مقالات متنوعة

(السلفيون) والتعامل مع (الحاكم)


إن الدعوة السلفية تسترشد في موقفها من الحكومة بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتفهم النصوص الكثيرة الواردة في ذلك بفهم السلف الصالح ، والذي ينظر إلى الموقف السلفي في هذه القضية المهمة من القرن الأول وحتى يومنا هذا وعلى مختلف البلدان يجد ثباتاً ووضوحاً لا يخفى على كل ذي عينين .
وليس المقصود بهذا المقال سرد عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب ؛ فقد اعتنى أهل العلم في القديم والحديث بهذا الباب وبينوا الأصول والقواعد والكليات في ذلك بتفصيل لا يبقى معه إيهام أو غموض ولا يكون معه مجال لاضطراب أو تناقض !! والكتب المفردة في هذا الجانب كثيرة جداً ولله الحمد.
وإنما المقصود بكتابة هذا المقال التأكيد ببيان أن الدعوة السلفية تسترشد بالنصوص الشرعية في مواقفها من الحاكم ، وليس للمصالح والمقايضات الدنيوية أو الأغراض الشخصية أو الانفعالات العاطفية أو المكايدات السياسية أو غيرها نصيب في توجيه هذه المواقف.
فقد عشنا ورأينا من :

ـ يقايضون الحكومة في موقفهم منها حتى تلبي لهم طلباتهم ، فيعلنون سياسة تعطينا لنسمع ونطيع!!
ـ وآخرون يخرجون عليها ويعلنون شق العصا بناءً على عدم تحقيق بعض رغباتهم!!
ـ وآخرون يعلنون الولاء أياماً ثم ينقضون ذلك الولاء بتحالفات مع آخرين!! ويتغيرون ويتلونون في مواقفهم بناء على المصالح الشخصية!!
ـ وآخرون يرون أن الصلة مع الحاكم ينبغي أن تكون على التحالفات !! وليست السمع والطاعة !!
وآخر يقرر في أحد كتبه أن الشعب له أن يخرج في المظاهرات على الحكومة وله حق المعارضة ومحاسبة الحاكم بل وقلعه!! ثم يناقض هذا التقعيد الذي أصّل له في رسالة دكتوراه !! ببعض المواقف والنشرات الأخرى!
وغيرهم وغيرهم ،،،

وأما السلفيون فإن موقفهم من الحاكم في هذه القضية وكل القضايا هو: “التوجيهات الشرعية وما كان عليه السلف الصالح” وينطلقون من ركن شديد وأصول ثابتة وقواعد راسخة وهم في ذلك على بينة من أمرهم ، ولا يضر المنهج السلفي بعضُ المواقف الشخصية من بعض من ينتسب إليه ، فقد رأينا من اتجه لمقايضة الحاكم والدخول في تحالفات وأشهر سياسة كم تعطينا ؟ حتى نعلمك : كم نعطيك؟! ولا يخفى أن هذا الصنيع هو من التأثر الواضح بالأحزاب السياسية !! وإلا فإن الموقف السلفي المعروف لصغار طلاب العلم قبل كبارهم :
أن العلاقة مع الحاكم هي علاقة محكومين بحاكم ، فللحاكم حقوق وللمحكومين (الرعية) حقوق ، وليست القضية ترجع لمبدأ ندية أو خاضع لأي نوع من المساومات !! وإن السلفيين على مر العصور يقررون حقوق الحاكم وواجباته ، وقد سردت عشرة منها في حلقة سابقة بهذه الصحيفة ، كما إنهم يقررون حقوق الرعية التي يجب على الحاكم الوفاء بها ، ولم يكن بين تلك التقريرات سياسة المقايضة!! التي سار عليها البعض ، وقد وجدت معارضات كبيرة وواضحة من الأكثر منهم قرباً !! فضلاً عن غيرهم ، حتى باتت وكأنها مواقف شخصية لمعينين !!

ولا بد من ضرب بعض الأمثلة ليتضح بجلاء أكثر أن المواقف السلفية تستند على قواعد وأصول راسخة وثابتة وليست للمصالح الدنيوية أو المكايدات السياسية أو الانفعالات العاطفية تأثير في ذلك ، وأنّى يكون لذلك أو غيره تأثير والأمر دين وعبادة ويترتب على مخالفة الشرع فيه وعيد شديد ، والعياذ بالله تعالى .
ومن الأمور الثابتة الواضحة المقررة عند السلفيين : الصبر إن حصل جور من الحاكم ، وذلك بناءً على النصوص الكثيرة التي وردت في ذلك ، وأذكر منها :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية) .رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وفي رواية : ( من كره من أميره شيئاً ، فليصبر عليه ، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً، فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية) رواه الإمام البخاري في صحيحه.
— عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّة ، قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ ، فَقُلْنَا حَدِّثْنَا : أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا ، (أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ : إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)
رواه الإمامان البخاري ومسلم
ــ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تكرهونها ). قالوا : يا رسول الله ! فما تأمرنا ؟
قال : (تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم ) . رواه الإمامان البخاري ومسلم.

و(الأثرة) هي : الانفراد بالشيء عمن له فيه حق. ومن المقرر عند السلفيين أن الشرع قد أوجب الصبر على جور وخطأ الحاكم لأن الخروج عليه تترتب عليه مفاسد أعظم ، ومن تأمل التاريخ في القديم والحديث يجد أن أكثر مصائب المسلمين إنما هي من جراء التفريط فيما قرره الشرع في هذا الباب الخطير . قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية : (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا لأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور…).
وهذه إشارات وإلا فإن الأمر بحاجة إلى بسط ومزيد من النقولات والتوضيح إلا أن المقام لا يتيح أكثر من ذلك .

والأمثلة التي يتبين من خلال سردها رسوخ وثبات المنهج السلفي في هذه القضية المهمة مقارنة مع مواقف الكثيرين كثيرة جداً ، وأسأل الله تعالى أن ينفع بما ذكرت ونقلت وأحيل الأخ القارئ إلى قراءة الكتب التي ألفت في هذا الباب مثل كتاب الإبانة لا بن بطة وشرح أصول اهل السنة والجماعة للالكائي وأصول السنة للإمام أحمد والشريعة للآجري والسنة لابن أبي عاصم وغيرها والاطلاع على ما كتبه الشيخ الدكتور عبد السلام البرجس رحمه الله في تهذيب وتلخيص كلام السلف في كتبه ورسائله القيمة التي ألفها في هذا الباب.
وأسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق وأن يهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور وأن يؤلف بين قلوبهم وأن يوفق حكامهم للقيام بما أوجبه الله سبحانه وتعالى عليهم وأن يجعلهم رحمة لرعاياهم وأن يهيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، وأن يحفظ بلادنا وأهلنا من شر كل ذي شر ، وأن يكشف هذه الغمة على خير.

د. عارف الركابي
صحيفة الإنتباهة


‫3 تعليقات

  1. خسئت. الخروج حدث ولا يحتاج الناس إذناً من الخانعين أمثالكم.

  2. خسئت ثانية يا سلفي. وهل هؤلاء عندما استلموا السلطة خرجوا على الوالي ولا كان السعب اختارهم؟؟ تبا لك يا هذا. بعدين ليه ما تكتب عن فسادهم وافسادهم وسرقتهم لحق الشعب ولا شايف انهم كلهم جاءوا من أسر غنية مشهود لها وكلهم اولاد خفراء وحلابين بقر وصاروا الآن أغنى من أولاد الأمراء والملوك؟؟؟؟ تبا لكم يا كيزان ويا سلفيين يا جبناء

  3. سفيان الثوري رضي الله عنه قال: “أدخلت على أبي جعفر المنصور بمنى،
    فقال لي: ارفع إلينا حاجتك،
    فقلت له: اتق الله فقد ملأت الأرض ظلما وجورا، قال فطأطأ رأسه، ثم رفعه،
    فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: إنما أنزلت هذه المنزلة بسيوف المهاجرين والأنصار، وأبناؤهم يموتون جوعا، فاتق الله وأوصل إليهم حقوقهم، فطأطأ رأسه،
    ثم رفعه فقال: ارفع إلينا حاجتك، فقلت: حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لخازنه: كم أنفقت؟ قال: بضعة عشر درهما وأرى ههنا أموالا لا تطيق الجمال حملها، وخرج”

    المصدر: الإحياء ..