النظام المصرفي .. عاصفة غضب رئاسي
من الوارد جداً أن يتحدث عامة الشعب واية جهات اخرى عن عدم ثقتهم في النظام المصرفي السوداني خاصة هذه الأيام، فكل العملاء من اكبر رجل اعمال لاصغر تاجر اصبحوا يخفون اموالهم في الخزانات المنزلية وتحت الارض، بدلاً من المصارف التي ترفض تسليمهم هذه الاموال عند حاجتهم, وما كارثة حريق سوق ام درمان وما احدثته من خسائر مالية في النقد الاجنبي والمحلي ببعيدة، وكانت حالة من الهلع قد اصابت المواطنين حيال النظام المصرفي وتمددت لدى كل البنوك، مما أشار إلى حالة من الخطر افزعت كل البنوك، وهي مازالت تلهث لاعادة الثقة وعودة عملائها، لكن عندما يصدر الهواء الساخن من القصر الرئاسي فإن للحديث دلالات وأبعاد لها ما بعدها.
والمتابع للمسرح السياسي السوداني يدرك أن انتقاد الرئيس البشير للجهاز المصرفي لم يكن الأول، بل سبقه رئيس الوزراء معتز موسى، حيث قال في وقت سابق: (حتى الآن هناك كمية كبيرة من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، والإجراء المقبل الذي سنتخذه قريباً سيكون كفيلاً بإعادة الكتلة النقدية للجهاز المصرفي خلال أيام معدودة)، مما يوحي كذلك بافرازات لم تغفل عنها الدولة في حينها. وأضاف قائلاً: (هنا نتكلم عن أموال هائلة وكبيرة إذا ما ظلت خارج منظومة النظام المصرفي ستكون هناك مشكلة)، كما انتقد مدير جهاز الأمن في وقت سابق السياسات المالية لبنك السودان.
وبالأمس القريب اتهم الرئيس البشير البنوك وعلى الهواء الطلق، بأنها تتعامل بالصيغ الربوية واتباع النظام الغربي العلماني في ادارة الاموال، واتهم كذلك خلال زيارته لمدينة الابيض مديري بعض المصارف بمقاومة وافشال تجربة التمويل الاصغر، وتحويل الاموال المخصصة للتمويل الى دولارات والمتاجرة بها في السوق السوداء. وقال ان المرابحات في البنوك السودانية نتائجها اسوأ من اي نظام ربوي موجود، واصفاً المصرفيين في السودان بأنهم نتاج نظام مصرفي غربي وضعي علماني يهيمن على تفكيرهم وأدائهم، وقال: (يمكن لمدير فرع في اي بنك من البنوك ان يخلف رجلاً على رجل ويجري عملية مرابحة صورية، ويحول الأموال في البنك إلى دولارات ويخرب بها السوق).
وكشف البشير عن مقاومة في المصارف لتنفيذ نسبة (12%) في التمويل الأصغر، وزاد قائلاً: (وجدنا مقاومة ظهرت في أن نسبة التنفيذ لم تتعد 3%-4%). ووجه بنك السودان المركزي بسحب نسبة الـ (12%) المخصصة للتمويل الأصغر من أي مصرف لا يلتزم بتخصيص النسبة من إجمالي تمويله، وتحويلها إلى البنوك المحددة للتمويل الأصغر. وقال البشير ان سعر الفائدة بالنسبة للمرابحات في البنوك وصل 15% بينما لا يتعدى 3% بالنسبة لسعر الفائدة, وقال مشككاً في النظام المصرفي: (اعطوني أي نظام ربوي في العالم يأخذ أرباحاً بنسبة 15%).
ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي تتحدث فيها قمة الدولة عمن قام بتخريب الاقتصاد السوداني او كما يفهم من السياق بصورة واضحة، حيث عدد في وقت سابق مكامن الفساد ومحاربة من سماهم القطط السمان وبعضهم رؤوس كبيرة في المصارف او رجال اعمال بصلاتهم بالبنوك تحصلوا على مرابحات باموال مهولة لهم او لاقربائهم وبطرق غير مشروعة، وما قضية مدير بنك فيصل الاسلامي وفضل محمد خير مدير بنك الخرطوم وآخرين من الذين تم اتهامهم بالتعامل بالنقد الاجنبي وحيازتهم ملايين الدولارات وغسل للاموال ببعيدة، خاصة أنه تم الاعلان حينها عن اعتقال اكثر من ستة عشر شخصية من رجال الاعمال والعاملين في القطاع المصرفي في قضايا تتعلق بالاقتصاد القومي وتخريبه.
والسؤال المطروح: لماذا أعلنت الرئاسة الحرب على نظامها المصرفي في وقت يشكو فيه الجميع من عدم السيولة، وفقدت البنوك اغلب عملائها نتاج الازمة الماثلة؟ البروفيسور الطيب زين العابدين اكد ان نظام المرابحة نظام قديم، قائلاً: (هي ليست وسيلة جديدة حتى يتحدث عنها الرئيس حالياً، فالبنك المركزي هو الذي يضع السياسات وهو المسيطر على البنوك ويمكنه ان يوقف بنوكاً، وقد حدث ذلك فعلاً مع احد البنوك، اما ان تتحدث الدولة حالياً عن ذلك فهذا يعني انها تبحث عن كبش فداء للسياسات الاقتصادية الفاشلة، ولا يمكن ان نسمي ذلك حرباً على الفساد باعتبار ان البرلمان صوت على انشاء آلية لمحاربة الفساد قبل اكثر من عامين، ولكن حتى الآن لا نرى لها وجوداً، فمن ينشئها؟ اليست الدولة؟ واضاف ان المصارف اصلاً فقدت الكثير من عملائها وبالتالي ثقتهم بسبب عدم توفر السيولة، ولكنه عاد وقال ان محور حديث الرئيس انصب اساساً على التمويل الاصغر ومدى نجاح البنوك في تحقيقه، وهو المعني به طبعاً الفئات الشبابية والفئات الفقيرة.
واتفق رئيس تحرير صحيفة (آخر لحظة) اسامة عبد الماجد مع البروف زين العابدين في ان احدى اشكاليات المصارف سياسات البنك المركزي. وقال: (من الواضح جداً أن المعلومات التي تصل للرئيس في ملف البنوك غير مكتملة الحلقات، حيث ان البنوك تعمل في ظروف صعبة وانها مكبلة بالقيود الرسمية، فضلاً عن ان البنوك اخذت بجريرة الحكومة، لان الذنب الاصلي هو ذنب الحكومة وليس المصارف، لأن البنك المركزي هو احدى اشكاليات البنوك، حيث انه يحاصرها، فمثلاً حظر التمويل العقاري وحظر تمويل السيارات والتجارة الخارجية، كل هذه القرارات وللمفارقة تراجع عنها البنك المركزي، فسياسته إذن غير دقيقة مما اثر في ادائها) على حد قول عبد الماجد، فقد اسهم التمويل العقاري سابقاً في تقارب المسافات بينها وبين العملاء .. واشار عبد الماجد الى ان ازمة السيولة كانت قاصمة الظهر بالنسبة للعلاقة بين العملاء والبنوك، فلا بد من تعزيز الثقة لتقدم اكثر، ومساعدتها في فتح آفاق خارجية، ومد اواصر الثقة بينها وبين مؤسسات التمويل الخارجية. واضاف اسامة ان البشير في خطابه بالابيض قسا على المصارف، واما عن قوله ان البنوك ربوية، قال عبد الماجد انه من المعلوم ان اساس النظام المصرفي السوداني اسلامي، لكن الجهات المعنية بملف المصارف عجزت عن ادارته تماماً، وهذا واضح من القاء اللائمة على البنوك.
سناء الباقر
صحيفة الإنتباهة
تجبب محاسبة البنك المركزي لأنه المعني والمسؤوول الأول عن وضع سياسات البنوك ومراقبة تنفيذها