منوعات

عشر سنوات على رحيل مايكل جاكسون: هل تهاوى إرثه؟

اختلفت الذكرى العاشرة لرحيل مايكل جاكسون (25 يونيو/حزيران 2009) عن السنوات السابقة. مرّ عقد كامل على ذلك اليوم الذي أعلنت فيه عائلة “ملك البوب” عن رحيله بعد توقف قلبه بسبب تناول عدد من العقاقير والأدوية التي أدمنها في سنواته الأخيرة. هذا العام، تحلّ ذكرى رحيل جاكسون إذاً، مع ضجيج لا ينقطع، منذ بثّت شبكة HBO الأميركية الفيلم الوثائقي Leaving Neverland في شهر مارس/آذار الماضي. تخلّل الشريط عرض شهادتَي الشابين الأميركيين جيمس سايفتشاك، ووايد روبسون، وهما يتحدثان عما كان يحصل داخل “نيفرلاند”، القصر الكبير الذي كان يسكنه جاكسون. هناك تعرض الشابان، كانا طفلين وقتها، إلى تحرش جنسي مستمر من “ملك البوب”.

كلمات قليلة، وتفاصيل محددة من الشابين جعلت إرث جاكسون وشرعيّته الفنية يتهاويان بشكل دراماتيكي: إذاعات عدة حول العالم أعلنت وقف بثّ أغانيه، ثم قرّرت “دار لوي فيتون” الفرنسية للأزياء الراقية، سحب المنتجات التي تستلهم من الفنان الأميركي، من مجموعتها لملابس الرجال الخاصة بصيف عام 2019. وقبلها كان المنتج التنفيذي في مسلسل “ذا سيمبسونز”، جيمس إل. بروكس، يعلن أنّ إحدى الحلقات التي استُخدم فيها صوت الفنان الأميركي، ستُحذف، نتيجة اتهامات التحرش الجنسي التي كشف عنها الوثائقي. كذلك أعلن متحف الأطفال في إنديانابوليس الأميركية أنه أزال قفازات شهيرة كان يرتديها جاكسون في حفلاته. ووصلت المقاطعة إلى الملاعب الرياضية حيث استبدل فريق “لوس أنجلس ليكرز” لكرة السلة، أغنية Beat It بأغنية أخرى هي Smells Like Teen Spirit لفريق “نيرفانا” في الفقرات التي تفصل بين أجزاء المباريات.

بدا إذاً أنّ كل شيء يتداعى وأن مايكل جاكسون الذي كان أكثر الفنانين الراحلين تحقيقاً للأرباح حتى بعد وفاته، على وشك أن يلتحق بالنجوم الذين قضت فضائح التحرش الجنسي على مسيرتهم في العامين الأخيرين.

فكيف يبدو إرث جاكسون اليوم، بعد 3 أشهر على عرض الوثائقي الشهير، وفي الذكرى العاشرة لرحيله؟ الحقيقة أن الكلام الإعلامي شيء، وما يحصل على أرض الواقع شيء آخر تماماً. ونحن نتحدّث هنا عن الإرث الموسيقي للفنان الراحل. فصحيح أن حملة عنيفة لمقاطعة كل ما يمتّ لجاكسون بصلة تأججت، وجابت العالم، لكن الأرقام تكشف جانباً آخر تتجاهله أغلب وسائل الإعلام: كشفت مجلة “رولينغ ستون” أن عدد المرات التي سُمعت فيها أغاني “ملك البوب” على تطبيقات مثل “سبوتيفاي” و”آبل ميوزيك”، في الأسبوع الذي تلا عرض Leaving Neverland، وصل إلى 16 مليونا و500 ألف مرة وهو المعدل الأسبوعي المعتاد.

كذلك قال دارين جوليان، الرئيس التنفيذي لشركة جوليان للمزادات في لوس أنجلس، إن ممتلكات النجم الراحل لا تزال تحقّق أرباحاً كبيرة جداً. ويشرح أن شركة المزادات التي يرأسها باعت منذ وفاة جاكسون بعض ممتلكاته بملايين الدولارات. ولعلّ أبرزها، سترته الشهيرة مقابل 1.8 مليون دولار أميركي في عام 2011. لكن اللافت هو أن سترة أخرى ارتداها جاكسون في إحدى حفلاته عرضت للبيع في المزاد العلني الشهر الماضي (أي بعد شهرين من عرض الوثائقي) وبيعت بمبلغ 75 ألف دولار، وهو مبلغ كبير، لأن هذه السترة نفسها بيعت للمرة الأولى قبل خمس سنوات بـ60 ألف دولار.

ونشرت مجلة “فوربس” من جهتها تقريراً بعد عرض الوثائقي، توقعت فيه ألا تتأثر العائدات من بيع وبث أعمال مايكل جاكسون إطلاقاً بالاتهامات التي وجهت له في الشريط. بل على العكس، بقي بيع ألبوماته مستقراً تماماً كما كان منذ وفاته، كما أنّ شركة “سوني” التي توزّع أغاني جاكسون، رفضت فسخ العقد الذي عقدته مع عائلته، وبقيت هي الشركة الوصية على كل أعماله. وهذه الشراكة أدت إلى تحقيق أرباح قدرها 2.4 مليار دولار منذ وفاته حتى الأسبوع الذي تلا عرض Leaving Neverland.

فما هو السبب في بقاء مايكل جاكسون أو أقله موسيقاه صامدة في وجه كل الاتهامات التي وجّهت له؟ ولماذا يعجز الإعلام ومعه الرأي العام عن التعامل معه براديكالية كما هي الحال على سبيل المثال مع آر كيلي، أو هارفي وينستين، أو كيفين سبيسي؟ لعلّ سيرة حياة جاكسون، وعذابه كطفل، وتعرّضه للعنف الأسري، وصراعه مع هويّته جعلته طيلة حياته، وحتى وهو في قمة نجاحه وسلطته، يشحذ تعاطفاً تلقائياً من الرأي العام. ظهر الرجل طيلة حياته بمظهر الضحية: ضحية المجتمع والعنف، وهو ما جعل كل أعماله وتجاوزاته وحتى تحرشه بالأطفال موضع نقاش وأخذ وردّ.

تقول ستيفاني زاشاريك في مقال نشرته في مجلة “تايم” غداة عرض الوثائقي: “لا ننظر إلى جاكسون على أنّه كائن شرير، بل نراه كشخص ضائع، كطفل، حتى عندما كبر كان مثل طفل. بطريقة ما، يرى العالم أن محاكمة جاكسون يجب أن تكون مختلفة عن محاسبة المتحرشين الآخرين، هؤلاء الأشرار والأنانيين. مايكل جاكسون يعطينا انطباعاً بأنه طائر نادر وهش، يستحق تعاطفنا رغم الشرور التي ربما ارتكبها”.

كذلك يبدو التعامل مع ذكرى أصعب من التعامل مع شخص حيّ، فلا الخصومة هنا لها أثر مباشر على “المجرم/المتحرّش”، ولا حملات الهجوم المتأخرة قد تؤدي قضائياً إلى نتائج منصفة للضحايا. والأهم من كل ما سبق أن جمهوراً واسعاً يقف إلى جانب الفنان الراحل، على اعتبار أن كل اتهامات التحرش التي وجهت له في حياته قد أسقطت، وبالتالي لا مجال لتشويه سمعته بعد وفاته. هو الجمهور نفسه الذي لا يزال يشتري ألبوماته ويسمع أغنياته؟

عربي21