وقع في ورطة .. عبارات عربية هذه هي معانيها الأصلية
هناك الكثير من العبارات العربية الثابتة التي نستخدمها في كلامنا، في شكل يومي، ويتم استعمالها، عادة، في التخاطب المرتبط، مثلا، بمناسبة محددة كالترحيب بشخص عبر القول له “أهلا وسهلاً”، أو في إطار تقديم التهنئة في الزواج، كالقول “بالرفاء والبنين” أو مثلاً، عندما ننهي كلامنا بالإشارة إلى استكمال غير منجز إلا أنه متوقع، كالقول “هلمّ جراً” أو في حال مديح أحدهم بالقول له “لله دَرُّك” أو القول “صرّح بكذا”.
جميعها عبارات رائجة وأغلبها لا يزال ساريا على الألسنة، بكثرة، إلا أن معانيها الأصلية قد تخفى على البعض، أو قد تفاجئ البعض الآخر، وقد تكون تامة الوضوح بالنسبة لآخرين.
وعملت كتب اللغة العربية القديمة، خاصة في القواميس على تبيان معنى الكلمة المفرد، وعملت كتب أخرى على تبيان معنى الكلمة في إطار ورودها جزءا من عبارة رائجة، أو في إطار ورود تلك العبارة في مثل شعبي سائر.
ونظراً إلى أن بعض تلك العبارات الرائجة على الألسنة، كانت تغمض معانيها عن الناس الذين يستعملونها حتى في العصور السابقة الأقرب إلى زمان العربية الفصحى، عكف مصنّف عربي على وضع كتاب يوضح فيه معاني تلك العبارات والأمثال، وهو المفضّل بن سلمة بن عاصم الضبي، والمتوفى سنة 291 للهجرة، وعرف كتابه بـ(الفاخر في الأمثال).
مع العلم أنه تصدى لغير الأمثال في هذا الكتاب، من مثل العبارات الرائجة التي يستعملها الناس “وهم لا يدرون معنى ما يتكلّمون به” حسب ما قاله في مقدمة مصنفه، في إطار إيضاحه سبب وضع الكتاب: “هذا كتاب معاني ما يجري على ألسن العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام العرب، وهم لا يدرون معنى ما يتكلمون به”.
وتأخذ الأمثال السائرة، جزءا كبيرا من الكتاب المذكور، إلا أنه كان للعبارات الرائجة التي “لا تدري” العامة معانيها، نصيب فيه، فأورد عددا كبيرا من تلك العبارات موضحاً معانيها الأصلية.
حيّاك اللهُ وبيّاك
من العبارات التي لا تزال رائجة ونستعملها حتى الآن في كلامنا، عبارة “حيّاك الله وبيّاك”. يقول الضبي عنها، إن للتحية، فيها، ثلاثة معان: معنى السلام المعروف، ومعنى “المُلْك” ومعنى “البقاء”. ثم يوجز: “فيكون المعنى: أبقاكَ الله”. أمّا بيّاك فينقل لها عدة معان، منها أن بيّاكَ الله تعني “أضحكك” بمعنى السرور والرضى. ثم ينقل عن آخرين أن بيّاك هي مِن “بوَّأك منزلاً” أو “قصَدَك بالتحية” أو “قرَّبَك”.
مرحباً وأهلاً
مرحباً وأهلاً، من عبارات الترحيب واسعة الانتشار في عالمنا العربي، ومرحباً هي من “رحَّبَ، وسَّع” والرحب، والسعة. ويقصد بها التكرّم على الضيف النازل بأن المكان الذي حل فيه لا يضيق به، بل يتسع له، حباً ورغبة بقدومه.
أقرّ اللهُ عينَه
وهي من العبارات التي يتم التوجه بها، إلى شخص محبوب ولا تقال لعدوّ أو خصم، بأن يزيل الله عنه غمة أو هماً. إلا أن أقرّ هنا، آتية من مصدر قد يفاجئ البعض، وهو من الماء البارد. فأقرّ، من القرَور، وهو الماء البارد، لذلك ينقل الضبي أن المعنى بأقرّ الله عينه، هو “أبرد اللهُ دمعته، لأن دمعة السرور باردةٌ، ودمعة الحزن حارّة”.
ومن معاني العبارة: “أقرّ الله عينك، أي صادفت ما يرضيك فتقرّ عينك من النظر إلى غيره” أو أن أقرّ عينه، أي “صادف سروراً أذهَبَ سهرَه، فنامَ”. ينقل الضبي.
بالرّفاء والبنين
إحدى أكثر العبارات استعمالاً في تهنئة الزواج. فالرِّفاءُ، هو الاتفاق أو الالتئام، وهو مأخوذ من رفأت الثوب أرفؤه إذا لأمتُ بينه وضممت بعضه إلى بعض، يقول الضبي الذي ينقل معنى آخر لاستعمال الكلمة، إذ الرّفاء من الهدوء والسكون، من قولهم: رفوتُ الرجلَ، أي سكّنته. أو “الرفاء، الموافقة” أو “الرفاء، المال”.
هلمّ جراً
تقال هذه العبارة، في معرض الإشارة لتتابع حدث أو استكمال أجزاء رواية يفترض أنها متوقعة واعتيادية ومعروفة، ويأتي مصدرها من “الجرّ في السوق، وهو أن تُترَك الإبل والغنم ترعى في مسيرها”.
أمرٌ مبهَمٌ
عبارة رائجة تستعمل في أي أمر غامض أو قضية غير مفهومة، ومصدرها مأخوذ من قولهم: “حائطٌ مبهمٌ، إذا لم يكن فيه بابٌ ولا كوَة”. والبهيم الذي ليس فيه بياضٌ، ومنه ليلٌ بهيم.
وقع في ورطة
عبارة واسعة الانتشار على الألسنة، لكن ما هي الورطة التي إذا وقع أحد فيها، يكون في أزمة وهم؟ ينقل الضبي أن الورطة هي الهَلَكة. ثم عن البعض: “الورطة الوحلُ يقع فيها الغنم ولا تقدر على التخلّص. يقال تورطت الغنم إذا وقعت في الورطة”. إلا أنه ينقل معنى لها مأخوذا من الجبل، بحيث تكون الورطة شقاً في الجبل، يصعب على الواقع فيه الخروج منه.
للّه دَرُّك
عبارة يمتدح فيها الشخص لدى قيامه بعمل ما أو قوله شيئاً مستحسناً رفيعاً. ينقل الضبي أن القصد فيها راجع إلى “ما يجيء منكَ بمنزلة دَرّ الناقة والشاة، ثم كثر في كلامهم حتى جعلوه لكل ما يُتعجَّب منه”. وقد تقال بدون للّه، فتكون “درَّ درُّك”.
توسّمت الخير في وجهه
من عبارات التفاؤل بالآخر التي لا تزال سارية بكثرة بين الناس، وهي من “رأيتُ أثره في وجهه، والوسم الأثرُ، ومنه سمّيت السمة لأنه يوسم بها”. ويضيف بالنقل: “ويكون أيضا من الوسامة وهي الحُسن”.
خطر ببالي
أما عبارة “خطَرَ ببالي” التي تستعمل بكثرة بين الجميع، والتي يكون القصد منها ورود أمر يطرأ على ذهن أو ذاكرة المتحدث، فهي من “خَطَرَ (أي) ضَرَبَ، وهي من خَطْر البعير بذنبه، والبالُ الفكرةُ”.
صرَّح بكذا واعتذرتُ وناهيك بفلان
وتأتي عبارة كثيرة الورود في الإعلام والإخبار، وهي في قول “صرَّح بكذا” ينقل الضبي أن المعنى فيها من “أخلصه ولم يشبه شيءٌ، ومنه الصريح في اللبن، وهو الذي ذهبت رغوته وخلُص، وكذلك الصريح في النسب، الخالص الصحيح”.
وكذلك عبارة “اعتذرتُ إلى فلان” التي تجري على الألسنة ليل نهار، ومصدرها “اعتذرت المياهُ، إذا انقطعت”، وكذلك اعتذرت المنازلُ إذا درست.
ونستعمل عبارة دائمة الورود في كلامنا، وهي “ناهيك بفلان” ومعناها “كفاك به” وهي مأخوذة من “نهي الرجل من الطعام، وأنهى إذا اكتفى”.
العربية نت