عالمية

جنازة طاردت سعوديا… معركة نزار قباني الأخيرة وحقيقة منع دخول جثمانه مسجد لندن

وحيدا مات في لندن، نزار قباني، هذا الشاعر العربي الذي ملأ الدنيا بشرقها وغربها، وثار الجدل حول شخصه وما كتبه لسنوات، مات بعيدا عن موطنه العربي.

في حوار سابق لنزار قباني، (1923 — 1998) مع الإعلامي السوري مروان الصواف، سأله الصواف: إلى أي مدى أستطيع إذا كان بيتي يحترق أن أنزوي في زاوية وأرسم لوحة أو أكتب قصيدة… أيولد الفن في وقت الاحتراق… هل يولد الفن في زمن الدمار؟ فرد قباني: “إما أن يكون الشاعر جزءا من التاريخ أو لا يكون… الجمهور العربي تحول إلى وحش سياسي فإذا لم تقدم له قصيدة سياسية أكلك”.
وأضاف نزار “… هناك شعراء في العالم العربي حاليا يقدمون للجمهور قطعة شيكولاته في قصائدهم، الجمهور العربي لم يعد يقنع بقصائد الشيكولاته، وأنا بحاستي السادسة عرفت أن قصائد الحلويات انتهت… فإما أن يكون الشاعر قنبلة موقوتة بشعره أو لا يكون”.

هكذا عاش نزار قباني كقنبلة تنفجر مع كل تصريح أو قصيدة يكتبها، في حواره الشهير مع مروان الصواف، سُئل: “لو عاد به الزمن للوراء هل يتراجع عن كتابة بعض القصائد؟” فأجاب نزار بكل حسم “لا… أنا لم أندم على كلمة كتبتها أو قلتها من قبل”.
لم يتوقف نزار طوال حياته عن المعارك، سواء خلال فترة كتابته شعر الغزل في المرأة أو الشعر السياسي الذي بدأ كتابته مع نهاية الستينيات وتحديدا مع هزيمة العرب أمام إسرائيل في يونيو/ حزيران 1967. يقول نزار إن شعره كله كان “ثورة”، والحقيقة أن موت نزار أيضا كان ثورة.

في ذكرى وفاة نزار قباني 30 أبريل/ نيسان 2017 انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي منشور يكشف أنه عندما توفي نزار رفض أئمة المساجد في لندن إقامة صلاة الجنازة على جثمانه، وكذلك منع متشددون كانوا في المسجد يومها دخول الجثمان المسجد، وهو المنشور الذي لاقى رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعاد الأزمة التي حدثت يوم وفاة نزار في لندن عام 1998.
ابنة الشاعر ​هدباء قباني، الراحلة، تروي في مقابلة أجراها معها حسام الدين محمد، ونشرتها مجلة “الجديد” اللندنية في عدد خاص عن قباني (مايو/ أيار 2018)،‭ ‬أنه “كان هناك‭ ‬أناس‭ ‬مشاغبون‭ ‬حاولوا‭ ‬منع‭ ‬الصلاة‭ ‬على‭ ‬أبي”.

وأضافت “حينما‭ ‬ذهبنا‭ ‬للصلاة‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬أبي،‭ ‬اعتبرنا‭ ‬الأمر‭ ‬مفروغا‭ ‬منه؛‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الرجال‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬ليصلوا‭ ‬عليه،‭ ‬وأن‭ ‬نقف‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الباحة‭ ‬ونتقبّل‭ ‬التعازي‭ ‬به. حاول‭ ‬البعض‭ ‬منعنا‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أناسا‭ ‬مشاغبين‭ ‬حاولوا‭ ‬منع‭ ‬الصلاة‭ ‬على‭ ‬أبي. ‬وهذه‭ ‬شكلت‭ ‬سابقة،‭ ‬لأنه‭ ‬بعدما ‬استاء‭ ‬الناس،‭ ‬حملنا‭ ‬الشكوى‭ ‬إلى مدير‭ ‬الجامع‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يأتون‭ ‬دائما،‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬شغبهم‭ ‬جعلهم‭ ‬يستمرون‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬ما‭ ‬يريدون،‭ ‬وصارت‭ ‬لديهم‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ميت‭ ‬ويكفّرون‭ ‬من‭ ‬يكفّرون”.
​وتابعت هدباء، التي توفيت في لندن عام 2009: “وحصلت‭ ‬حوادث‭ ‬قبل‭ ‬والدي،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬كُتب‭ ‬عن‭ ‬حادثة‭ ‬أبي‭ ‬حصل‭ ‬نقاش‭ ‬وانتبه‭ ‬الناس‭ ‬للأمر،‭ ‬وبعدها‭ ‬توفيت‭ ‬سيدة‭ ‬معروفة‭ ‬فطالب‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عائلتها‭ ‬للتعزية‭ ‬بها‭ ‬أسوة‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭. ‬لقد‭ ‬شجع‭ ‬نزار‭ ‬بحادثة‭ ‬موته‭ ‬هذه‭ ‬امرأة‭ ‬مريضة‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬حق‭ ‬التعزية‭ ‬بها،‭ ‬فقد‭ ‬أوصت‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬النساء‭ ‬والرجال‭ ‬بقبول‭ ‬التعازي‭ ‬بها‭. ‬إذن‭ ‬كان‭ ‬نزار‭ ‬دائما‭ ‬يبدأ‭ ‬الأشياء،‭ ‬وحادثة‭ ‬موته‭ ‬أيضا‭ ‬انتهت‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الصادمة‭.”‬
​وتحدثت صحيفة “النهار” اللبنانية مع أحد الأصدقاء المقربين لقباني، والذي كان بين المشيعين في ذلك اليوم، يقول: “عندما وصل جثمان الشاعر الكبير إلى المسجد، رفضت مجموعة من الرجال المتزمتين الملتحين إدخاله الى المسجد. واخذوا يشتمون، وكان كلامهم عنيفا، الآمر الذي أثار استياء شخصيات كبيرة جاءت إلى الجنازة، وأصدقاء الفقيد وأهله. وتدخل عديدون، في طليعتهم السفير السعودي في بريطانيا يومذاك الدكتور غازي القصيبي، وكان صديقا للراحل. وتم التوصل إلى حل وسط، منعا لتفاقم الأمر، ويقضي بالصلاة على الجثمان عند باب المسجد داخل حرمه، بينما وقف الناس حوله امتدادا إلى باحة المسجد”.
وينفي الشاهد في شهادته أن يكون سمع رفض أحد أئمة المسجد الكبير في لندن دخول الجثمان إلى المسجد، “لم يكن ذلك أمامنا. لم نسمع ذلك. ولا أعتقد أن الإمام قد يقول ما زُعِم انه قال. كذلك، لا أعتقد أنه يحق له أن يقول ذلك، علما ان المركز الثقافي الاسلامي في لندن تدعمه السعودية. وكان السفير السعودي في طليعة المشيعين يومذاك”.
وتنقل “النهار” كذلك تصريحات عن رئيس تحرير مجلة “الجديد” الثقافية اللندنية الشاعر نوري الجراح، وكان متواجدا في هذا اليوم، يقول الجراح: “الرفض لم يصدر عن أي إمام من أئمة المسجد، بل عن مجموعة من المتشددين وقفوا عند باب المسجد ورفضوا إدخال الجثمان. وهؤلاء كانت لديهم يومذاك سلطة على جزء من المسجد”.
ويضيف في شهادته “العديد من العقلاء تدخلوا على الفور. وأجرى السفير القصيبي، وكان صديقا للشاعر الراحل ومن محبي شعره، اتصالات، بينها بمدير المركز الثقافي الاسلامي يومذاك، ليبلغه بأن ما يحصل ليس مقبولا إطلاقا. وعليه عمل المدير على إبعاد المتشددين. وأُدخل الجثمان إلى المسجد، وتمت الصلاة عليه”.

ونشر خبر الأزمة في إحدى الصحف اللبنانية، وأشارت الصحيفة إلى أن “عدداً من المتشددين قد أحدثوا ضجة واعترضوا على الصلاة على الجنازة، وكادوا يقذفون بها خارج المركز الإسلامي”، وذكرت في الخبر اسم الكاتب السعودي حمد الماجد، مدير المركز الإسلامي بلندن وقتها، وبعد 10 سنوات من هذه الواقعة وتحديدا في 2008 كتب الماجد مقالا في جريدة الشرق الأوسط، نفى فيه حدوث أزمة أثناء الصلاة على جثمان نزار قباني في مسجد المركز الإسلامي بلندن، وجاء العنوان باسم “جنازة نزار قباني تطاردني”.
ثم عاد الماجد وكتب مقالا في نفس الصحيفة في 2018 بعنوان “جنازة نزار قباني مستمرة في مطاردتي”، جاء فيه أنه يعيد الكتابة على هذه الأزمة لأنه هناك “عدداً من القراء ما برح يظن أنني، إبان فترة إدارتي للمركز الإسلامي في لندن في التسعينيات، كنت مسؤولاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن حدث مفبرك قال زاعموه وأفاكوه ومروجوه وبعضهم، مع بالغ الأسف الشديد، وجوه إعلامية لندنية معروفة بأن شغباً وفوضى في المركز الإسلامي حدثا حين وصلت جنازة نزار إلى المسجد التابع للمركز، وأن اتفاقاً أو صلحاً أو هدنة تمت بين مدير المركز وبين مثيري الشغب؛ من بنودها إبعاد جثمانه والصلاة على روحه، تخيلوا، وهذا كله مختلق جملة وتفصيلاً”.

وأكد الماجد في مقاله على أنه “قد صلى المصلون على جنازته عدا عدد قليل جداً غادر بعد الفراغ من صلاة الجمعة وقبل الشروع في صلاة الجنازة، وقام أحدهم بإلقاء كلمة قصيرة جداً نهى فيها عن الصلاة عليه، فقاطعه إمام المركز بكل هدوء وعقلانية وقال بأن الصلاة على نزار اختيارية فمن لم يرغب أن يصلي ينصرف مشكوراً، وصلى الغالبية الساحقة من المصلين على جنازة نزار، وتقبل ذووه العزاء في ساحة المسجد المفتوحة ومعهم عدد من السفراء”.

سبوتنيك