عثمان ميرغني

عثمان ميرغني يكتب : سقوط “كولمبيا” !!


زميلتنا الصحفية النشطة وحاصدة جوائز الصحافة الأستاذة رجاء نمر نجت بأعجوبة ومعها زميلاتها في الصحف الأخرى من حادثة الاعتداء عليهن بشارع النيل بالخرطوم.. كنَّ عائداتٍ من تغطية صحفية، فاعترض بعض الشباب المتفلِّتين طريق الحافلة وكسروا الزجاج ولولا لطف الله لسطَّر القدر مأساة مروِّعة تضاف إلى سجلات بلادنا الحزينة.

محيط المنطقة التي حدث فيها الاعتداء يطلق عليها “كولمبيا” على اسم الدولة التي عانت من أقوى عصابات المخدرات.. وحسب شهود عيان فهي (منطقة محررة!!) لا يطالها القانون، تباع فيها كل أصناف المخدرات والخمور جهارا نهارا بل وفي عين نهار شهر رمضان.. ويستطيع الزبائن التمتع بالتدخين أو الشراب فرادى أو جماعات بلا أدنى حرج أو رهبة.

وحسب معلوماتي، هي ليست وحدها (منطقة محررة) فهناك أخريات في المدن الثلاث ويبدو أن عين القانون مغمضة عنها طوعا أو كَرها..

وبصراحة رغم أنف الدعوات التي نهضت تطالب بحسم الممارسات في”كولمبيا” لكونها متاخمة لساحة الاعتصام ولأن صيتها الشرير يطال الثورة برزازه المتناثر، إلا أنني أنظر للمسألة بوجهٍ مغاير تماما..

هؤلاء الشباب الذين يديرون “كولمبيا” هم ضحايا أكثر من كونهم جُناة.. وراء كل مدمن أو مروِّج للإدمان قصة تحكي عن الطريق الذي سلكه حتى وصل إلى هنا.. إلى “كولمبيا”.. فهو لم يأت بكامل إرادته أو رغبته.. بل مقهورا ومهزوما بأمر الواقع السائد.. وإذا لم ننظر بعين الاعتبار لهذه الظروف فإننا لا نظلم هؤلاء الشباب فحسب، بل نصبح من زمرة الجناة وسببا في ترك آخرين من الشباب ينزلقون يوما ما أيضا إلى أحضان “كولومبيا”.

في تقريرٍ صحفيٍّ نشرته “التيار” قبل عدة أشهر (أعدته أيضا رجاء نمر)، قال أحد المشرفين على السجون إن الإحصائيات أثبتت تراجعا كبيرًا في نزلاء السجن من قضايا الشيكات، وزيادة مهولة في نزلاء قضايا المخدرات.. ملاحظة مرعبة تثبت أن غول المخدرات ليس حصرا على ظاهرة “كولمبيا” بل يمتد إلى حصون المجتمع السوداني ليدكَّه دكا..

نحن في حاجة ماسة لإدارة عمليات كبرى لإنقاذ شبابنا من هذا الفيروس القاتل.. ليس مواجهة شرطية أو أمنية فحسب، بل ضرب الأسباب التي تجعل الشباب فريسة سهلة لصائديهم.

في السجن المركزي “كوبر” وسجن الهدى، أعداد كبيرة من المحكومين بقضايا المخدرات وبعضهم بعقوبات قاسية طويلة تمتد من عشرة أعوام حتى ثلاثين عاما.. فيهم المتعاطون والمروِّجون بل وكبار التجار، هؤلاء هم أفضل من يساهم في وضع الخطة لمواجهة المخدرات، على الأقل للتكفير عن أخطائهم.. فهم يعلمون جيدا كيف تدار هذه التجارة وكيف تُصنَع الفرائس ثم كيف تُصطاد.. نحتاج إلى دراسة عميقة لصناعة استراتيجية طويلة النَفَس تحت عنوان (وطن بلا مخدرات)..

نستطيع أن نفعلها.. لنصبح فعلا (وطن بلا مخدرات)..

التيار


‫2 تعليقات

  1. أنا أستغرب لكاتب في مثل وزن عثمان ميرغني يبرر للإنحراف وأن من مشي في هذا الإتجاه ليس بطلا بل مكرها ، مهما يكن من أمر يا أخي فلا شيء يدع الناس للإنحراف إلا ضعاف النفوس ، وإذا أرجعت ذلك للظرف الإقتصادي فليس هناك شيء مجان كله بفلوس إذا أردت أن اشتري بنقو أو أي مخدر أو مسكر تحتاج لقروش كثيرة مما يعني أن وضعك مريح وتبحث عن المتعة بالنسبة لمن يمشي في هذا الإتجاه. وهكذا . نحن في السودان تنقصنا الوطنية ، وهي ليست في قاموسنا ،نحتاج لوقت حتي تتبلور فكرة الوطنية في حياتنا ، فكل ما نمارسة من مستوي القاعدة للقمة كلها ظواهر سالبة ، مظاهرات إعتصام أضراب عن العمل والذي لا يوجد أصلا وعصيان ، والتمسك بكرسي الحكم ، وإقصاء الآخر ، فالحياة في السودان شبه متوقفة ، فما يحدث شيء مؤسف فالكل مسؤول عما يحدث سواء كان متعلما أو جاهلا وزيرا أو عاملا صاحب قلم ويراع أو حامل سلاح كلهم سواسية كأسنان المشط، لا يرجي منهم.