العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم
إذاً بوتين يرد على ترامب ويعلق العمل بمعاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة تعليق التزاماتها بموجب معاهدة القوى النووية المتوسطة المدى أولاً، وتنسحب من معاهدة الأسلحة النووية لمدة ستة أشهر، وتهدد أنه إذا لم تعد روسيا للالتزام بالمعاهدة فسينتهي العمل بها.
روسيا ترد بالمثل على لسان القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهذا الرد لا يستدعي موسكو لنشر الصواريخ في أوروبا أو أي مناطق أخرى ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك ولن يجر إلى سباق تسلح مكلف، وذلك لأن روسيا تقوم بإنتاج أنواع جديدة من الأسلحة ضمن ميزانية التسلح المرصودة.
لكنه في الوقت نفسه يرى بضرورة البحث عن سبل مواجهة الخطر الذي قد ينجم عن نشر بعض الدول أسلحتها في الفضاء. وفي هذا الإطار أعلن الزعيم الروسي عن ضرورة تغيير صيغة الاجتماعات العسكرية، وعزمه الإشراف شخصيا على عملية إدخال الأسلحة الجديدة حيز الخدمة.
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اقترح استخدام منصات برية لإطلاق صواريخ كاليبر التي تطلق حاليا من السفن والغواصات بعد الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ، وهذا الاقتراح نال موافقة القائد الأعلى للجيش الروسي.
بطبيعة الحال هذا التطور في أساليب الحرب غير المباشرة له أسبابه. أهمها أن المؤسسة العسكرية الروسية أكدت بالأدلة الدامغة إن واشنطن لم تقرر الانسحاب من معاهدة نزع الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى فحسب، بل وبدأت تصنيع صواريخ محظورة قبل سنتين من شروعها في اتهام روسيا بخرق المعاهدة.
الحديث يدور عن توسيع وتحديث الطاقات الإنتاجية لمصنع مؤسسة ريثون أحد معامل الحربية الأمريكية في مدينة توسان بولاية أريزونا جنوب غربي البلاد الذي انطلق منذ حزيران/يونيو عام 2017، وذلك بهدف إنتاج صواريخ متوسطة وقصيرة المدى المحظورة وفق المعاهدة الدولية. حيث ازدادت مساحة المصنع خلال العامين الماضيين من 55 إلى 79 ألف متر مربع، أي بنسبة 44%
علاوة على ذلك قامت واشنطن بعد وقف الحوار حول الصواريخ الدفاعية في عام 2014 بتوسيع رقعة تواجدها في أوروبا وآسيا لتعزيز أنظمتها بما في ذلك ألاسكا والساحل الشرقي. بالإضافة إلى إن عقيدة الجيش الأمريكي شملت هدف صنع قنابل نووية خفيفة، واستخدامها على صواريخ متوسطة المدى.
الحجة الأمريكية هي أن موسكو قامت بإنتاج الصواريخ المجنحة 9M729 التي بزعم واشنطن يتجاوز مداها النطاق المسموح به. لكن كما هو معلوم كانت وزارة الدفاع الروسية قد أطلعت الملحقين العسكريين الدوليين على الصاروخ وخصائصه، وتم دحض جميع الاتهامات الأمريكية بهذا الشأن.
أحيت روسيا ذكرى مرور 76 عاماً على انتصار الاتحاد السوفييتي في معركة ستالينغراد — أشرس المعارك في الحرب العالمية الثانية، والتي أحدثت تحولًا كبيرًا في مجريات الحرب الوطنية العظمى. لكن ما يميز هذه المعركة أيضاً عن بقية المعارك هي أنها تُعد أحد أطول وأضخم وأكثر المعارك دموية في التاريخ الحربي ككل؛ نتيجة لعدد القتلى الذي فاق المليون ونصف المليون قتيل.
الزعيم النازي أدولف هتلر رأى في ستالينغراد هدفاً حيوياً ذا رمزية مزدوجة؛ فمن الناحية الأيديولوجية تحمل المدينة اسم عدوه اللدود ستالين، ومن الناحية الإستراتيجية تُشكل المدينة نقطة التقاء جميع المحاور السككية الهامة في الاتحاد السوفيتي. فضلًا عن ذلك تضم المدينة قاعدة صناعية هامة، وأهم ميناء نهري في البلاد، هذا بالإضافة إلى كونها البوابة الوحيدة تقريبًا لغزو القوقاز، وبحر قزوين، والسيطرة على آبار النفط الحيوية؛ من أجل تأمين احتياجات ألمانيا من البترول والغاز.
هتلر كان قد أوعز إلى قادة جيوشه مهمة الاستيلاء على مدينة ستالينغراد، وقطع الممر البري بين نهري الفولغا والدون، من أجل منع القوات السوفيتية من الوصول إلى الفولغا، شريان المواصلات ذي الأهمية الحيوية.
في 12 تموز/يوليو، جرى إنشاء جبهة ستالينغراد تحت قيادة المشير سيميون تيموشينكو، الذي أسند إلى جيوشه مهمة وضع خطوط دفاع حصينة، بطول الشاطئ الأيسر لنهر الدون، لتبدأ عملية الدفاع الاستراتيجية. وفي 27 من الشهر نفسه أصدر القائد العام السوفيتي جوزيف ستالين أمره الشهير بعدم التراجع تحت شعار «لا خطوة واحدة إلى الخلف»، على أن يخضع أولئك الذين يستسلمون للمحاكمات العسكرية، ويواجهون الإعدام المحتمل.
انسحبت القوات السوفيتية إلى الشاطئ الأيسر من الدون، وحصنت نفسها للدفاع في ضواحي ستالينغراد، في 10 من شهر آب/أغسطس، ثم في 23 من الشهر نفسه، شنّ سلاح الجو الألماني على المدينة قصفاً مدمراً؛ أسفر عن مقتل حوالي 90 ألف شخص معظمهم من المدنيين. وفي اليوم نفسه بلغت القوات الألمانية ضفاف الفولغا، واستطاعت دخول المدينة في 12 أيلول/سبتمبر، لتبدأ المعارك في أحيائها. وتقدمت القوات الألمانية داخل المدينة إلى أن باتت تسيطر على 90% منها، بحلول منتصف تشرين الثاني/نوفمبر.
ملحمة ستالينغراد عبرة لمن لا يعتبر
وبما إن وصول إمدادات قوات الجيش الأحمر لم يكن ممكنًا إلا بمعابر في نهر الفولغا، ركَّز الألمان جهودهم على أهم المواقع المستخدمة لقصف النهر. ومع أن القوات الألمانية نجحت في الوصول إلى ضفاف النهر في عدة أماكن داخل المدينة، إلا أن المقاومة الروسية استمرت، وتم استنزاف القوات الألمانية الضاربة خلال 125 يوماً من المعارك الضارية. ونتيجة لذلك تهيأت الظروف للجيش الأحمر لشن هجوم مضاد.
بدأ جنرالات ستالين بإرسال تعزيزات إلى المدينة والمناطق المحيطة بها، واحتدم القتال في شوارع ستالينغراد، حيث استخدم كلا الطرفين القناصة على أسطح مباني المدينة. وقام الجنرالان الروسيان جوكوف وفاسيليفسكي بتنظيم قوات روسية، مدعومة بقوات من الحلفاء رومانيا والمجر، في الجبال الموجودة شمال وغرب المدينة. ومن هناك أطلقوا هجومًا مضادًا يُعرف باسم عملية «أورانوس».
أطلق السوفيت هجومهم المضاد في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1942، وشكل الجيش الخامس بقيادة الجنرال فاسيلي تشويكوف رأس الحربة فيه. وعلى الرغم من تكبدها خسائر كبيرة مرة أخرى، تمكنت القوات الروسية من تشكيل حلقة دفاعية حول المدينة في أواخر الشهر ذاته،و حاصرت نحو 300 ألف من قوات ألمانيا وحلفائها من دول المحور في الجيش السادس.
وفي 10 كانون الثاني/يناير 1943، بدأ الجيش الأحمر عملية «الطوق» بتوجيه الضربات على الوحدات الألمانية المحاصرة، وجرى شق مجموعة قوات العدو إلى شطرين تمهيداً للقضاء عليها. وفي نهاية الشهر ذاته كان قائد الجيش السادس المارشال فريدريخ باولوس قد سَلّم نفسه وأعضاء هيئة أركانه.
بعد القتال العنيف استهلك الألمان وحلفاؤهم كل ذخيرتهم وطعامهم، وأجبروا على الاستسلام. وأسدل إعلان استسلام المجموعة الشمالية من الجيش السادس الألماني، في الثاني من شباط/فبراير 1943، الستار على نهاية معركة ستالينغراد، التي فاز فيها الاتحاد السوفيتي بعد اندلاعها بخمسة أشهر وأسبوع وثلاثة أيام. وأسفرت عمليتها الختامية عن أسر أكثر من 91 ألف عسكري ألماني، بينهم ألفا وخمسمائة ضابط و24 جنرالاً.
الغرب سيشعل آسيا الوسطى ليحرق روسيا
نعم كما ذكرنا تمكنت روسيا في سورية بتر يد القوى التي حاولت نشر نهج تغيير الأنظمة غير المرغوب فيها من خلال خلق كيان معارض للنظام العالمي القائم راغب ليس في تصحيحه، وإنما تحطيمه وإرساء قواعد جديدة من أجل إنشاء نظام عالمي جديد. لكن الرغبة في تكرارها في مناطق أخرى لا تزال قائمة
والسؤال هل هناك تهديدات أخرى لروسيا إلى جانب التهديد العام بحرب عالمية؟ نعم هناك معلومات عن نقل مقاتلي تنظيم داعش الارهابي، بمروحيات الناتو، إلى آسيا الوسطى لتوجيه ضربات موجعة، يُنتظر أن تمتد آثارها إلى روسيا.
بالفعل يمكن أن تصبح طاجيكستان بقعة ساخنة جديدة على الخريطة، فمقاتلو داعش، ينتقلون بشكل كبير من العراق وسوريا إلى “قاعدة انطلاق” جديدة بالقرب من الحدود الطاجيكية الأفغانية في منطقة بامير الشرقية.
القيادة العسكرية الروسية تفترض أن الحديث يدور عن تحضير استفزازات واسعة النطاق يمكن أن تؤثر حتى على روسيا. ربما يتعلق الأمر بتنظيم هجمات إرهابية في المناطق الجبلية في طاجيكستان المجاورة لأفغانستان، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدفق اللاجئين إلى روسيا بأعداد كبيرة.
مسلحو تنظيم داعش المهزوم هرعوا إلى الحدود الأفغانية الطاجيكية، من أجل أن يواصلوا ممارساتهم التي اعتادوا عليها من خلال تنفيذ خطط الممولين. على أي حال، كانت هناك معارك شرسة للغاية بالقرب من الحدود السورية العراقية، ومعظم المسلحين قتلوا، خاصة أثناء تحرير المناطق الحدودية بين سورية والعراق، وتم القبض على العديد منهم هناك. وسيكون من المستحيل الخروج من مثل هذا المرجل بهذه السهولة.
ولكن الجنرالات الروس يلمّحون مع وجود الأدلة الدامغة إلى أن الأمريكيين هم من ينقلون بشكل منظم المسلحين إلى آسيا الوسطى؟ والمريب في الأمر هو أن ترامب تحدث عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، لكنه لا يبدو في عجلة من أمره. وفي الوقت نفسه، هناك سؤال يطرح نفسه وهو ماالذي سيحدث لحلفاء الأمريكيين من قوات سوريا الديمقراطية التي عمادها القوات الكردية. على ما يبدو، يود الأمريكيون الاتفاق على الحفاظ على هذه القوات مع الأتراك، لكن من الواضح أن ذلك لم ينجح بعد.
سبوتنيك