ماذا وراء إقالة النائب العام؟
وجاءت إقالة الوليد محمود، وهو من المحسوبين على النظام السابق، بعد استقالة والي الخرطوم، وبعد إفادات كذَّب فيها الرجل تصريحات للناطق الرسمي للمجلس العسكري شمس الدين كباشي، التي قال فيها إن النائب العام ورئيس القضاء كانا بين المشاركين في صنع قرار فض اعتصام الثوار أمام قيادة الجيش السوداني.
تلك الإفادات يعتبرها المراقبون طعنة قوية في صدقية المجلس العسكري الانتقالي، وأنها ربما تكون السبب المباشر في قرار الإقالة.
مصدر بوزارة العدل -فضل حجب اسمه- قال للجزيرة إن ضجر قيادة المجلس العسكري من تكذيب النائب العام للفريق كباشي كشف عن عدم التوافق بينه وبين المجلس العسكري بشأن إجراءات التحقيق في أحداث الميدان.
وأضاف المصدر أن قرار الإقالة يدل على احتكار المجلس العسكري سلطتي التشريع والتنفيذ، وأنه يسيّر السلطة القضائية والنيابة العامة وفق ما يريد.
سابقة
ويقول الخبير القانوني الشيخ فضل الله إنه ونظراً لحساسية المنصب، فإنه لم يحدث طوال تاريخ القضاء السوداني أن أقيل نائب عام من منصبه، وإن الاتجاه السليم في حالة إخلاء المنصب هو دعوة النائب للاستقالة، فضلاً عن أن الإقالة إن حدثت –كما يقول فضل الله- يجب أن تتبعها حيثيات موضوعية “لأن الإقالة من هذا المنصب الرفيع ترمي بظلال سالبة على المشهد السياسي، وتحدث هزة بالغة في سلك القضاء بالدولة”.
ويشير فضل الله إلى أن نوعاً من الغرابة صاحب تعيين الوليد محمود وإقالته من النيابة العامة، لأن الرجل رُفِّع للمنصب ولأجله تم تخطِّي كفاءات عديدة تزخر بها الهيئة القضائية.
ويضيف أن النائب السابق تلقى النصح من مقربين له، أن يبدأ عهده في المنصب بالتحقيق في “من قتل المتظاهرين” حتى يكسب ثقة الرأي العام السوداني، لكنه لم يفعل حتى جاءته الإقالة التي ربما كان سببها المباشر تصريحاته التي نفى فيها أي مشاركة له في فض اعتصام القيادة.
ويذكر الخبير القانوني أن تصريحات الفريق كباشي التي ورّط فيها النائب العام في ملف الاعتصام، تضاف إلى تصريحات كاذبة قالها أمام الملأ، منها قوله بوجود إخوان (الرئيس المعزول عمر) البشير في السجن العمومي، وادعاؤه لقناة الجزيرة التي تم إبعادها من السودان بتواجد المعتصمين في ميدان الاعتصام، وأنه أعلن بعد فض الاعتصام بالقوة أن المجلس العسكري لا يمانع في عودة الثوار لميدان الاعتصام مرةً أخرى.
حرج سياسي
الكاتب الصحفي سهل آدم يقول إن تكذيب النائب العام تصريحات الفريق كباشي تسببت في حرج سياسي وأخلاقي بالغ للمجلس العسكري.
وبناءً على ما صدر من تصريحات لأعضاء المجلس -كما يستنتج آدم- تصعب إدانة العسكر لأنفسهم وهم في مواقع السلطة.
ويربط بين إقالة النائب العام وفض الاعتصام، بقوله إن قرار الإقالة يؤكد عدم رغبة المجلس العسكري في إجراء تحقيق ذي مصداقية تحت إشراف تحقيق دولي أو بمشاركة أفريقية، وإن المجلس العسكري يريد من خلال ذلك القرار إتاحة الفرصة أمام الرُتب الكبيرة للإفلات من العقاب.
ويقول أحمد مصطفى الحسين -وهو أستاذ السياسات العامة والإدارة الحكومية- إن إقالة النائب العام في هذا الوقت تفضح حالة عدم الاستقرار التي تعيشها سلطات المجلس العسكري، وإن القرار يشير إلى وجود خلافات داخل المجلس حول كيفية إخراج مجزرة اعتصام القيادة العامة.
وبعد المجزرة –يضيف الحسين– أصبح المجلس العسكري في ورطة حقيقية بعد أن دخلت أطراف دولية عديدة تنادي بتحقيق شفاف حول الحادثة، منها المحكمة الجنائية والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، بينما ظل مرتكبو الجريمة كأنهم يعيشون في جزيرة معزولة دون إدراك للإطار السياسي الذي يحكم النظام العالمي.
ويرجح الكاتب الصحفي فتح العليم محجوب الفكي أن يكون إقدام المجلس العسكري على إقالة النائب في سياق محاولات قيادته لإيجاد مخرج من ورطة فض الميدان بالقوة.
ونظراً لما شهده القضاء السوداني من تسييس خلال حقبة البشير، يرى الفكي أن سلطات المجلس العسكري تلجأ في هذه المرحلة إلى تصوير قرارها بإقالة النائب كأنه تنظيف للهيئة القضائية وتصويرها كهيئة مستقلة ومحايدة.
من جهته، يربط الأستاذ الجامعي عبد الله علي إبراهيم بين إقالة النائب العام وتصريحاته حول فض الاعتصام بقوله إن السلطات تريد نائباً طيِّعاً تأمن جانبه ولا تلمس منه جِدّية مُقلقة في تنفيذ مهام بعينها، مثل ملاحقة مدير جهاز الأمن الأسبق صلاح قوش وعمر البشير.
الخرطوم (الجزيرة نت)