الموظفون يموتون من أجل الراتب … بسبب قسوة الإدارة
حاولت بعض الشركات في أميركا، تنظيم برامج يوغا أو تأمل وقت الغداء، لتخفيف التوتر عن الموظفين، بعد زيادة معدل إصابتهم بالمرض جراء الإجهاد، والشعور بالقلق إزاء ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية بشكل مخيف. إلا أن البروفيسور جيفري فيفر من جامعة ستانفورد، أوضح أن كل هذه الأفكار عبثية، لأنها تتجاهل السبب الحقيقي الذي يؤدي إلى موت العمال ببطء: العمل.
العمل الذي يقتل
وأكد فيفر، الذي شارك في تأليف 15 كتابًا أغلبها في مجالات التنمية البشرية، أن ارتفاع نسبة المرض بين الموظفين، ليس بسبب اتخاذهم خيارات صحية سيئة، بل بسبب الممارسات الإدارية القاسية التي يتعرضون لها، مثل ساعات العمل الطويلة، رسائل البريد الإلكتروني بعد انتهاء العمل والمديرين السيئين، وفقًا لموقع “سليت”.
ودرس فيفر في كتابه “الموت من أجل الراتب”، الذي صدر عام 2018، تأثير أماكن العمل على الصحة في 10 حالات مختلفة، وناقش أمورًا مثل انعدام الأمن الاقتصادي، ساعات العمل الطويلة، والصراع بين الالتزام تجاه العمل والالتزام تجاه الأسرة، وقال: “أصبحت تكاليف الرعاية الصحية كبيرة للغاية، وحان الوقت لأن تتحمل الحكومة والشركات المسؤولية إزاء ذلك، من أجل إحداث تغيير حقيقي”.
التلوث ببيئات العمل السامة
وأشار فيفر، الذي يعتبر من أبرز المفكرين في مجال الإدارة في عصرنا، إلى أن الأثر السلبي للعمل، يتسبب بزيادة معدل الوفاة بمقدار 120 ألف حالة سنويًا في الولايات المتحدة، مما يجعله السبب الرئيسي الخامس للوفاة، ويزيد تكاليف الرعاية الصحية بمقدار 190 مليار دولار في العام، وقال: “يمكننا تشبيه الممارسات القاسية التي يتعرض لها الناس في العمل، بالتدخين السلبي، الذي يمرض البعض منه بسبب أشخاص آخرين، نحن حرفيًا نقتل الناس، الناس يموتون من أجل الراتب، وهذا أمر غير معقول”.
ابتكار الخسارة للموظفين والشركات
كما سلط فيفر الضوء في كتابه على مفارقة خطيرة، وهي أن كل العمل الطويل والمجهد، الذي يؤثر على صحة الناس العقلية والجسدية، لا يساعد الشركات أبدًا، وقال: “تعتبر فكرة العمل لساعات طويلة لزيادة الإنتاجية فكرة مجنونة، إذ إن تحليلًا أجرته مجلة إيكونوميست، أوضح أن التناسب عكسي بين عدد ساعات العمل والإنتاجية، لقد ابتكرنا خسارتنا فقط، إذ أوجدنا وضعًا يعاني فيه الناس ولا تستفيد الشركات”.
الموظفون الذين يتحولون إلى أطباء طوارئ
وأشار فيفر إلى أن 25% من الموظفين في الولايات المتحدة، لا يحصلون على إجازات مدفوعة الأجر، وأن 81% منهم يتفقدون بريدهم الالكتروني خارج ساعات العمل، مع أنهم ليسوا أطباء طوارئ، وقال: “إذا راجعت ظروف العمل على مدى التاريخ، ستجد أنها كانت مروعة دائمًا، فكر في عمال مناجم الفحم، أو في العبيد بالعصور الوسطى، هل يمكن القول ببساطة إن تلك الأشياء كانت مجرد مهن!”، وأضاف: “حسنًا، لقد ألغينا العبودية، وعمالة الأطفال، رغم أن هذه الأمور كانت مربحة اقتصاديًا”.
وأكد فيفر أن التغيير سيستغرق بعض الوقت، وقد يتطلب تحركًا اجتماعيًا، إلا أنه أوضح أن ما لا يقاس لا يمكن تحسينه أبدًا، وطالب الشركات بتقييم تأثير ممارساتها في مكان العمل، وتأثير مديريها التنفيذيين على صحة الموظفين وتعاطيهم لمضادات الاكتئاب، بنفس الطريقة التي يقيم بها تأثيرهم على الإنتاجية، وأضاف: “حان وقت البدء بمحاسبة الناس”.
الفروقات الصحية العنصرية
كما أكد فيفر أن الأشخاص ذوي التعليم الأقل، يحصلون على تأمين صحي أخفض، وهم أكثر عرضة للسيطرة عليهم في أماكن العمل، مما أوجد فوارق صحية كبيرة، بينهم وبين الموظفين الأعلى سوية علمية، ونصح الناس باختيار وظائفهم بعناية، والتوقف عن الضغط على أنفسهم بحجة أنهم يستطيعون تحمل كل الأعباء، وقال: “كانت سياسات الموارد البشرية طيلة الـ 40 عاماً الماضية، تنص على أنك مسؤول عن صحتك، لذا حان الوقت لتتحمل مسؤولية ارتياحك أيضًا”.
العربي الجديد