حظر الإنترنت يثير السخط في السودان
تمثّل شبكة الإنترنت اليوم واحداً من أساسيات الحياة على الصعد كافة، وانقطاعها يربك الناس ويعطّل شؤوناً كثيرة لهم. السودانيون لا يختلفون عن سواهم في ذلك، بالإضافة إلى أنّ الأمر يؤثّر على ثورتهم كذلك.
في الثالث من يونيو/ حزيران، حظر المجلس العسكري الانتقالي في السودان خدمات الإنترنت في البلاد، الأمر الذي جعل السودانيين يتذمّرون، لا سيّما أنّه يؤثّر سلباً على حراكهم الشعبي. لكنّ ثمّة آخرين يرون أنّ الأمر لا يخلو من إيجابيات سوف تأتي بنتائج مخالفة لما أراده المجلس.
شهدي موسى شاب سوداني يعمل اليوم سائق سيارة أجرة عبر تطبيق إلكتروني صممته شركة نقل في ولاية الخرطوم، توفّرت من خلاله أكثر من 50 ألف فرصة عمل للشباب. بالنسبة إليه، هو الذي كان موظفاً في شركة إعلامية، فإنّ “ثمّة إفادة كبيرة من ذلك. دخلي اليومي يصل إلى ألف جنيه سوداني (نحو 20 دولاراً أميركياً) وهو مبلغ يوفّر حاجيات أسرتي اليومية”. لكن، منذ الثالث من يونيو/ حزيران، وجد موسى نفسه عاطلاً من العمل، بعدما اتّخذ المجلس العسكري الانتقالي قراره بوقف خدمات الإنترنت في البلاد، ظنّاً منه أنّ استخدام الشبكة يمثّل تهديداً للأمن القومي السوداني، لا سيّما وسائط التواصل الاجتماعي التي اعتمدت عليها المعارضة السودانية في معركتها مع نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ومع المجلس العسكري الحالي الذي سيطر على مقاليد الحكم في البلاد منذ الإطاحة بنظام البشير.
يقول موسى لـ”العربي الجديد” إنّ “قرار المجلس العسكري أفقدني مصدر رزقي، وصرت أتخلّى عن أبسط الضروريات ولم أعد قادراً على المساهمة مع بقية أفراد الأسرة في توفير متطلبات الحياة وسدّ النقص، لا بل أكثر من ذلك صرت عالة على الأسرة بعدما كنت أكبر المساهمين في إعالتها”. يضيف أنّه اضطرّ إلى العودة قبل أيام لعمله السابق “على الرغم من الراتب المتواضع”. ويشير موسى من جهة أخرى إلى أنّ “الضرر الذي أصابني من جرّاء قرار وقف خدمات الإنترنت لا يقتصر على المعيشة فحسب، بل راح يطاول عملية تواصلي الاجتماعي مع أسرتي الكبيرة ومع أصدقائي وزملائي. فأنا كنت أعتمد على تطبيقات التواصل الاجتماعي في ذلك، أمّا البديل من ذلك اليوم فهو الاتصال عبر الهاتف، وهو أمر صعب على سودانيين كثيرين في ظل ضيق ذات اليد وغلاء تعرفة الاتصالات. ويبقى الهاتف للحالات الاستثنائية من قبيل المواساة في فقدان عزيز أو مباركة في فرح”.
بدورها، تضرّرت الشابة مشاعر النور، تماماً كما موسى وملايين من السودانيين، من قطع خدمة الإنترنت في البلاد، فتقول لـ”العربي الجديد” إنّ “التأثير السلبي للقرار العسكري كبير جداً، فثمّة فراع كبير أعانيه اليوم من جرّاء انقطاع التواصل مع أصدقائي في داخل الوطن”، مضيفة أنّ “السودانيين تضرّروا من مصادرة حقهم في تبادل المعلومات مثل غيرهم من شعوب الأرض”. لكنّها في المقابل تشير إلى “جانب إيجابي” لقرار المجلس العسكري وهو “استعادة جلسات الأسرة بعدما كان أفرادها في الماضي ينشغلون بهواتفهم المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي”. وتؤكد النور: “نجحت في الأيام الماضية في إعادة اكتشاف إخوتي وأخواتي الذين كنت قريبة منهم في أيام الإنترنت جسدياً فقط. كذلك، صرت ألتقي بصديقاتي، واكتشفنا جميعنا أنّ التواصل الاجتماعي المباشر أكثر حميمية من التواصل الاجتماعي الافتراضي”.
أمّا الحافظ محمد الذي تعود أصوله إلى أقاصي غرب السودان، فيقول إنّ “قرار حظر الإنترنت في البلاد حرمني كلياً مع وضعي المادي المتواضع من التواصل مع أسرتي البعيدة إلا في حالات نادرة جداً، وذلك عندما أحقق أرباحا أكبر من بيعي الفول السوداني والتسالي والنبق في أسواق الخرطوم”.
في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم لـ”العربي الجديد” إنّ “حظر خدمة الإنترنت في السودان ألقى بظلاله الثقيلة على مجمل حياة السودانيين الذين صودر أحد حقوقهم. فإلى جانب تأثّر مهن عدّة بذلك القرار، فإنّه طاول حقّ المعرفة لأنّ سودانيين كثيرين عمدوا في الأعوام الأخيرة إلى قراءة الكتب عبر الشبكة، وآخرين اليوم لم يتمكّنوا من مواصلة بحوثهم العلمية نتيجة القرار غير الموفّق للمجلس العسكري”، مضيفة أنّ “الخدمات الصحية التي تقدّم للمواطن تضرّرت من جهتها من جرّاء ذلك القرار”. لكنّ إبراهيم تشير إلى أنّ ذلك “أوقف نشاط المستخدمين السيّئ للإنترنت، فثمّة أشخاص كانوا يروّجون من خلال الشبكة لشائعات كان لها أثرها على النسيج الاجتماعي”.
من جهته، يرى الصحافي مأمون التلب أنّ ذلك القرار هو “الوحيد الإيجابي الذي اتّخذه المجلس العسكري حتى الآن، إذ إنّه سوف يسمح للسودانيين الثائرين ببناء قواعدهم في مناخ حرّ، وبتواصل مباشر من خلال الشارع والميادين والأندية والأحياء”، مضيفاً أنّ “من شأن ذلك أن يجعل التغيير السياسي والتغيير الاجتماعي واقعاً على الأرض”. ويؤكد التلب لـ”العربي الجديد” أنّ “التواصل وجهاً لوجه سوف يبني قواعد حقيقية غير افتراضية”، مشيراً إلى أنّ “شعارات الثورة ومفاهيمها الأساسية لم تبلغ أرض المجتمع، خصوصاً السلام والعدالة والحرية وحقوق المرأة والطفل”. ويشدد على أنّ “ذلك الأمر يحتاج إلى مزيد من التواصل الاجتماعي المباشر، إذ إنّه من شأنه أن يعزّز تعارف الناس بعضهم مع بعض، وبالتالي يجعل مساحة الاعتصام البلاد كلها وليس محيط قيادة الجيش فحسب”.
العربي الجديد