منى سلمان

سياحة في مطبخ منال العالم

[ALIGN=CENTER]سياحة في مطبخ منال العالم [/ALIGN] بصل القاورمة، هو البصل الاحمر (الدقاق) ويكون صغير الحجم يقارب حجم الليمون أو أكبر قليلا ، وكان يستخدم زمان – بالذات – عند أهلي ناس الجزيرة مع مكعبات البطاطس في صنع نوع من الطبيخ الطاعم اللذيذ يسمى (ملاح القاورمة)، فقد كان أبي يحبه كثيرا ولا ينقضي الاسبوع دون أن تكون فيه (القاورمة) الطبق الرئيسي على مائدة غدائنا ..
تذكرت هذه المعلومة في الصباح عندما ادخلت يدي داخل كيس البصل لاتناول منه بضع قطع لاطبخ بها، فـ فوجئت بأن كل ما تبقى في الكيس كان من الحجم الصغير أو القاورمة .. خمشت منه خمشة وبدأت في تقطيعه وقد غمرني الحنين للماضي، وراودتني فكرة أن أصنع تلك الوجبة التي لم أحظى بتذوقّها منذ وفاة والدي، ولكن ما دفعني للتراجع عن الفكرة أدراكي لحقيقة أن أسرتي الصغيرة لا تشاركني هذا الحنين لـ (ملاح القاورمة) حتى أن عيالي لم يسمعوا به (من أساسو) ..
كان الرجال – زمان يستأثرون بمطائب الطعام دونا عن النساء، فمن المعلوم أن (أول صينية) و(وش الملاح) حق حصري مكفول لهم، وما ذاك إلا لقاء شقائهم في السعي لكسب لقمة العيش، فلم تكن نساء الأسرة تجلس للأكل قبل أن (يتْكفوا) الرجال .. كذلك كانت الاسر السودانية تتبع مزاج (راجل البيت) في طبائعه الغذائية، فمزاجه هو ما يحكم (المنيو) التي تقدمها ربة المنزل، فإن كان رب الدار لـ المفروكات (ضارب) فشيمة اهل البيت اللقفي، وان شكا مصرانه الغليظ من علة (حمتو أكل الكسرة)، حُرمت على ساير أهل البيت ولو كان مصيرهم الحتمي هو الأصابة بالكوفارة المزمنة، وعلى المتضرر اللجوء لطبق كسرة الجيران ..
في طفولتنا كان (أبي) يحب المفروك، ولو ترك له الخيار لأمر بفرك (ملاح الرجلة) ذاتو، فنشأنا معه على هذا الطبع حتى حرمه (المصران) من متعة المفروك فشاركناه الحرمان راضين، ثم عندما تسبب (السكّري) في مفارقته للكسرة، خرجت من باب بيتنا غير مبكيا عليها ولم تعد حتى الآن.
لم تكن تلك التبعية تحدث من باب الاستبداد وفرض الرأي على بقية الأسرة، ولكنها من باب المحبة، فما يحبه أبي كنا نحبه جميعا، وما يحرمه المرض من تناوله نمتنع عنه أيضا مشاركة ومحبة، كذلك مراعاة لأمي حتى لا نشق عليها بتكليفها بطبخ الطعام على طريقتين، واعتقد أن هذه هي القاعدة العامة في التعاملات الغذائية للأسر المتحابة، فقد حكى لنا أحد الأصدقاء قبل أيام، أنه بعد إصابته بداء السكري حرّم على نفسه وأهل بيته استعمال السكّر الابيض، بل وتعودوا معه على السير على نفس نظامه الغذائي.
كنت قد حاولت في بداية استقلالي المطبخي، أن أنقل ثقافة (القاورمة) و(ملاح القرع) و(الخدره) حبيبات أبي – لأسرتي الجديدة، وأقلد النظام الغذائي السايد في مطبخنا زمان، فاصطدمت بإختلاف الطبائع الغذائية رغم توحد المطالع (لأن أبي وزوجي الاثنين من وارد الجزيرة)، فوطنت نفسي على تناسي مزاجي القديم وعلى متابعة قائد ركبي الجديد، فخاصمت القرع والقاورمة وركبت موجة القراصة بـ (ملاح أم دقوقة) ومفروكة (البامية) بالتحديد، رغم عدم اجادتي لصنع الاثنين، فما زال زوجي يعايرني أمام أهله حتى ترك وجهي (قدر السمسمة) بأنني لا أجيد ضبط درجة (اللياقة) في الملاحّين!
ولكن بعد وصول العيال تغير الحال .. فقد جاء طبعهم (مشاتر) لنظام (أبائهم الاولون)، فهم لا يأكلون غير النواشف والسندوتشات، ويعافون حتى من الأكل في الصحون، فكان لزاما علي أن (أقع وأقوم) لأرضي مزاج العيال قابل (أبوم).

تخريمة جوة الموضوع:
طلبت مني احدى صديقات اللطائف أن أخبرها عن أنواع الطعام التي أحبها وأجيد صنعها، فاكتشفت أنني لا أحب سوى ما يحبه العيال وأبوهم، مما أوحى لي بكتابة هذه المادة وعذرا ان تسببت في إصابتكم بالجوع .. قوموا أكلوا..

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

‫5 تعليقات

  1. هذه المقاله والله لطيفه جدا وبالنسبة لملاح القاورمه انا لاحظت ان اخواننا التوانسه ايضا هذه الاكله محبوبه عندهم ولديها مسمى اخر بس بصراحة حلوة مع الكسرة المرشوشة لانها تفتح النفس 😎 😎

  2. أختي مني الله يحفظك وأهلي في الجزيرة ناس بساط واهل عز لذلك الوالد و(سيد الاسم )بتاعك وعلشان كده بقول من وين جابت الكلام الحلو ده

  3. بصراحة تعليقى هذا عشان خاطر ملاح/طبخة ” القاورمة ” الله يطراها بالخير ، مش عارف ليه قصص الكاتبة تثير في روائح وعبق من الماضي ، عموما لما كنا زمان نقعد في الغدا ونتكوم متدورين حول صحن القاورمة ؛ وكنا تمانيه : اختنا الكبيره وسبعه اخوان ، الفرق بين اكبرنا واصغرنا لا يتعدى اربعطاشر سنه كده يمكن ؛ كان كل واحد ياكل بي عين ويعاين لي اخوه التاني بي قعر عين عشان ما ياكل قاورمه كامله/بصله كامله . بصراحة لحدي الان انا ماعارف الطعم اللذيذ داك كان بجي من وين!!! واسمحوا لي اعرج لملاح/طبخة الفاصوليا البيضاء حاجة ما تخلص واليوم داك يوم ملاح/طبخة الفاصوليا البيضاء عاده بيكون معروف ومحدد مسبقا من قبل الوالده/ربة البيت ، حاجة اخيره : ليه مش عارف اي زول/كل السودانيين ما بيحبوا ياكلو ملاح/طبخة الكوسا والاسود/الباذنجان ليه موش عارف!!!!! يمكن حريمنا ونساوينا السودانيات موش فنانات في الحته دي … وبي عافيتكم .
    عماد الدين محمد الحسن عثمان

  4. منووووو حبايبا جنوووووو

    جوعتينا يا منى والله الكبسة هاريانا هري..

    الله يخليك يا رب لي أولادك وزوجك……. آميييييين يارب :lool:

  5. السلام عليكم ..
    و كما عوتينا دائما استاذة مني
    مقال رائع و شهي :lool:
    و شكر
    تحياتي