تحقيقات وتقارير

الأدوية المنقذة للحياه.. هل انعدمت في الصيدليات ؟


بانعدام الجاز والوقود والخبز لا يفقد الشخص حياته ويموت رغم الحاجة والضرورة لوجودها، بعكس الدواء الذي يفصل بين شفاء المريض وبقائه حياً أو تفاقم مرضه وموته.. وطبقاً لمتابعات(السوداني)فإنه منذ بداية العام الجاري لم يشهد قطاع الدواء استقراراً، وتتفاقم يومياً مشكلاته، ولم يتوقف الأمر عند تذبذب أسعار الدواء وارتفاعها بل تعدى ذلك إلى مرحلة انعدام ونُدرة الأدوية وخلت أو أوشكت أرفف الصيدليات على نفاد كميات مُقدرة من أصنافها الدوائية بسبب توقف شركات البيع تماماً إلى حين إشعار آخر بحسب صيادلة تحدثوا لـ(السوداني) وأكدوا على شُح كبير في الأدوية المنقذة للحياة حتى الشركات أقرت به..

مكمن الخلل

مدير شركة دواء فضل عدم ذكر اسمه أقر في حديثه لـ(السوداني)أمس، بانعدام عدد كبير من الأصناف الدوائية من بينها كميات من الأدوية المنقذة للحياة، وأن الشركات أوقفت الاستيراد والإيفاء بطلبيات الصيدليات مؤخراً إلى حين قرارات الدولة بشأن تحديد سعر صرف للدواء وسعر تأشيري للأسعار.
وأكد المصدر أن الأسباب الحقيقية وراء أزمة الدواء الحالية تعود إلى العام 2016م، عندما تم تحريك دولار استيراد الدواء من (6) جنيهات إلى ( 15.9) جنيه، قبل أن يرفع البنك المركزي يده عن توفير سعر ثابت للاستيراد وقبل تحديد سعر دولار رسمي للدولة يُقدر بـ (47.5) جنيه.
وأشار المصدر إلى أنه في تلك الأثناء بدأت المشكلة فالبنك المركزي فشل في توفير الدولار بشكل ثابت فاضطرت الشركات لشراء دولار الاستيراد من السوق، وفي ذات الوقت هي مُطالبة بالبيع بسعر دولار مُحدد من مجلس الأدوية والسموم، لا علاقة له بالدولار في السوق الموازي، وأضاف: ذلك قاد لخروج كثير من الشركات من سوق الدواء في السودان وحدث شُح في عدد كبير من الأدوية وتخبُط وارتفاع غير مسبوق في أسعار الدواء، وصل حد انعدام تام لبعض الأصناف الدوائية المهمة والمنقذة للحياة.
وكشف المصدر عن أن الأزمة الحالية التي يُعانيها سوق الدواء بالسودان سببها توقف الشركات عن الإيفاء بطلبيات الدواء للصيدليات لذلك شحت الأدوية وانعدم عدد كبير منها، وعزا خطوة الشركات إلى أن الأدوية الموجودة بالصيدليات مُسعَّرة بدولار قيمته (30) جنيهاً، بينما سعر الدولار في السوق قيمته نحو (50) جنيهاً، مشيرا الى أن الفارق الكبير جعل الشركات تتوقف عن الإيفاء بطلبيات الصيدليات وتتوقف عن الاستيراد أيضاً، مما يؤثر على كمية الدواء بالصيدليات.

مُنعدم تماماً

عقار “المنيوغلوبين” من ضمن الأدوية المُنقذة للحياة وعبارة عن حقنة تعطى عن طريق الوريد لمرضى العنايه المكثفة، يتم استيرادها عبر الصندوق القومي للإمدادات الطبية، وأشارت د. سماح صلاح من صيدلية سابينا بالخرطوم في حديثها لـ(السوداني) أمس، إلى أن هذا العقار مُنعدم تماماً منذ بداية العام الجاري، وإن وجد يتجاوز سعر الحقنة الواحدة منه الـ 1700 جنيه.

للأسف أكثر الأدوية المنعدمة بحسب د. بهاء عبد الرحيم من صيدلية الشفاء بالخرطوم من الأصناف المنقذة للحياة، كعقار” هيومن ألبيومين” لمرضى نقص الصفائح الدموية، وعقار ” كارثوبريل” لمرضى الضغط، إضافة لعدد كبير جداً من المحاليل الوريدية لمرضى العناية المكثفة وبعض المضادات الحيوية وعدد من أدوية الضغط والسكري وأصناف من أدوية المعدة والمصران.

الاستعانة بصديق

حقن ” ابركس” إحدى أدوية الضغط المهمة جداً، وشبه معدومة في كثير من الصيدليات منذ فترة طويلة بحسب جولة (الـسوداني)، وسعرها في الصيدليات يتراوح من (1500 – 2000)جنيه.
“كيتوفين” دواء شراب للأطفال إلى عمر ثلاثة عشر عاماً، منقطع تماماً منذ خمسة أشهر، وبحسب د. سامي ساتي من صيدلية المودة بالخرطوم في حديثه لـ(السوداني) أمس، فإن هذا المنتج تم إيقاف استيراده العام الماضي لأنه يُصنع محلياً عبر شركة تبوك للتصنيع الدوائي، إلا أنها توقفت بسبب عرقلة استيراد المواد الخام، وأضاف هذا الدواء غير موجود بجميع صيدليات السودان ومن يأتي ليطلبه نفيده بالاتصال بقريب أو صديق بدولة مصر ليوفر له هذا العقار.

للأسف غير موجود

بحسب د. سماح صلاح فإن الأدوية المنقذة للحياة تمثل نسبة 50% من جملة الأدويه بالصيدليات، وأضافت: هذه الأيام للأسف لا يتوفر منها سوى 15% فقط، مؤكدة أن ما تستورده الشركات وما يأتي عبر الإمدادات لا يكفي حاجة المستشفيات والمرضى، مطالبة بوضع حلول عاجلة لهذه القضية المؤرقة.

في الانتظار

رئيس شعبة الصيدليات السابق بالسودان د. حمدي أبو حراز، كشف في حديثه لـ(السوداني) أمس، عن اختفاء نحو (400) صنف دوائي من الصيدليات أكثرها من الأدوية المنقذة للحياة، مرجحا وجودها بمخازن الشركات أو علقت استيرادها، لجهة أن الشركات المُوردة للدواء بالسودان مُتوقفة لقُرابة الشهرين في انتظار قرار مجلس الأدوية والسموم بإعادة تسعيرها بدولار قيمته ( 47.5) جنيه، أي بالسعر الذي تم تحديده للبنوك مؤخراً.

واعتبر حمدي إن ذلك إذا تم يعني زيادة بنسبة ( 100%) في كل الأصناف الدوائية على الأقل، ولم يعب حمدي على الشركات إحجامها عن البيع مؤخراً، مشيرا إلى أنها في نهاية الأمر شركات تجارة ربحية، وأضاف: لا يُعقل أن تشتري بدولار قيمته أكثر من (47) جنيهاً وتبيع بدولار (30) جنيهاً، ولفت إلى أن الوضع الحالي لن تحسمه الشركات لأنها ستخسر رأس مالها وتفقد وكالاتها من الشركات الأصلية التي تستورد منها، بحجة أنهم غير ملتزمين، لذلك ينبغي لإنقاذ حياة المرضى من شُح الدواء أن تتدخل الدولة وتوفر مبالغ الاستيراد.

الخرطوم: تسنيم – نهى
صحيفة السوداني.