“ماسينا”.. المشروع القطري التركي الجديد في الساحل
تسعى كل من قطر وتركيا بعد انعزالهما من محيطهما، إلى خلق فضاء آخر وإن كان بعيدا عن مجالهما الجغرافي، وذلك من خلال محاولات لا تنتهي لاختراق القارة الأفريقية بكل الوسائل وتحت كل المسميات.
وشهدت القمة الأفريقية الأخيرة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مساعي كل من قطر وتركيا، لاختراق فضاء القارة السمراء من خلال اجتماعات جماعية وفردية مع الوفود الأفريقية المشاركة في القمة، لـ”تعزيز الشراكة” معها.
وأتى اللقاء مع الأفارقة، بعد سباق في الأعوام الماضية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي زار في 2015 أكثر من 10 دول أفريقية، فيما قام نظيره القطري تميم بن حمد بجولة شملت 6 دول بغرب أفريقيا.
السباق القطري التركي المنسق، ذهب للقارة بدعوى خلق شراكات متنوعة، لكن مراقبين لاحظوا أن الحماسة التركية القطرية لم تبدأ بهذا الشكل اللافت إلا بعد مقاطعة دول الجوار لقطر بسبب زعزعتها لاستقرار المنطقة.
وفيما تسعى الدولتان، إلى نسج علاقات مختلفة ومريبة، سياسيا لمحاولة كسب أنصار لسياستهما المضطربة بغية إيجاد موطئ قدم في العالم، واقتصاديا من خلال شراء غطاء اقتصادي عبر شراكات مختلفة، إلا أن الستار الأكبر يتضح من خلال مسمى “الدعم الاقتصادي والمساعدات الإنسانية”.
وتشهد دول الساحل الأفريقي التي تضم بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد نشاطا لتركيا وقطر تحت شعار التعاون والدعم، حيث لوحظ نشاطهما في مناطق عدة من الدول المذكورة.
وكان الرئيس الإريتري قد اتهم تركيا بالسعي للتحكم في أفريقيا وفق أجندة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي، وبدعم مما أسماها “قوى الهيمنة العالمية”.
وفي السنوات القليلة الماضية وتزامنا مع اختراق قطر وتركيا للساحل الأفريقي، ظهر اسم “جبهة ماسينا”، الذي ارتبط بجماعات إرهابية، هي المسؤولة عن إشعال دول الساحل والصحراء، وعن معظم أعمال التخريب والقتل، والتي تحاربها قوات دولية لمكافحة الإرهاب بالمنطقة التي تضم خمس دول.
وحسب مراقبين، فقد تزامنت محاولات التوسع القطري التركي بالمنطقة، مع ارتفاع وتيرة نشاط هذه الجماعة في نفس الدول التي ركزت فيها أنقرة والدوحة نشاطهما.
ويأتي الدعم القطري في شكل مساعدات إنسانية ودعم منظمات أهلية، وذلك في المناطق التي تسيطر عليها على الجماعات وأنصارها، مما ساعد حركة ماسينا التي تعد الأخطر الآن في المنطقة من تقوية شوكتها.
وفي السنوات الأخيرة تبنت الجبهة التي خرجت من رحم بوكو حرام والقاعدة هجمات دموية في بوركينافاسو ومالي والنيجر ونيجيريا ومناطق عدة بالقارة.
وتأتي قدرة الجبهة الإرهابية من خلال انتشار أفراد قبيلة “الفلاني” التي خرجت منها في مجال واسع وفي عدد من دول سط وغرب أفريقيا. ويعمل معظم أفرادها في مجالات الرعي في فضاء واسع، مستغلين تواجدهم الجغرافي الواسع.
أحلام مشتركة للإرهاب
وتمثل الجبهة المستفيدة من المساعدات القطرية والتركية في مناطق تواجدها، تهديدا كبيرا للمنطقة، إذ تسعى حسب تقارير عديدة، إلى إعادة تأسيس ما يسمى بـ”الإمبراطورية الفولانية” من جديد، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، وذلك من خلال تبني فكر “قاعدي” عنيف، وعبر محاولة استقطاب عناصر قومية “الفولاني” في دول مثل السنغال والنيجر وموريتانيا، إضافة إلى مالي.
وتبدي الجبهة أهمية خاصة لاستهداف القوات الفرنسية الموجودة في شمال مالي، حيث تعتبرها الخصم الثاني بعد القوات المالية، خاصةً أن العديد من مقاتلي الجبهة كانوا قد انضموا من قبل إلى حركة “أنصار الدين” الإرهابية التي نجحت القوات الفرنسية في إخراجها من شمال مالي.
وابتدأت العلاقة القطرية مع هذه الجماعة، منذ أن نشرت صحف فرنسية، قبل أعوام، تقارير قدمتها الاستخبارات العسكرية إلى رئيس أركان الجيوش الفرنسية، أكدت أن أكثر من حركة في مالي تستفيد من الدعم المالي القطري، سواء بالحصول على مساعدات لوجستية أو مساهمات مالية مباشرة تحت غطاء جمعيات خيرية وإنسانية تنشط هناك.
ووجه سادو ديالو عمدة مدينة غاو فى شمال مالى اتهامات لأمير قطر بتمويل المتشددين عبر مطارى غاو وتنبكتو وتمويلهم تحت غطاء المساعدات الإنسانية والغذائية.
وأكد حينها أن من بين المستفيدين من هذه المساعدات القطرية على وجه التحديد، حركة “التوحيد والجهاد” فى غرب إفريقيا (أحد فروع جماعة ماسينا)، التى تعتمد أيضا فى مصادر تمويلها على تجارة المخدرات والسلاح والاختطاف واحتجزت لعدة أشهر 7 دبلوماسيين جزائريين وطالبت بفدية لكن السلطات الجزائرية رفضت ذلك.
وحسب “مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، ربما يمكن القول إن تصاعد نشاط “جبهة تحرير ماسينا” سوف يؤدي، في الغالب، إلى تفاقم الأوضاع الأمنية المنهارة في مالي، خاصةً أن نشاطها يدفع في اتجاه تصعيد حدة الصراع العرقي، بشكل بات يفرض على دول تلك المنطقة فضلا عن القوى الدولية المعنية بأزماتها رفع مستوى التنسيق فيما بينها لمواجهة التهديدات التي تفرضها تلك الجبهة.
سكاي نيوز