر (8) قروش، لتكون بذلك القيمة الإجمالية المتوقعة للأسهم بمبلغ (69) مليون جنيه، إلى أن تدخلت شركة “داجن” بعرض لشراء الأسهم بسعر (10) قروش للسهم، فوافقت اللجنة المكلفة عليه بعد التزام المشتري بإجراء إصلاحات على البنك وتم توقيع العقد في أكتوبر 2017م.
عدم كفاءة العاملين ببنك السودان
وجدت لجان البرلمان العديد من الأخطاء التي شابت عملية البيع، منها أن البيع تم خارج سوق الخرطوم للأوراق المالية، فيما تنص المادة 29/ من قانون سوق الخرطوم للأوراق المالية ببطلان عقود البيع خارج السوق، فضلاً عن أن بيع 52% من عدد أسهم البنك يجعل المشتري الجديد يؤثر على المراكز القانونية لبقية أعضاء مجلس الإدارة من حملة الأسهم، وأعربت اللجان عن استيائها جراء وقوع بنك السودان في مثل هذه الأخطاء الإجرائية، خاصة وأن ممثل بنك السودان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة سوق الخرطوم للأوراق المالية، ودعت اللجان البرلمانية لمراجعة كفاءة العاملين ببنك السودان خاصة وأن مثل هذه الأخطاء تنفذ إلى القطاع المصرفي والاقتصاد الوطني.
تراجع
قال تقرير لجان البرلمان، إنهم وأثناء نظرهم القضية رشح في وسائل الإعلام خبر عن تسوية بين شركة “داجن” وبنك السودان، لاستعادة الأسهم لتقوم اللجان باستدعاء مساعد بنك السودان ومدير الإدارة القانونية بالبنك، ومدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، الذين أوضحوا أنهم قاموا بإقالة العقد بينهم وشركة داجن وقاموا باستعادة الأسهم وإعادة الأمر على ما كان عليه.
دعوا للمحاسبة
اللجان البرلمانية، رأت أن ما صاحب عملية بيع الأسهم أمر يستوجب المحاسبة، محمِّلة بنك السودان كافة المسؤولية خاصة، وأن تجاوزه يعني أن بنك السودان المعني بالرقابة على التطبيق السليم للقوانين واللوائح المالية، يتجاوز القوانين، وخلصت اللجان إلى أنه إن كان الأمر قد جاء متعمداً، فمن الواجب أن ينال مرتكبه العقاب بصورة عاجلة وملحة، وإن كان جهلاً فإن من تسبّب فيه يكون غير جدير بالعمل في مؤسسة بقيمة البنك المركزي.
إشادة بالصحافة
البرلمان أشاد بالصحافة السودانية التي تناولت القضية، وكشفت الكثير من جوانبها، ونشرت بعض وثائقها، معتبراً ما قامت الدور المنتظر للصحافة كشريك للبرلمان في الرقابة وبيان أوجه القصور، وتقديم المستندات التي تنبه إلى الخلل والتجاوزات التي تقع في أي مرفق من مرافق الدولة.
دور مغاير
نواب البرلمان اعتبروا ما تم في قضية بيع أسهم بنك الثروة الحبوانية، فساداً يوجب إحالة مرتكبيه إلى نيابة المال العام. وأجمع عدد منهم على أن بنك الثروة الحيوانية عمل في المجالات التجارية التي لم يكن مخولاً له بها، وقال عضو البرلمان إسحق بشير جماع، إن البنك أنشئ في الأساس لخدمة وتنمية الثروة الحيوانية، غير أنه ظل يعمل في كل المجالات عدا الثروة الحيوانية، مشيرًا إلى أن المشكلات المالية صاحبت البنك منذ إنشائه، فيما قال القيادي بالمؤتمر الوطني، عضو المجلس الوطني، الأمين دفع الله، إن البنك لم يعمل لصالح الثروة الحيوانية، موضحاً أن كثيراً من التخبطات وتداخل الاختصاصات بين عدد من الوزارات المختلفة، وبنك السودان ساهمت في أن لا يستطيع البنك القيام بدوره، وقال: “لابد من محاسبة كل من تسبب في هذه الأوضاع محاسبة شديدة، تطال من تطال، في سبيل ظهور الحقائق”.
فساد كبير
عدد من نواب البرلمان، رأوا أن القضية لم تكن إلا واحدة من قضايا الفساد التي أمسكت بمفاصل الدولة. وقال عضو البرلمان المستقل د. أحمد صباح الخير: “نحن أمام فساد كبير، ودمار متعمد لاقتصاد السودان، استهدف الثروة الحيوانية كأهم رافد اقتصادي”. وأضاف: “عندما لا نضع الرجل المناسب في المكان المناسب عندئذٍ تنهار المؤسسات”.
فيما طالب عضو البرلمان المستقل د. عبد الجليل عجبين، بتحويل القضية مباشرة لنيابة المال العام، مشيراً إلى أن بنك السودان اعترف أن كل الإجراءات التي تمت فيما بعد هي إجراءات إسعافية لتلافي تصاعد الأمر لدى الرأي العام. وقال العضو عثمان أبو المجد: نعتقد أن ما تم هو عدم شفافية وغياب المحاسبة، ونرى من هذا المنطلق تحويل القضية إلى نيابة المال العام.
فيما قال القيادي بالمؤتمر الوطني، الزبير أحمد الحسن، إن طريقة بيع الأسهم تقتضي المحاسبة وربما تقود للمحاكم . وأضاف: “الطريقة التي تم بها البيع خطيئة كبيرة من بنك السودان، ويجب أن يستمر التحقيق في هذه القضية”.
إقرار وتعهد
أقر وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، مصطفى حولي، بالإخفاقات التي تمت في بنك الثروة الحيوانية، مبيناً أن بيع الأسهم كان بناء على تقرير أوصى بتدخل عاجل لإصلاح البنك، وأتسق الأمر مع المراجع القومي الذي أوصى بخروج بنك السودان من المصارف.
وأكد حولي أن وزارة المالية، وبناء على التقرير والمداولات التي تمت تتفق مع البنك المركزي في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأن يكون بنك الثروة الحيوانية، رائداً في قطاع الثروة الحيوانية، متعهدًا بالالتزام بكافة التوصيات وبمتابعة العمل بالمداولات التي تمت في البرلمان والتوصيات التي جاءت في التقرير، واعداً بتقديم تقرير شامل خلال فترة 6 أشهر حتى يتأكد البرلمان من الخطوات الإصلاحية التي تمت لإعادة البنك إلى مساره الصحيح في الاقتصاد القومي.