تنقلات القضاء .. ربكة في المحاكم الجنائية
ثمة اضطراب وارتباك يسودان قبل فترة وهذه الأيام قاعات المحاكم الجنائية بولاية الخرطوم وبعض مدن البلاد الأخرى، نتيجة تنقلات بين القضاء، بأمر السلطة القضائية.
كثيرٌ من القضايا الجنائية تعطل السير في إجراءاتها، وكذلك الحال في قضايا الفساد خصوصاً المتعلقة برموز النظام البائد التي يرتقبها الشارع أملاً في حصول المتهمين فيها على محاكمات عادلة.
تنقلات
حالة من الاضطراب تشهدها قاعات المحاكم الجنائية بولاية الخرطوم، نسبة لتنقلات نفذتها السلطة القضائية مؤخراً شملت عددا كبيرا من القضاء خصوصاً الذين يشرفون على قضايا كبيرة، هذا ما أثر على سير كثير من القضايا، لكنه حتماً لم يأثر على تحقيق العدالة.
التأخير يراه مراقبون وقانونيون تأخيراً طبيعياً بحجة أن كل قاضٍ يأتي خلفاً لقاض آخر يطلب منحه فرصة أو وقتاً حتى يدرس ملفات القضايا التي تركها سلفه وبالتالي يعمل على تأجيل القضايا لفترة يقدرها حسب حجم القضية وأبعادها وتعقيداتها الجنائية ليتسنى له السير فيها وتحقيق العدالة ليأخذ كل ذي حقاً حقه.
نموذج
تحظى محكمة الخرطوم شمال الواقعة – جغرافياً – شمال شرق موقف جاكسون، تحظى باهتمام كبير من حيث التغطية الصحافية لدى محرري الصحف المهتمين بتغطية ومكافحة (الجريمة)، عبر نشرها في قوالب توعوية وإرشادية لتنبيه الرأي العام لما يحدث في قاعات المحاكم وما يدور في دهاليزها، استناداً للقاعدة الذهبية التي تقول (من حق المجتمع أن يعلم ما يدور من حوله).
هذه المحكمة استندنا عليها كنموذج تأثرت القضايا فيها بالتنقلات نسبة لأهميتها إذ لوحظ أن التنقلات شملت معظم القضاء الذين يشرفون على قضايا جنائية بمختلف أنواعها وتصنيفاتها، ورغم أن السلطة القضايا تجري تنقلات روتينية لكن هذه المرة ذهب البعض إلى أن التنقلات التي جرت تأخذ طابعاً سياسياً أكثر من كونها روتينية نسبة للتعقيدات السياسية التي تشهدها البلاد منذ ديسمبر الماضي.
حسب مصادر (السوداني)، فإن أبرز الذين طالتهم التنقلات هم مشرف محكمة الخرطوم شمال القاضي عاطف محمد عبد الله حيث نقل إلى محكمة جنايات الحاج يوسف، ويعرف أنه من القضاء المشهود لهم بالكفاءة العالية رغم صغر سنه، وتولى الإشراف على محكمة الخرطوم شمال خلفاً للقاضي عابدين حمد ضاحي.
وتشير المصادر إلى أن من الذين غادروا المحكمة أيضاً قاضي محكمة مكافحة الإرهاب د.إسماعيل إدريس، ورغم قصر فترته في الخرطوم شمال لكنه أنجز عملاً كبيراً في قضايا الإرهاب وأشرف على قضايا معقدة أبرزها قضية الاتجار بالبشر التي دخلت فيها قوات الدعم السريع في اشتباكات مسلحة أسفرت عن مقتل 17 شخصاً من المتهمين وفقدت القوات أحد جنودها، في منطقة المثلث شمال البلاد، وأصدر فيها أحكاماً بالسجن والغرامة على المتهمين، بجانب إشرافه على عدد كبير من قضايا تهريب وتجارة السلاح، وأشارت المصادر إلى أن محكمة مكافحة الإرهاب أسندت إلى قضاء مشهود لهم بالكفاءة أيضاً.
ولفتت المصادر إلى أن عددا من المحاكم الجنائية تأثرت بالتنقلات هذه لكن عدد من القانونيين أرجعوا عملية التنقلات هذه إلى أنها روتينية مستبعدين أن تكون سياسية، مشيرين إلى أن حسب طبيعة العمل عاداً العدلي يجب أن تكون مسالة روتينة تحكمها اعتبارات طبيعة العمل وضرورته في المناطق النائية ومناطق الشدة بالولايات، كما أنه يجب أن يقسم بينهم هذه الأمر بعدالة تتسق مع طبيعة المهنة.
ثورة القضاء
منذ أن أعلن الرئيس المخلوع عمر البشير فرض حالة الطوارئ بالبلاد في فبراير الماضي وحل حكومته، شهدت المحاكم اضطراباً ملحوظاً خصوصاً التي أقيمت فيها محاكم الطوارئ، وتضاعف الاضطراب بتمدد التظاهرات الشعبية التي شارك فيها عدد كبير من القضاء بتسيير المواكب والوقفات الاحتجاجية ومشاركتهم في العصيان المدني، ففي مايو الماضي أعلن نادي القضاة السودانيين، في بيان له أن القضاء السوداني وعلى مر السنين ظل نصيراً للشعب عند المحن، حامياً لحقوقه ومدافعاً عنها دون أن يؤثر ذلك على حياديته واستقلاله، وأضاف: “فهو لا ينحاز إلى فريق دون آخر، ولكنه ينحاز إلى جانب الحق متمثلاً فيما تعبر عنه إرادة الشعب السوداني”.
رغم كل تلك الأحداث إلا أن الوضع عاد طبيعياً في قاعات المحاكم وانطلقت المحاكمات كما في السابق لكن ثمة إضراب أحدثته التنقلات الأخيرة.
الخرطوم: محمد أزهري
صحيفة السوداني