المجلس العسكري.. خيارات عديدة للفترة المُقبلة!
تَحَوّلَ موقف الإدارة الأهلية في السُّودان من الإصلاح الاجتماعي وحلحلة القضايا التي تَتَعَلّق بأفراد ومُجتمعات المَناطق الريفية والحضرية بمُختلف تقسيماتها، إلى الإصلاح السياسي في جميع مُكوِّناته وتشعباته الحزبية. وقد نشط رجال الإدارة الأهلية مُؤخّراً في لقاءات مُختلفة ومبادرات لرأب الصدع بين العسكري وقِوى إعلان الحرية والتغيير تارةً لتقريب وجهات النظر، وتارةً أخرى في سباقٍ مع الزمن لتسريع تضايُق حلقات الخلافات بين القوة العسكرية والقوة الشعبية التي يمثلها تجمُّع المهنيين وقوى إعلان الحرية، بيد أن الأدوار الأخيرة برزت بصورةٍ أكبر تتوشّح ثوب المجلس العسكري الذي حاول مراراً إقناع المُجتمع الدولي والإقليمي وقوى إعلان الحرية بأنّه منطقة وسطى بين كل القوى وهدفه الأساسي هو العمل على تجنيب البلاد مآلات الانقسام والتجزئة والتشرذم عقب تعالي صوت الرفض وسط قِوى التغيير بأن الفترة المقبلة يجب أن تنطوي المُشاركة فيها على الذين لم يمثلوا في الفترة السابقة، ولم يشغلوا مناصب تنفيذية أو تشريعية تُوحي عن واقع المشاركة مع المؤتمر الوطني.
في وقتٍ يرى فيه المجلس العسكري أنّ دورهم هو إبعاد أيّة مُحاولة لإحداث شرخٍ في النسيج السِّياسي والاجتماعي السُّوداني، وعدم الشُّروع أو تنفيذ خُطط الانغلاق والإقصاء ضد المُكوِّنات السِّياسيَّة الأخرى على أن أمر الإدارة الأهلية كان مفصلياً عقب الدفع المُباشر الذي وجّهته لدعم موقف المجلس العسكري ومُحاولته القوية في تجنيب البلاد مآلات الانقسام، ويظهر ذلك بائناً إثر الاجتماعات الكثيرة والكبيرة التي عقدتها الإدارة الأهلية مع الجانب الرسمي الذي بدأ في تأييد واستحسان ما ظلّت تقوم به الإدارة الأهلية، بيد أنّ خلافات كبيرة بدأت تدب في تقاطيع المجلس السياسي الذي أبدى اهتماماً كبيراً بالسند الذي بدأت تلعبه الإدارة الأهلية بعد أن شكّلت حُضُوراً في الخرطوم واجتهدت في اجتماعات مستمرة برعاية السيد نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد الدعم السريع..
هذا الموقف الجديد للإدارة الأهلية أوجد العديد من المَواقف بين القوى السياسية المُختلفة، منها ما هو رافض للأدوار التي يقوم بها رجال الإدارة الأهلية وموقفها الذي يُخالف اتّجاهات القوى السياسية الرافضة للدور السياسي والسيادي الذي يصر عليه المجلس العسكري، وموقف آخر يرى أنّ هذا الدور ليس جديداً على الإدارة الأهلية، فهي قد عرفت بدورها الوطني قبل الاستقلال وخلال عهود النظام الاستعماري، وبالتّالي فإنّ الإدارة الأهلية لم تَأتِ بِجَديدٍ، لأنّها تُمارس عملها السِّياسي الذي فَرضته ظُرُوف البلد المُستعصية ولتجنيب أبناء البلد مآلات الانقسام وتعرُّض السودان للأزمة وشبه انهيار الدولة على غرار ما لحق بدول الجوار..
هذا الموقف وذلك التفويض الذي منحته الإدارة الأهلية للعسكري هل يحمله للمضي وفق الخيارات المُتعدِّدة أمام العسكري لعبور نفق الخلافات وتدويل الأزمة، أم أن المجلس العسكري يحمل المفاجأة في جعبته لكل القوى السياسية التي تنتظر ردة فعله السياسي في الأيام القادمة..؟
الفرق كَبيرٌ
ويرى الخبير الأكاديمي، المحلل السياسي د. السر محمد علي لـ(الصيحة) دور الإدارة الأهلية بأنه ربما أوجد الفرق بين القوتين الكبيرتين المُتحاورتين (العسكري والحرية والتغيير)، وقال إن الاختلافات الكبيرة والواسعة بينهما دفعا الإدارة الأهلية للقيام بهذا الدور، وأكّد أنّ عدم اهتمام قوى التغيير بالإدارة الأهلية في ظل التقارب الكبير بينها والمجلس العسكري الذي أولاها اهتماماً كبيراً، بل وقدّم لهم كل الوسائل التي تُمكِّنهم من القيام بدور رجل الإدارة الأهلية ومن شأنها أن تنجح مهامها المنوط بها، وتحديداً خلال توسُّطها لإنهاء الأزمة مع الحُرية والتّغيير.
وقال السر إنّ هذا الفرق الكبير والواضح بين العسكري والتغيير ودرجة نظرة كل طرف منهما للإدارة الأهلية يأتي مردودها مُتفاوتاً، ولذلك يقول السر إنّنا شهدنا مُيُولاً كبيراً لها لجانب العسكري الذي ترى من خلاله أنّها تُحاول القيام بما يحفظ للسودان وحدته وكيانه لما عُرف من القوات المسلحة بالقومية والتي هي الرمز الباقي للسودان في ظل التقاطعات الكبيرة التي بدأت ترسم ملامحها في الواقع بين القوى السياسية المختلفة.. وقال السر إنّ كل التّخوُّف هو أن تصل الحالة الأمنية في السودان من السوء ما لا يمكن أهله من الوجود فيه ومُمارسة حياتهم الاعتيادية.
ويضيف د. السر أنّ الأوضاع في السودان لن تُغيِّر مسارها المُتّجه بقوة نحو الفوضى، لولا جُهُود ودعم الإدارة الأهلية التي خَفّفَت من حِدّة الصراع بين العسكري والتغيير، وزاد: لو أنّ دورها هذا كان مُبكِّراً كان السودان قد اختبر مجهودات أضخم لرجالات الإدارة الأهلية بتحقيق النّجاح عبر استخدام كامل الإمكانات.. وزاد: إنّ الإدارة الأهلية دون تدخُّل المُجتمع الدولي تستطيع أن توجد منطقة وسطى بين الفرقاء السودانيين لما تتمكّن به من خبرات تجعلها مهيأة للعب هذا الدور بنجاح.
الدور الإيجابي
وبينما يقول الاستراتيجي الأمين الحسن، إنّ أكبر المهام التي كان يُمكن أن يقوم بها أيِّ وسيط هو لعب دور إيجابي وسط الفرقاء السودانيين من خلال بناء الثقة بين الجيش والمُتظاهرين، بيد أنه لم ينفِ إمكانية تدخل الوسطاء والاكتفاء بدور الإدارة الأهلية، ولكنه قال: من الضروري تدخُّل وسطاء خارجيين لتأمين اتّفاق انتقالي حقيقي بين ممثلي المحتجين وعلى الأقل جزء من القوات المسلحة.
وزاد: إنّ ذلك يتطلّب دوراً مُحايداً تماماً للإدارة الأهلية التي هي الآن أبعد ما تكون عن هذا الدور لأنّها ربطت مصيرها بوجود العسكري الذي ظلّ ينفق عليها في الخفاء، بل إنّ البعض ظلّ يقول إنّ وجودها في الخرطوم إنما كان بدفعٍ من المجلس العسكري الذي يلعب هذا الدور بذكاءٍ للتأثير على الشباب الرافضين لمُشاركة القوى السياسية السودانية التي شاركت من قبل في الحكومة السابقة، وإصراره بشدة على عدم حُدُوث أيِّ إقصاءٍ للقوى السياسية الأخرى التي تجد مُتَنفِّسَاً في هذا القرار، كما أنها نشطت في تعظيم دور الإدارة الأهلية التي هي الآن مُرحّب بها في أوساط تلك القوى السياسية التي تعرّضت بعُنف لسياط الحرية والتغيير.
المُضي قُدُماً
وقال الحسن، إنّ مثل هذا الدور يُمكن أن يتم الاتفاق عليه لما تمليه عملية السلام في البلاد التي تُعاني الذهاب بعيداً في مُفترق طُرق، مُؤكِّداً أنّ الضمانات التي تُقَدِّمها الإدارة الأهلية باعتبارها طرفاً ثالثاً، فهي من شأنها العمل على دعم التنفيذ السليم لأيِّ اتفاق يمكن التوصُّل إليه مع القوى السياسية.. وستحتاج الإدارة الأهلية لثقةٍ أكبر وتفهِّمٍ من القوى السياسية المُختلفة حتى يفرز التّعاون عن حل سلمي للأزمة.
وقال إنّ وجود هذه الإدارة الأهلية في المشهد السياسي مُهمٌ وللغاية لأنّها تمثل الشعب السوداني كله، خَاصّةً وأنّ المُجتمع الدولي ظلّ يستثمر أغراضه بكثافة في السودان.. بعد أن لعب دوراً مركزياً في انفصال الجنوب.. وزاد الحسن: إنّه ولإنقاذ البلد من الفوضى، فإن أمام المجلس العسكري فرصة تاريخية إما أن يتوجّه فوراً في اتجاه تشكيل الحكومة، التي قالها إنّ بصدد تشكيلها أو يجب تهيئة وإشراك المجتمع الدولي بسُرعة في دعم تطلُّعات الشعب السوداني بالاستمرار في التفاوُض مع الحرية والتغيير وإكمال ما بدأه من تفاوُضٍ بصُورةٍ لا تقوض حُقُوق الآخرين.