عالمية

“قطار اليتامى”.. فكرة أنقذ بها رجل 200 ألف طفل


خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عاشت مدينة نيويورك الأميركية على وقع ارتفاع مذهل في عدد سكانها سرعان ما تفاقمت معه العديد من الأزمات التي كان أبرزها مشكلة الأطفال المتشرّدين.

وبحسب بعض الإحصائيات، فقد تفاقم عدد الأطفال المتشردين بحلول سنة 1850، حيث أحصي بأحياء نيويورك ما بين 20 و30 ألف طفل متشرد خلال فترة قدّر خلالها عدد سكان المدينة بنحو نصف مليون نسمة.
وإضافة لنيويورك، عانت أغلب مدن الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية من انتشار واسع للأطفال المتشردين حيث وجد هؤلاء أنفسهم في الشوارع دون مأوى لأسباب عديدة، منهم من فقد عائلته بسبب الأوبئة والأمراض، مثل الحمى الصفراء والحمى التيفودية، وتحولهم بالتالي ليتامى أو بسبب الفقر، حيث لجأت العديد من العائلات الفقيرة لطرد أبنائها وتركهم في الشوارع نظرا لعدم توفر الإمكانيات المادية.

وفي الأثناء، لم تكن حياة الشوارع رائعة لهؤلاء الأطفال الذين أجبروا على تحمّل برودة الطقس والجوع والمرض.

ولضمان بقائهم على قيد الحياة، عمد الأطفال المتشردون لتنظيم أنفسهم على شكل فرق وعصابات لمجابهة المخاطر، كما لجأوا إلى السرقة والنشل والتسول وبيع الجرائد وجمع فضلات المطاعم لتوفير قوتهم اليومية.

في حدود سنة 1853، اتجه المجتمع الأميركي للتحرك من أجل مساعدة هؤلاء الأطفال المتشردين، وكان فاعل الخير تشارلز لورنغ برايس (Charles Loring Brace) أبرز المساهمين في عملية إنقاذ هؤلاء الأطفال، حيث أنشأ الأخير جمعية عرفت بجمعية مساعدة الأطفال (Children’s Aid Society) أوكلت إليها مهمة توفير حياة أفضل لهم.

بادئ الأمر، أوكلت لهذه الجمعية مهمة توفير أساسيات التعليم للأطفال قبل أن يتوسع نشاطها أكثر عقب افتتاحها ملجأ.

من خلال جمعيته، سعى فاعل الخير برايس لمساعدة الأطفال المشردين، لكن بسبب النقص الفادح في الإمكانيات والعدد الهائل للأطفال فاقدي السند والمأوى، واجهت جمعية مساعدة الأطفال مشاكل جمّة أجبرت تشارلز لورنغ برايس على البحث عن طريقة جديدة قادرة على تغيير حياة كل الأطفال المتشردين.

وبحسب فكرته العبقرية، اتجه برايس لجمع الأطفال المتشردين من المناطق المكتظة بالسكان بالساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية لنقلهم نحو المناطق الريفية بالوسط الغربي للبلاد ليتم تبنيهم من قبل العائلات التي امتهنت الأعمال الفلاحية حيث آمن برايس بحاجة هذه المناطق الفلاحية المتزايدة لليد العاملة، الأمر الذي قد يسهّل عمليات التبني وتوفير مستقبل أفضل للأطفال المتشردين بالمدن.

خلال تلك الفترة أرسل الأطفال على متن القطار نحو الوسط الغربي للبلاد وتزامنا مع نجاح عمليات التبني سنة 1854 بكل من بنسلفانيا (Pennsylvania) وميتشيغن (Michigan) اتجه العديد من الأثرياء لتمويل عمليات نقل الأطفال المتشردين نحو المناطق الفلاحية بالوسط الغربي لتوفير فرص حياة أفضل لهم، ولعل أبرزهم السيدة أوغستا غيبز (Augusta Gibbs)، زوجة الثري الأميركي جون جاكوب أستور الثالث، والتي موّلت وحدها عملية نقل أكثر من ألف طفل متشرد على متن القطار، تزامن ذلك مع دخول شركات السكك الحديدية على الخط عن طريق منحها تخفيضات كبيرة على رحلات هؤلاء الأطفال ومرافقيهم.

وخلال عمليات التبني، كان صغار السن أكثر حظا، حيث آمنت العائلات المتبنّية بسهولة تربية صغار السن الذين لم يفسد الشارع نمط حياتهم وسلوكهم، وبسبب ذلك كانت إمكانية تبني الأطفال الذين تجاوز عمرهم 14 سنة ضعيفة.

أيضا، اتجه المتبنّون لاعتماد بعض الإجراءات مع الأطفال قبل تبنيهم، حيث عمد كثير منهم لفحص أسنان الطفل وسلامة بنيته الجسدية وأعضائه قبل تبنيه.

كما وعد المتبنّون بتوفير المستلزمات الغذائية والرعاية الصحية والتعليم الأساسي للأطفال، وتعهدوا بمنحهم رواتب تقدر بنحو 100 دولار مقابل عملهم عند بلوغهم سن الـ 21.

وفي غياب الرقابة الكافية، عمدت بعض العائلات المتبنية لاستغلال الأطفال وتعنيفهم جسديا، كما تسببت عمليات التبني خلال مرات عديدة في تفرقة التوائم عن بعضهم.

ما بين عامي 1854 و1929، ساهمت جمعية مساعدة الأطفال وفكرة برايس في عملية تبني نحو 200 ألف طفل متشرد، وبينما نجح 85% منهم في الحصول على مأوى، تحول بعضهم إلى مجرمين أو عادوا لمدن الساحل الشرقي.

لاحقا ومع تزايد عدد سكان الوسط الغربي، تخلت الجمعيات الخيرية لمساعدة الأطفال المتشردين عن برنامج التبني، وفضّلت الاعتناء بالعائلات الفقيرة بدلا من ذلك.

في غضون ذلك، ظهر مصطلح “قطار اليتامى”، للإشارة إلى القطار الذي كان يقل الأطفال المتشردين نحو الوسط الغربي خلال سنة 1854. لكن خلال تلك الفترة، فضّل الجميع عدم استخدام هذا المصطلح حيث لم يكن كل الأطفال المتشردين يتامى، في مقابل ذلك عاد هذا المصطلح للظهور مجددا لينتشر بشكل مكثف خلال النصف الثاني من القرن العشرين بسبب اعتماده من قبل وسائل الإعلام.

العربية