من مقاعد الحافلة .. حكايات لم يروها أصحابها!
الحافلة هي ليست عبارة عن وسيلة للمُواصلات فقط، هي مكان يجتمع فيه الناس كافة باختلاف أعمارهم وسُحناتهم ومُستوياتهم الفكريّة، إلا أنّهم عندما يَستقلون الحافلة، تبدو هُمُومهم كأنّها واحدة، يتجادلون في أمورهم التي تجمعهم بعيداً عن زحمة الحياة التي أخذت وبدّلت الكثيرين منهم، رغم ذلك فإنّهم وجدوا مِسَاحةً يَستطيعون من خلالها أن يبوحوا بما فيهم من أفراحٍ وأحزانٍ ويفتحون باب الاستغراب للتّطوُّرات التي طرأت على أشياء مرّت بهم، بينما يلجأ بعضهم إلى الصمت الذي يغلب على حالة استفهاماتهم الكثيرة ذلك دُون تَدخُّل صاحب الحافلة أو “الكمساري” وما يُحيط خلف ملامحهم التي غَطّ عليها الغبار، بجانب درجات الحرارة العالية ولسع البرد.
المقعد الأول
تلقي بنظرات سريعة إلى الركاب داخل الحافلة، وبعدها تبدأ التحدث إلى صديقتها قائلة: “أنا خايفة هسي لو عملوا لينا حاجة نقول يا منو”! تنظر إليها وهي غاضبة “يعني الشهداء الماتوا ديل ما أحسن مننا، إنتي عارفة والله إنتي هسي بتكوني خايفة، لكن مما تدخلي في الموكب بتجيك طاقة من هتافات، يا بت إنتي صاحبة قضية ولازم تدافعي عنها بسلميتك”، وبعدها تصمت برهةً وتقول لها: “إذا إنتي خايفة قولي اللهم إني استودعتك نفسي فاحفظها لي أنت خير الحافظين”.
المقعد الثاني
أربعيني دخل إلى الحافلة ونثر عطره الذي انداح في كل أنحاء المركبة، فهو يرتدي قيمصاً ذا لون وردي وبنطالاً أزرق، واضعاً نظارته الشمسية أعلى رأسه، أخذ يُلاعب الطفل الذي كان يبتسم له بين الحين والآخر، وعندما سمع طقطقة (الكمساري) تلمّس جيبه وحاول في الجيب الآخر إلا أنّ لمساته باءت بالفشل، الذي وضح من خلال ملامح وجهه التي كانت تحكي عن إحراجٍ، لأنّه نسي مَحفظته في منزله وما كان من (الكمساري) إلا أن تناسى وجوده حتى لا يُسبِّب له حرجاً مع ركاب الحافلة وعند نزوله من الحافلة وضع (الكمساري) النقود داخل جيب الرجل قائلاً: وهو مُبتسم (بتحصل كثير ما تشيل هَــم).
المقعد الثالث:
شباب يجلسون، يتوسّطهم صديقهم الذي يحمل هاتفه الجوال وهم يضحكون حتى علا صوت أحدهم قائلاً: (والله البتعملوا فيهو ده عيب)، مُوجِّهاً حديثه لصديقه بوجهة الغاضب (إنت يا محمد ليه بتعمل كدا في بنات الناس؟ وإتذكر إنو الفاعل مفعول وبكرة الحلق بدوِّر).
المقعد الرابع:
فتاتان جميلتان جلستا على المقعد الأمامي من الحافلة كان حديثهما يُوحي بأنّهما شقيقتان، بَعد جُلوسهما بالمَقعد اتّجهت إحداهما بمخيلتها بعيداً، بينما كانت أختها تَعبث بهاتفها الجَوّال، فجأةً التفت إلى أختها قائلةً: (هسي لو محمد إتقدّم لي أبوي بيرفضو؟) ردّت: (والله أنا ما عارفة لكن ممكن يرفضو، إنتي ناسية لمن إسماعيل إتقدّم لي أبوي قال شنو؟ ده ما من قبيلتنا عشان كده رفضو، وافتكر إنو دي رسالة واضحة لينا إنو ما في زول نجيبو من بره القبيلة).
تقرير: أميرة
صحيفة السوداني