رأي ومقالات

عثمان الحسن: الجيش جيشنا.. نحن اهله وبنستاهله

ظهرت اشارات مختلفة من تجمع المهنيين وتجمع اعلان الحرية والتغيير تحمل في مجملها تخوفات واشارات سالبة اضافة للدعوة لتكوين مجلس سيادي مدني بتمثيل محدود للجيش ، وجميعها تصب في خانة عدم الثقة في المؤسسة العسكرية.

في وسائط التواصل وهو ما يشكل القاعدة الجماهيرية حاليا لجميع هذه الكيانات ، يستدعي الكثيرون تجربة الثورة المصرية ، بدعوى ان فض الاعتصام بميدان التحرير هو ما عجل بقيام الثورة المضادة وهو اعتقاد غير سليم في رايي ، وليس ادل عليه من طريقة تعامل السلطة مع اعتصام رابعة العدوية ، والاعتصام قد يوفر وسيلة ضغط فعالة لتنفيذ المطالب الآنية ولكنه غير فعال لتحقيق المطالب طويلة المدى ، ان العوامل اللتي ساهمت في الثورة المضادة في مصر ( ولا يراها الجميع ثورة مضادة ) كثيرة ليس من ضمنها فض الاعتصام باي حال من الاحوال ، الاهم في هذه العوامل هو المحيط الاقليمي اللذي لم يرغب في وصول تيار الاخوان المسلمين الي السلطة وعدم الرغبة في وجود نظام ديمقراطي وكذلك بالتأكيد سلوك الاخوان نفسهم في الحكم ، ما يعنينا هنا هو وجود نفس العامل الاقليمي بقوة في المشهد السوداني مما لا يحتاج الي دليل .

فبينما تقوم هذه الدول بتقييم المشهد والتأثير عليه وربما دراسة الشخصيات الموجودة على قائمة الفعل السياسي ، طبائعها الشخصية وقدراتها ، المحيط المؤثر عليها ، اهتمامتها وموازنات القوى من حولها دراسة مستفيضة بغرض التأثير عليها وبناء جسور الثقة معها ، تبرز الممارسة العملية اللتي نراها على السطح لتحالف القوى الموقعة على اعلان الحرية والتغيير ومن ضمنها تجمع المهنيين عدم تقديره الكافي لاهمية هذه العلاقة وميله لهدم الثقة مع المؤسسة العسكرية من خلال التصريحات والمواقف المختلفة والمتعنتة واللتي يتلقفها غيرهم في وسائط التواصل ويتم تضخيمها باستخدام عبارات سلبية مما سيخلق حالة من العداء غير المبرر، هذا بالرغم ان المؤسسة العسكرية تقوم عقيدتها العسكرية والقتالية على حماية الوطن والمواطنين كما بدى جليا في الاحداث السابقة ، ان بناء العلاقة الجيدة مع المؤسسة العسكرية يدخل في باب الاهداف الاستراتيجية.

ثم لم الاستناد الي التجربة المصرية في حين ان لدينا تجربة سودانية اقرب ، وهو ان المؤسسة العسكرية ممثلة في سوار الذهب قامت بتسليم السلطة الي حكومة مدنية بنهاية الفترة الانتقالية ، اليست هذه اجدر بالبناء عليها بدلا من هدم حاجز ثقة الناس في المؤسسة العسكرية و اللتي ارتفعت الي اعلى سقف بعد ان اثبتت المؤسسة العسكرية كفاءتها وانحازت لمصلحة الجماهير تحت ضغط جارف من الجماهير والقيادات الوسيطة وضباط الصف ، ليس من المبرر تضخيم تخوفات النخبة السودانية العتيقة من العسكر في هذا الظرف ، النخبة لديها حساسية عالية وكانت مبررة في فترات الانقلابات العسكرية اللتي كانت ديدن مراحل سابقة في تاريخ المنطقة والقارة الافريقية ولكن هذه الظروف تغيرت وليس ادل على ذلك من بيان مجلس السلم الافريقي من المجلس العسكري لتسليم السلطة الي حكومة مددنية خلال فترة خمسة عشر يوما ،كما وان النظم الدكتاتورية لا تعقبها نظم دكتاتورية اخرى..اذ انها ستكون آيلة للسقوط لا محالة، ان عدم فهم هذا المتغير والمؤثر الخارجي والهام جدا والمؤثر علينا وعلى غيرنا لهو امر بالغ الاهمية.

وثمة امر آخر وهو عدم تقدير المزاج الشعبي العام ، هذا المزاج متقبل جدا لوجود جهة قوية كالمؤسسة العسكرية توفر لهم الحماية لفترة مؤقته في ظل موازنات القوى الدقيقة ، فهذه المؤسسة كذلك مثقلة وتم اضعافها لصالح المليشيات وقوى الامن ، فهي في صف الشعب .
لن اغفل اطلاقا اهمية العمل على ابتعاد الجيش عن العمل السياسي وضمان تسليمه السلطة بعد الفترة الانتقالية ..ربما استطالتها هو ما سيعجل بذلك، وسيكون ذلك برفع مستوى الوعي بالديمقراطية والحرية والممارسة الرشيدة ، يجب ان يتذوق الناس طعم الحرية و الديمقراطية حتى يحافظوا عليها ، لان هذا هو الضامن الوحيد للحفاظ عليها من قبل الجيش او القوى الاقليمية اللتي لديها مصلحة في عدم قيام نظام ديمقراطي بالسودان.

فحتى لو قام الجيش حاليا بالغاء المجلس العسكري وكون مجلس سيادة مدني ..يمكن بسهولة شن حرب اقتصادية عليك من دول الاقليم واسقاط الحكومة المدنية بانقلاب مرضي عنه من الشعب…
نقطة اخرى هي انه لا توجد حاليا وسيلة علمية للحصول على رغبات وتطلعات الجماهير في ظل عدم ممارسة الاحزاب والكيانات لنشاطاتها بصورة علينة في الفترة السابقة ، لذلك من الحكمة البالغة ان يتم الاتفاق على الكليات ، من بسط الحرية ، والعدالة على المستوى الاعلي وكذلك حكومات تكنوقراط – كفاءات فنية على المستوي التنفيذي الادني وبصلاحيات واسعة تتولى عملية الهيكلة والمحاسبة ، لتعمل الاحزاب خلال هذه الفترة على بناء قواعدها واعلان الحرية والتغيير تحقق منه الهدف الاول باسقاط النظام…ومطلوب من التجمع تحديد اعضاء الحكومة المدنية لتشكيلها..والتأخير وفق ما يظهر هو من جانب التجمع ليتم اكتمال الهدف الثاني في الاعلان…وبه تفاصيل اخرى من صميم عمل الحكومة المدنية وتنفيذها يحتاج لوقت.

ان على قوى التغيير والحرية ان تعمل على المهم وهو المستوى الاستراتيجي حاليا من تكوين حكومة مدنية ووضع اسس المحاسبة قبل ان يستجمع الطرف الاخر اطرافه ويشن حربه الاقتصادية واللتي بلا شك ستكون مهلكة ، كما ويمكن للتجمع استخدام الشارع بصورة دورية ..مع اعطاء مهل محددة بقيد زمني للمجلس لتنفيذ المطالب. ان الظرف دقيق ويتطلب تعامل بحكمة عالية.
مرحب بوطن الحرية والعدالة والسلام
عثمان الحسن
١٧ ابريل