تحقيقات وتقارير

الحوار مع الحركات المسلحة .. هل يصلح (حميدتي) ما أفسدته الإنقاذ؟

عَلَى الرّغم من التّعقيدات التي ظَلّت تُلازم ملف التّفاوُض مع الحركات المُسلّحة، وكان مصدر قلق للنظام السَّابق، إلا أنّ المجلس العسكري الانتقالي ربما ينطلق برؤيةٍ مُغايرةٍ يسعى من خلالها لتجاوُز التقاطعات الماضية، وفتح الأبواب الموصدة أمام الحركات.. ومُؤخّراً أصدر رئيس المجلس العسكري الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان، مرسوماً عسكرياً بتشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس المجلس الفريق اول محمد حمدان دقلو “حميدتي” تُعنى بالتّفاهُم والتّواصُل مع الحركات المُسلّحة، ولعلّ الخطوة وجدت استحساناً وسط قطاعاتٍ واسعةٍ لجهة المُبادرات التي قَادَها المجلس في الفترة الماضية للتّواصُل مع المُكوِّنات الشعبية والأهلية كَافّة، ومع ذلك يظل السؤال المشروع عن إمكانية أن تُحقِّق هذه المُبادرة السلام المنشود، وأن تعود هذه الحركات للمُشاركة في تليين المواقف السِّياسيَّة لفرقاء الداخل؟ خَاصّةً وأنّ “حميدتي” له تجارب في التعامُل مع هذه الحركات، وسبق واختبرها في الميدان وجاء الوقت ليختبرها على الطاولات.

نقاط التّفاهُم

وأُوكلت للجنة المكلفة الدخول في تفاهُماتٍ للوصول إلى وثيقة تُرضي الطرفين بما يُحقِّق السلام وفق أُسس ورؤى مُشتركة جديدة تنهي سنوات القطيعة، وتضم اللجنة عضوية كل من الفريق شمس الدين كباشي إبراهيم، والفريق إبراهيم، والفريق ركن ياسر عبد الرحمن حسن العطا عضو المجلس، واللواء ركن أسامة العوض محمدين، ويرى مراقبون بأنّه عند اشتداد الخطوب والأزمات وتفجُّر الصِّراعات السِّياسيَّة، وتفكك المُجتمعات، يتساءل المرء، هل المزيد من الحروب هو السبيل إلى الخلاص؟ أم أنّ السلم الاجتماعي هو المَخرج، وهو الوصفة الناجعة لهذا البلاء؟ وجاء الرد عبر رؤية القيادي بحركة العدل والمساواة الناطق الرسمي أحمد عبد المجيد دبجو لـ(الصيحة) عن تفائله بخطوة المجلس، وقال: نُقدِّر ونُثمِّن مساعي المجلس العسكري الرامية للاستقرار، وقال إنّ البيئة السِّياسيَّة الآن مُواتية للتّفاهُم مع الحركات المُسلّحة باعتباره من المطلوبات المُلحِّة للمرحلة، واعتبر اختيار القائد “حميدتي” ليكون على رأس اللجنة المُفاوضة اختياراً صادف أهله باعتبار أنه صاحب رؤية عسكرية في تحقيق السلام وله (القدح المعلى) في استتباب الأمن.

استحسان

وطالب دبجو، المجلس العسكري بتكوين رؤيةٍ مُتكاملةٍ لاستصحاب المجموعات المُتعنِّتة، والمُوقِّعة على السلام على السّواء، واستحسن خطوة المجلس بالعفو، وإخراج الأسرى من السجون واعتبرها بادرة لحُسـن نوايا استبقت لجنة التّفاهُم، ودعا دبجو إلى ضرورة إعلان مُنسقية أو مكتب للسلام حتى تكون بمثابة سندٍ ودعمٍ للمجلس في عملية السلام، وأردف: نتمنى أن تكون المرحلة القادمة مرحلة حوار ومُشاركة.

تصحيح مسار

وحسب مراقبين، فإنّ المجلس العسكري ربما التقط القفاز لتصحيح المسار وذلك عبر قراءة ما بين السطور للهجوم الذي شَنّه عضو المكتب السياسي للجبهة الثورية وعضو قِوى الحرية والتغيير التوم هجو، الذي فتح النار وشَنّ هجوماً عنيفاً، مُنتقداً زملاءه في قيادة التّفاوُض بقِوى الحُرية والتّغيير ووصفهـــــم بالإقصائيين، وقال: (نقولها الآن مثل ما قالها الشباب الثُّوّار في شعارهم كدا بالواضح ما بالدس)، مُوضِّحاً أنّ تحقيق شعار الحرية والسلام والعدالة لم يَتحقِّق وتمّ تَجَاهُله، فالحرية لم تطل مُنتسبي الجبهة الثورية الذين ما زالوا في المُعتقلات، ولم يُطالب قيادات قِوى الحُرية والتّغيير بإطلاق سراحهم، بل مضوا في التّفاوُض، وكذلك السلام الذي وصفه هجو بأنّه حتى آخر لحظة وضعوا البندقية وأوقفوا إطلاق النار وتَوقعّوا خطوة مُتقدِّمة، ولكن لم يحدث شيءٌ بخُصُوص السَّلام، وكشف عن أنّ قيادات الحُرية والتّغيير فشلت في التّفاوُض لأنّها تفاوضت بالجملة وليس عبر لجان، وأكّد هجو أنّ الجبهة الثورية رغم إقصائها الواضح من قِبل قِوى الحُرية والتّغيير، لن تخرج من تحالف قِوى الحُرية والتّغيير رغم انتقادهم لها، وأنهم سيعملون على تصحيح المسار، وهذا لن يمنعهم من قول الحقيقة.

استراتيجية مُمنهجة

واعتبر المُحلِّل السِّياسي د. عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة)، مُبادرة المجلس العسكري جُزءاً من استراتيجية مُمنهجة للتّواصُل مع القواعد الشّعبية، وربما لإضعاف موقف الحرية والتغيير، وقال إن مساعي العسكري بدت واضحةً من خلال اللقاءات المُكثّفة مع القواعد الجماهيرية ومع الإدارات الأهلية، وأشار إلى أنّ الدعوة تحتاج إلى دَعمٍ وتَعَاوُنٍ مُشتركٍ بين العسكري والحُرية والتّغيير، لتُساق مع اتجاهات الحكومة الانتقالية من الناحية التنفيذية، مُؤكِّداً أنّ أيِّ اتفاق يحتاج لآليات تنفيذ داخل منظومة حكومية لاستيعاب قُدرات هذه الحركات بشكلٍ سليمٍ داخل المُجتمع.. وقال إنّ خطوة العسكري بالتّواصُل مع الحَركات المُسَلّحة في هذا التوقيت، خَاصّةً وأنّها استبقتها بإطلاق سراح الأسرى والمساجين السِّياسيين من مُنتسبي هذه الحركات يُعد نوعاً من الاقتراب وليس التّقارُب، نسبةً لأنّ العَمليّة السّلميّة حسب قوله تحتاج إلى أرضية وأسسٍ للتّفاوُض، وتحتاج لاستصحاب أجسامٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ لحفظ الحُقُوق واستمرار العمليّة السّلميّة.

مخاوف مشروعة

وَذَهَبَ د. خاطر إلى أنّ اللجنة التي كُوِّنت ذات طابعٍ سياسي عسكري، وكان حريٌّ بالعسكري الالتفاف للجانب الفني حتى لا يصل التّفاهُم إلى طَريقٍ مَسدودٍ ويصبح البديل مشروع العودة الى مربع النزاع الأول، داعياً المجلس العسكري لدعم الخطوة بخطوات أُخرى حتى تتكامل العملية السياسية وتُحقِّق النتائج المُرضية، بينما عدّ أية دعوة قد تُوجّه لهذه الحركات للنزول الى أرضية الملعب والمُشاركة في الحكومة الانتقالية انتهازية، وتُعد واحدة من المعارك الخاسرة التي كانت ولا تزال تُمارس وقادت البلاد إلى مورد الهلاك، إضَافَةً إلى المخاوف من رفض بعض الحركات التّفَاهُم لا سيما الحركة الشعبية قطاع الشمال التي خَرَجَت مُغاضبةً بسبب إبعادها.

الحركات

يُشير عضو البرلمان السابق، عضو حركة تحرير السودان محمد إدريس إلى أنّ الحركات المُسلّحة بالسودان تضم حوالي خمس حركات رئيسية، منها الحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، والحركة الشعبية المُنشقة بقيادة مالك عقار ومعه سَاعِدُه الأيمن ياسر عرمان والتي تُحارب في منطقتي النيل الأزرق وجَنوب كُردفان، وحَركات دارفور تَضم حَركة تحرير السُّودان جناح مني أركو مناوي، وحركة جيش تحرير السُّودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، إضَافَةً لحركة العدل والمُساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وهنالك أكثر من عشرين حركة أُخرى مُتواجدة بالسَّاحة الآن ومُنشقة عن هذه الحركات.

تقرير: نجدة بشارة
الخرطوم ( صحيفة الصيحة)

‫2 تعليقات

  1. لن يصلح شئ والسبب بسيط المجلس غدر بشباب سلمي وقتلهم بدم بارد
    واكيد الحلو ونور وحركة العدل والمساواة لن تجلس للتفاوض الا بعد تكوين
    مدنية ولا ثقة فى المجلس الذي قتل الشباب وهذا كلام الحركات المناضلة
    التى لم ولن ترضي ان تصل لسلام علي جثث الشباب