اقتصاد وأعمال

الصادرات السودانية.. فرص ذهبية رغم التحديات

الميزان التجاري السوداني ظل يسجل عجزاً متواصلاً، طيلة الفترة من 1956م – 2017م باستثناء بعض الفترات التي أعقبت تصدير البترول تحديداً خلال السنوات ما بين (2001 وحتى 2010م)، هذا الوضع دفع الخبراء والمختصين في ندوة مستقبل الصادرات السودانية بمعرض الخرطوم الدولي أمس، لتقديم رؤى وتوصيات من أجل تذليل المشكلات والمعوقات التي تواجه الصادرات، ثم السعي لتنمية وزيادة مساهمتها في تحسين وضع الميزان التجاري عموماً وميزان المدفوعات خصوصاً.

تشخيص حالة
الخبراء والمختصون أكدوا أن الصادرات السودانية تواجه مشكلات ومعوقات، أدت إلى تدني مساهمتها الفاعلة في تحسين وضع الميزان التجاري خصوصاً، وميزان المدفوعات عموماً واللذين ظلا يسجلان عجزاً متواصلاً طيلة الفترة (1956م– 2017م) ما عدا بعض السنوات التي تلت تصدير البترول في عام 2000م. وحدد بروفسير خالد حسن البيلي في ورقته مستقبل الصادرات السودانية، أسباب المشكلات في محاور تدني الإنتاج والإنتاجية في القطاعين الزراعي والصناعي، وغياب وعدم توفر معلومات كافية عن الأسواق الخارجية والمساحات المزروعة، والكميات المستهلكة والفائض للتصدير إضافة إلى تضارب المعلومات من المصادر المختلفة مثل بنك السودان ومصلحة الجمارك، كما تعاني المحاصيل الزراعية المختلفة من عدم وجود أسواق منظمة ومنتظمة ما عدا أسواق القضارف والأبيض، وأضاف: هذا يعني أن تجارة المحاصيل الزراعية ما تزال تقليدية لا تواكب ما يجري في العالم من تغيرات في أنظمة السوق والبورصات المختلفة، ثم ارتفاع الرسوم والضرائب على الصادرات مما يزيد من أسعارها ويؤثر على قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، كما تعاني محاصيل الصادر الزراعية والحيوانية من عدم وجود الطرق المسفلتة وعدم وجود الصوامع والمخازن إضافة لارتفاع تكلفة الإنتاج الكهربائي، وأيضا من عدم وضوح وتغيّر السياسات العامة والخاصة المتعلقة بالصادرات، ومن ضعف الترويج والتسويق لمنتجاته ويعزو ذلك لضعف المشاركة في المعارض الإقليمية والدولية إضافة لمحدودية الأسواق المستقبلية لهذه الصادرات حيث ينحصر معظمها في بعض الدول الآسيوية، الأوربية، العربية، وقليل من الدول الأمريكية، بجانب تضارب وتداخل القوانين الاستثمارية الاتحادية والولائية، مما يؤثر سلباً على نمو الصادرات البترولية إضافة لعدم توفر الاستقرار الأمني في بعض المناطق مما شكل عائقاً أمام تحسن مساهمة الصادرات في الميزان التجاري، إضافة إلى أن ضعف التمويل الداخلي (المصرفي) والخارجي (خطوط التمويل) من المؤسسات المالية الإقليمية كان له تأثيره السالب على زيادة حصيلة الصادرات الوطنية، مشددا على ارتفاع تكاليف النقل والترحيل عن طريق النقل الجوي والسكك الحديدية، ومنافسة البدائل الصناعية لبعض الصادرات الرئيسة مثل القطن، الصمغ العربي، الجلود حيث تمتاز هذه البدائل بقلة أسعارها وسهولة التعامل معها.

فرص ذهبية
ونوه الخبير د.محمد أحمد عبد الرحمن، إلى دور المناطق الحرة في تنمية الصادرات، وقال إن المناطق الحرة هي الجهة الوحيدة المؤهلة لتنمية الصادرات السودانية عبر خطوط معالجة الصادر، وذلك بما لديها من بنية تحتية نسبية، قادرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة وخاصة في مجال التصنيع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، بجانب توفر مدخلات الإنتاج الأساسية في المناطق الحرة ويمكن استخدام حزم التقانات في العمليات الإنتاجية، ثم إمكانية الحصول على القروض والمنح الميسرة من الدول ووكالات الأمم المتحدة المهتمة بالصناعات المحلية، وأضاف: المناطق الحرة توفر بنية تحتية قادرة على الوفاء بمتطلبات المستثمرين، وخطط تسويقية وترويجية طموحة لاستقطاب الاستثمارات الخارجية، مع إنشاء مواعين التخزين بما يتناسب واحتياجات المستثمرين، خاصة المستودعات المبردة في منطقة البحر الأحمر الحرة، ودعم العمل اللوجستي كما أوصى عبد الرحمن بضرورة أن تكون المنطقة الحرة هي منصة تصدير الصادرات السودانية وأن يكون هناك حافز للصادر، فضلا عن عدم تصدير المنتجات السودانية كخام، ولا بد من تجهيز خطوط الصادرات بالمناطق الحرة، وأن يكون هناك مجلس أو هيئة لترقية وتنمية الصادرات السودانية، بجانب مراكز فرز وتدريج للصادرات السودانية بصورة احترافية وكفاءة عالية، إضافة إلى توفير دعم مؤسسي للمناطق الحرة من وزارات القطاع الاقتصادي وخاصة من وزارة الصناعة والتجارة.

خارطة طريق
وفي المقابل دعت التوصيات إلى تشجيع استخدام وسائل التقنية الحديثة في جميع عمليات إنتاج سلع الصادر وتوفير مدخلات الإنتاج في الأوقات المناسبة إضافة لإعفاء (أو تخفيض) الرسوم والضرائب المفروضة على القطاع الزراعي، وتقليل هامش الأرباح التمويلية لقطاعات الصادر المختلفة، واتباع نظام الحوافز التصديرية وربطها برفع سقوفات التمويل لتشجيع المنتجين على الإنتاج والمصدرين على التصدير، إضافة إلى تطوير علاقات السودان مع المنظمات الإقليمية والدولية والبنوك الخارجية لتوفير فرص تمويل خاصة بالصادرات، بالإضافة إلى تفعيل دور الوكالة الوطنية لتمويل وتأمين الصادرات بزيادة رأسمالها وتشجيع المصارف والمصدرين للتعامل معها، كما وجهت بالسعي لإيجاد أسواق جديدة عبر السفارات والملحقيات الاقتصادية، كذلك ضرورة إنشاء هيئة تعني برصد كل المعلومات المتعلقة بقطاع الصادر.
وطالبت التوصيات بإشراك الجهات ذات الصلة (القطاع الخاص) في وضع السياسات العامة والخاصة المتعلقة بقطاع الصادر، والعمل كذلك على استقرار السياسات المالية والنقدية المتعلقة بهذا المجال، ثم ضرورة توسيع وترقية الصادرات بإدخال منتجات جديدة، وتحسين جودتها ومواصفاتها لضمان وصول المنتجات بأقل تكلفة للأسواق الخارجية.
وأشارت التوصيات إلى ضرورة الاستمرار في التجمعات والمعاهدات الإقليمية مثل الكوميسا ومنطقة التجارة العربية الكبرى وذلك لأن الانضمام لهذه التجمعات يساهم في الاستعداد لمرحلة الاندماج في الاقتصاد العالمي والانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتي لم يحظ السودان بعضويتها بعد.

الميزان التجاري في قرن
يشار إلى أن الصمغ العربي مثل محصول الصادر الرئيسي خلال الفترة (1900 – 1925م) إذ ساهم الصمغ العربي بحوالي 75% من مجموع صادرات السودان في تلك الفترة، كما أن صادرات السودان من الصمغ العربي مثلت حوالي 50% من مجموع صادرات الصمغ العربي للأسواق العالمية، كما مثل إنشاء مشروع الجزيرة في عام 1925م تحولاً بارزاً فيما يتعلق بصادرات السودان الرئيسة، إذ إن المشروع ركز على زراعة القطن لمصانع لانكشير ببريطانيا وبدأ القطن يتحول ليصبح محصول الصادر الرئيس، دعت الخطة العشرية 1960 – 1970 إلى تقليل الاعتماد على القطن بعد تذبذب أسعاره عالمياً، إلى الاهتمام بزراعة محاصيل أخرى مثل (الفول السوداني، السمسم والقمح)، لكي تساهم في زيادة حصيلة الصادرات، تلتها الفترة 1970 – 1989م حيث تواصل عجز الميزان التجاري خلال هذه الفترة ويُعزى ذلك، إلى ارتفاع الكبير في فاتورة الواردات وعلى رأسها المواد الغذائية والسلع المصنعة والآلات والمعدات، ثم جاءت الفترة 2000 – 2011م قبل انفصال الجنوب، وشهدت هذه الفترة تحسناً ملموساً في وضع الميزان التجاري ويُعزى ذلك لبداية تصدير البترول منذ عام 2000 وارتفاع مساهمة البترول في الحجم الكلي للصادرات السودانية، وفي المقابل تقلصت مساهمة الصادرات غير البترولية في الحجم الكلي للصادرات، ولكن ظهر الذهب كمساهم رئيسي في الصادرات، بعد ذلك جاءت فترة انفصال الجنوب حتى 2017م حيث فقدت البلاد حوالي 75% من وارداتها النفطية، ولولا التحسن الواضح في إنتاج الذهب لازداد الوضع سوءاً في الميزان التجاري.

صحيفة السوداني.