منوعات

رؤساء ساهموا بترويج 3 كلمات عربية شهيرة.. تعرّف ماهي؟

ساهمت أنظمة عربية طغت في السياسة واستبدّت بشعوبها وقامت عليها ثورات أو معارضات، برواج ثلاث كلمات، اثنتان منها، كانتا مهجورتين تماماً، من مثل (بَدَّ) و(ضَهَدَ) أمّا الثالثة، فهي قمع، إلا أنها ليست من المهجور، لكن في استعمالاتها القديمة ما يفسّر هولَ ما حصل مع شعوب ثارت على الحاكم، كالشعب السوري، خاصة وأن (المقمعة) الآتية من القمع، هي عمود من حديد يضرب به الرأس، أو هي سوط من حديد!

وأصبحت كلمات المستبد من الرؤساء والقادة، أو منهم من يقمع شعبه ويضطهده، قاموسا يتنقل شفويا على وسائل الإعلام ومكتوبا في الدوريات والكتب، ولولا هذا (الاستبداد) لكانت كلمة البدّ في مجاهل النسيان، ومثلها (ضهد) التي لا تستعمل البتة، إلا باشتقاق منها يعطي الاضطهاد.

وعلى الرغم من كثرة استعمال كلمات (الاستبداد) ومنها المستبدّ واستبدّ، و(الاضطهاد) ومنها المضطهد واضطهد، وهما أشهر كلمتين تستعملان الآن، في ما يعرف بـ(الربيع العربي) كصفتين للرؤساء الذين قامت عليهم ثورات تطالب بخلعهم وإسقاطهم كبشار الأسد، وما حصل مع الرئيس السوداني وسواه من زعماء عرب أسقطتهم ثورات، إلا أن أصلَي الكلمتين، من مهجور الكلام العربي. لكن ساهم حال قادة عرب وصفوا بالكلمتين هاتين، ببقائهما على قيد الحياة!
الاستبداد.. بدَّ

والاستبداد، أصلها من (بَدَّ) وهي تعني منعَ وكفَّ. وبدَّ صاحبَه عن الشيء، أي أبعده وكفَّه. ويقصد منها القهر والقسر وإرغام الآخر على فعل الشيء، بالإكراه. وتستعمل البدّ بمعنى الجفاء، ويعطي (تاج العروس) مثالاً آخر، ويقول: “أبدّ بك عن ذلك الأمر، أي أدفعه عنك. وبدَّ الشيءَ يبدّه بدّاً، تجافى به”.

وتستعمل البدّ، بمعنى التفريق أيضاً. ثم يشتق من البدّ المذكور، كلمة الاستبداد، وهو التفرُّد بالشيء. خاصة وأن البدّ الأصلية، تعني المنع بالإكراه والقسر. فيكون المستبدُّ، حاملاً لجميع هذه المعاني التي تتراوح بين الكفّ القهري والإبعاد والمنع والتفرّد بالشيء. وهي حال حكّام عرب قامت عليهم ثورات، لأنهم حملوا هذه الصفات. واستبدّ فلانٌ به، أي تفرّد. ومن هنا الاستبداد التفرّد بالحكم.

وبدّ المذكورة والمكوّنة لكلمة الاستبداد، ترد في تعبير شهير نستعمله كثيراً، وهو (لا بدَّ) من مثل لا بدّ أن أفعل كذا أو كذا. ولا بدّ من الأمر، أي لا محالة. ولا بدّ، أي لا فراق، لأن من معاني البدّ، التفريق. وينقل مرتضى الزبيدي في تاجه، عن الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي 467-538 للهجرة)، حول كلمة لا بدّ: “أي لا عوض، ومعناه أمرٌ لازمٌ لا تمكن مفارقته، ولا يوجد بدلٌ منه”.

ويفرد الأنباري، محمد بن القاسم المتوفى سنة 328 للهجرة، لكلمة (لا بدّ) جزءا من كتابه (الزاهر في معاني كلمات الناس) فيقول: “قولهم لا بدّ لي معناه قد ألزمته نفسي. وهو من قول العرب: قد أبدَّ الراعي الوحشَ”.
الاضطهاد.. ضَهَدَ

وتأتي كلمة الاضطهاد، كثيرة التداول كالمستبدّ، وأصلها مهجور منسيٌّ بعيد يذهَب إليه، ولا يأتي على اللسان، وهو في (ضَهَدَ) التي تعني على وجه التقريب الشديد، ما تعنيه بدَّ. فضَهَدَ، منعَ وقهَرَ. وضهده، قهرَهُ. وأضهدَ به، جارَ عليه. يقول (القاموس المحيط).
ويؤكد ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا الرازي، المتوفى سنة 395 للهجرة، في (مقاييس اللغة) أن ضهد واضطهد، تعني القهر.

دقيقٌ للغاية، معنى ضهد، وهو يلائم استعمالها العصري العربي كثيراً، فمن معانيها ظلَمَ وأكرَهَ. وتقال أضهده واضطهده، يورد تاج العروس وينقل: “أضهدت بالرجل، إضهاداً، وهو أن تجور عليه وتستأثر”.

ويقول الصاحب، إسماعيل بن عباد، 326-385 للهجرة، في كتابه (المحيط في اللغة) إن من معاني الاضطهاد، التنقيص في الشخص، فأضهدت به، إذا تنقّصته وجرت عليه.

لكنّ في الكلمة حرفاً جاء مكان حرف آخر، حيث حرف الطاء في كلمة الاضطهاد، جاء مكان حرف (تاء) الافتعال، يؤكد التاج. وهو إبدال معمول به في اللسان العربي لضرورات مخارج الحروف، كما هو حاصل بقرب مخرجي التاء والضاد.

ويضيف التاج: رجلٌ مضهود ومضطهد: مقهورٌ ذليلٌ ومضطرٌّ.

وكانت العرب تقول “ما نخاف بهذه البلدة الضهدة” أي الغلبة والقهر. ومن يتعرّض لقهر كل من يشاء، فهو ضُهدَةٌ.
القمع.. القمعة ذباب أزرق يلسع

وهناك كلمة ثالثة، تنضم إلى الكلمتين السالفتين، بكثرة الاستعمال، خاصة في القاموس السياسي المصاحب للثورات، وهي كلمة القمْع. ففلانٌ يقمع شعبه، قيلت عن بشار الأسد الذي استعان على قمع شعبه بميليشيات أجنبية إيرانية لإجهاض ثورة المطالبين بإسقاطه، مثلاً، وقيلت بغيره من حكام عرب قمعوا شعوبهم. وهي إحدى أقسى الكلمات، أصلاً وفصلاً، فالمِقمَعة، عمودٌ من حديد، يضرب به الرأس!

ويضيف التاج عن ابن الأثير (ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد الشيباني الجزري المتوفى سنة 637 للهجرة) وصفاً أكثر إيلاماً للمقمعة المذكورة فيقول: “سَوطٌ من حديد معوج الرأس!”. أو هي خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه، ينقل التاج الذي يزيد نسبة الحدة في معنى الكلمة: وقمعهَ قمعاً، أي ضربه بالمقامع، وهي جمع المقمعة سابقة الذكر.

وقمعه، قهره. والعجيب أن بدّ وضهدَ وقمع، تتضمن كل منها، معنى القهر، بصفة خاصة، كما يرد في أمهات العربية.

يقول التاج: قمعه قمعاً، ضربَ أعلى رأسه. وعندما يقمع البردُ النبات، فهذا يعني أنه أحرقه! ومن الكلمة ذاتها، القَمعُ صار اسم ما يوضع في فم الإناء، ويلفظ بالعامية (القُمع) بالضم، إلا أن التاج يؤكد أن لفظها الحقيقي هو لفظ القمع ذاته، أو بالكسر.

لكلمة القمع تاريخ لسانيّ معمّق في العربية، فالذباب الأزرق الذي يدخل في أنوف الدواب أو يقع على الدواب ويلسعها، هو القَمَعَة. يرد في (المحكم والمحيط الأعظم في اللغة) لابن سيده، علي بن إسماعيل المتوفى سنة 458 للهجرة. وكذلك القَمَعُ هو “بَثْرة” تظهر في ناحية من الجسد. وكذلك القَمَع، فسادٌ في العين واحمرار.

هكذا تكون كلمات القمع والاضطهاد والاستبداد، على صلة مباشرة بالقهر، حصراً وبالإرغام والإكراه. وهذا يفسّر تحول هذه الكلمات إلى قاموس سياسي متنقل في الأدبيات العربية وعلى وسائل الإعلام، في السنوات الأخيرة إثر قيام ثورات عربية مختلفة على حكّام كان سلوكهم صورة طبق الأصل من المعاني الأصلية لكلمات الاستبداد، والاضطهاد، والقمع.

العربية نت