الحكومة المقبلة .. المُهددات المحتملة
بحلول هذا اليوم يكون شركاء التغيير الأساسيون قد بدأوا أولى الخطوات الفعلية في مشوار بناء مؤسسات الدولة المدنية التي تصون الحريات والحقوق والعدالة وتُرسي الحكم الديمقراطي الرشيد، وذلك بعد تخطي عقبات الخلاف حول الإعلان الدستوري، وتجاوز المطبات في طريق انتقال السلطة إلى المدنيين، وبهذه الخطوة يكون شريكا الاتفاق قد وضعا أولَ لبنةٍ في بناء الدولة المدنية، مما يستلزم بعد هذه الخطوة النظر في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعتري مسيرة تأسيس دولة القانون والحكم الرشيد..
أبرز التحديات:
وبغروب شمس هذا اليوم وبحسب ما هو معلن لإسدال الستار على مشهد تراجيدي شهدته الساحة السودانية خلال الفترة الماضية، سيجد شريكا الاتفاق أنفسهم أمام تحديات كبيرة أبرزها على الإطلاق الشروع الفوري في بناء مؤسسات وهياكل الحكم المدني، وهذه الخطوة لا تكتمل إلا بالتوافق على مجلس وزراء مدني من الكفاءات الوطنية بعد اختيار رئيس للحكومة يحظى بقبول قوى الحراك الثوري.
أما التحدي الثاني فهو كيفية التصدي للمهددات المحتملة التي تستهدف الحكومة المدنية وزعزعة استقرارها.. وأما الثالث فيتمثل في إيجاد أرضية ولغة مشتركتين لبناء الثقة بين الشريكين..
الباب البجيب الريح:
ثمة مؤشرات كثيرة ومعطيات موضوعية تعكس حقيقة واحدة لا جدال حولها، وهي أن غياب الأرضية المشتركة التي سبقت الإشارة إليها، أو ظهور أية خلافات تنشأ بين شريكي الاتفاق حول اختيار الحكومة الانتقالية ورئيسها، أو أي جنوح للمحاصصة السياسية، أو تنصل عمّا تم التوافق حوله من معايير لاختيار طاقم حكومة الكفاءات، سيشكل مدخلاً أساسياً لنجاح الثورة المضادة وتعزيز قدرات الدولة العميقة على إحداث شللٍ تامٍ في بنية الحكومة الانتقالية وزعزعة استقرارها، وعليه فإن أي تنازعٍ أو صراعٍ أو أي وجهٍ من أوجه التشاكس سيغُذي الثورة المضادة ويثير الفوضى ويقود للإنزلاق الأمني في ظل خصوم سياسيين ينتشرون في كل مفاصل الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والشرطية ومؤسساتها المالية والاقتصادية، ولديهم من الكتائب المسلحة ما قد يهدد الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي على نحو يفتح الباب لعودة النظام المخلوع تحت مبررات الانزلاق الأمني.
فرس الرهان:
وتأسيساً على النقطة أعلاه يمكن القول بأن تجنُب هذه التهديدات المحتملة سيكون بالرهان على وعي قوى الحراك الثوري بهذه المخاطر التي تكمن في نوايا ومخططات الثورة المضادة، هذا الوعي الثوري هو الذي سيقطع الطريق أمام تلك المخططات التي بدأت فعلياً بعد اعتقال قيادات ورموز المؤتمر الوطني على خلفية المحاولة الانقلابية الأخيرة، غير أن الوعي الثوري والإدراك لهذه المخاطر والمهددات المحتملة وحده لا يكفي، إذ لا بد من التعاون والتنسيق الكامل بين شركاء التغيير، وتجنُب المماحكات والتشاكس الذي ستقطف ثماره الثورة المضادة بدون أدنى شك.
إذن هناك خياران أمام شركاء التغيير: فإما أن يتركوا الباب موارباً أمام مخططات الدولة العميقة والانشغال بالخلافات الجانبية والمحاصصات والخصومة، أو أن يوصدوا هذا الباب وبحزم شديد وبدون أي تهاون، على فرضية أن التساهل والتهاون مع الثورة المضادة ومناهضي التغيير يعني السماح بإنزلاق البلاد نحو الهاوية.
الخطر الأكبر:
بعد الإشارة إلى النقاط الأساسية في ما يتصل بالتحدي الأول وهو كيفية الإسراع في تشكيل هياكل السلطة المدنية والتوافق على اختيار كفاءات لتولي الحكم، يلزمنا تسليط الضوء على التحدي الثاني المتمثل في كيفية التصدي للمهددات التي تستهدف الحكومة المدنية وزعزعة استقرارها.
التهديدات المحتملة:
من الراجح جداً عدم استكانة فلول النظام المخلوع للوضع الجديد والتغيير الذي بات يشكل خطراً كبيراً على مصالحهم وحياتهم وأمجادهم التي بنوها خلال ثلاثين عاماً في ظل نظام منحهم كل التسهيلات والرعاية والحماية الكاملة من أية محاسبة أو ملاحقات جنائية، لذلك فإن كل المعطيات وقرائن الأحوال تشير إلى أنهم سيكونون أكثر حماساً لعودة النظام المخلوع بصورة أو بأخرى، وهتافهم: (عائد عائد يا البشير) هو ما يكشف عن هذه الرغبة الجامحة التي تلامس (أشواقهم)..
وعليه يمكن الإشارة إلى أن كثيراً من التوقعات تشير إلى تحركات محتملة تنشط فيها فلول النظام المخلوع خلال الأيام المقبلة بتنفيذ مخططات من شأنها زعزعة الاستقرار بهدف الإفلات من المحاكمات والقصاص من جرائم مضى عليها وقتاً طويلاً.
خيارات الثورة المضادة:
محاولات الانقلابات العسكرية والتغيير بالقوة لن تكون من الخيارات المتاحة أمام فلول النظام بأي حال من الأحوال، وذلك لأن كل الظروف الآن ضد هذا التوجه، لكن من الراجح أن يمضوا باتجاه تشكيل تحالفات سرية وعلنية وواجهات سياسية تعمل على استهداف الحكومة الانتقالية وإفشالها وزعزعة استقرارها السياسي والاقتصادي والأمني، لأن الاستقرار الشامل للحكومة الانتقالية يعني إنشاء مؤسسات الدولة المدنية وسيادة حكم القانون ونظام قضائي حُر يُسمح بمحاكمة رموز النظام وكوادره المتهمة بجرائم جنائية ومالية واقتصادية خلال الثلاثين عاماً الماضية.
أسلحة الحرب:
وبناءً على ما سبق سيكون متاحاً أمام منظومة الدولة العميقة وفلول النظام المُباد استخدام أنواع كثيرة من الأسلحة أبرزها على الإطلاق الأسلحة الاقتصادية، بحسبان أنهم مازالوا يتحكمون في مقابض المال والمؤسسات الاقتصادية والمالية والبورصات والمضاربات واحتكار السلع..
ومن الأسلحة التي سيلجأون إليها بجانب الأسلحة الاقتصادية، سلاح (الشائعات) ولهم في هذا المضمار باع طويل وقدرات فائقة.
ومن الأسلحة السياسية التي يتوقع ان يلجأوا إليها أيضاً تحريك المظاهرات عبر السماسرة المتخصصين وهذا بحر لا يجيد السباحة فيه إلا (هم)، ومن المتوقع أن ينشطوا أيضاً في اتجاه تكوين واجهات وكيانات سياسية ظَهَرَ بعضها للعلن على أنها جزء من الحراك الثوري، وذلك لإثارة البلبلة والخلاف والمحاصصات لإضعاف قوى الحراك الثوري.
على اية حال هذه محاولة لتسليط الضوء على التحركات المحتملة من جانب مناهضي التغيير والأسلحة المتوقع استخدامها لخنق حكومة الكفاءات المقبلة.
تحليل: أحمد يوسف التاي
الخرطوم (صحيفة الإنتباهة)