أول مرشح رئاسة عربي مثلي .. دوافع الترشح وفرص النجاح
في تونس لم يتجرأ منير بعتور فقط على الإفصاح عن مثليته، بل أيضا على الإعلان عن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية! خطوة مثيرة لجدل ساخن يتوقع رفضها من قبل حزب النهضة، لكن السؤال هو ما مدى تقبل الشارع التونسي لها؟
بالرغم مما تتعرض له المثلية الجنسية من رفض في المجتمعات العربية يصل إلى حد إنزال العقاب على “المتهمين بها” وفقا لنصوص القانون، لم يمنع هذا المحامي التونسي منير بعتور ليس فقط من الإفصاح علنا عن مثليته الجنسية ما تسبب في سجنه، بل والإعلان عن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس والمقرر عقدها شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم 2019.
دوافع الترشح
أعلن بعتور في الثاني من الشهر الجاري يوليو/ تموز 2019، عبر حساباته على موقعي تويتر وفيسبوك، عن توقيعه تصريح المكاسب والمصالح (إقرار الذمة المالي) بمقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، كأول خطوة نحو الترشح رسميا للانتخابات الرئاسية التونسية.
في حوار مع DW عربية، يرى منير بعتور أن ما تحقق في مجال الحقوق والحريات في تونس مازال يشوبه الكثير، ولهذا اعتبر أن “معاناة الأقليات في تونس من الاضطهاد والتمييز” الدافع وراء إعلانه الترشح للرئاسة ويقول: “من خلال الاطلاع على الساحة السياسية التونسية تبين أن ما أطالب به في مجال نضال الجمعيات والمجتمع المدني لم يتبناه أي مرشح أخر، وخاصة مسألة الحريات الفردية والمساواة بين الرجل والمرأة، فأردت أن تأخذ هذه المسائل حيزا أكبر في النقاش الذي سيقع أثناء الحملات الانتخابية”.
وبالرغم من أن حظوظ بعتور للفوز ربما لا تكون بقوة تمسكه بالترشح في الانتخابات، فإن هذه الخطوة في حد ذاتها تفتح الباب لمناقشة وضع وحقوق المثليين، وربما غيرهم من الأقليات، ليس في تونس فقط بل وفي العالم العربي أيضا.
وتتساءل سكينة عبد الصمد، الكاتبة العامة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، في حوار مع DW عربية، عما إذا كان ترشح بعتور للانتخابات يؤكد على كون المجتمع التونسي أكثر انفتاحا مقارنة بغيره من المجتمعات العربية أم أنه فقط يساهم في “إبراز عدم قلق المرشح على المستوى الشخصي من المشاركة والإعلان عنها”. في الحالتين تؤكد الكاتبة التونسية على أن مشاركة بعتور يمكن أن تحقق نتيجة أخرى، حيث تقول: “ربما يساعد ترشحه في التأكيد على مسألة تمتع المثليين جنسيا بالحريات والحقوق مثل أي شخص أخر في تونس، وربما يؤدي ترشحه لمزيد من التقبل لهذه الفئة في المجتمع وغيرها من الأقليات على أساس العقيدة أو الجنس أو العرق، ورفض كل ما يتسبب في أي إقصاء وتمييز”.
هل يقبل التونسيون؟
صدر مؤخرا حكما قضائيا لصالح جمعية شمس للدفاع عن حقوق المثليين بالمغرب العربي، التي أسسها ويرأس إدارتها المحامي منير بعتور، في قضية رفعها المكلف العام التونسي بنزاعات الدولة حيث كان قد تقدم بطلب قضائي لوقف نشاط الجمعية بدعوى “التشجيع على تبني مواقف المثليين الجنسية واتباع أهوائهم وتعارض عملها مع القيم الإسلامية والقوانين”. وينص القانون التونسي على تجريم “العلاقات الجنسية المثلية بالتراضي” وعقاب مرتكبيها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.
المرشح الرئاسي، البالغ من العمر 48 عاما تعرض للحبس ثلاثة أشهر في عام 2013 بسبب تلك المادة من القانون، وهو يسعى لمناقشتها صراحة في المجتمع حيث يقول: “أطالب بإلغاء المادة 230 من القانون الجنائي التونسي، وهذا امر أصرح به علنا ومن واجب كل المرشحين أن يبدو موقفا من هذا الامر، وللشعب التونسي أن يختار إن كان يريد تجريم المثليين ووضعهم في السجن أو إن كان يريد الغاء هذه المادة من القانون”.
وترى الكاتبة العامة في النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين سكينة عبد الصمد أنه بالرغم من كون المجتمع التونسي أكثر انفتاحا مقارنة بمجتمعات أخرى، فمازال هناك ما تصفه بـ “تخوفات ونوع من عدم الترحيب” بالمثليين جنسيا، إلا أنها ترى أن اعتراض البعض على ترشح المحامي منير بعتور لن يكون بسبب “كونه مثلي أم لا” حيث تقول: “اتصور أن التونسيين لن يعترضوا على هذا النوع من الترشحات إن كان يحقق خدمة للبلاد، ولكن المشكلة هي أنه غير معروف على الساحة السياسية ومعروف للغالبية على أساس خلفية متعلقة بالحريات فقط، وهو الأمر الذي قد يتسبب له في إشكال”.
راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الإسلامي: نعم للحلول الوسط، لكن المثلية لا يمكن قبولها كونها تخالف أحكام الشريعة
ويرد بعتور على الحديث بشأن ضعف خبرته في العمل السياسي مقارنة بالعمل الحقوقي بقيامه بتأسيس الحزب الليبرالي التونسي عام 2011 موضحا: “برنامجي الانتخابي ليس حقوقي فقط، خاصة وأن تونس تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، فنحن كحزب ليبرالي لدينا مقترحات اقتصادية ليبرالية حيث نرى أن الدولة دورها الأساسي يتمثل في التعليم والصحة والأمن والدفاع، أما ما دون ذلك فيدخل في نطاق المجال التنافسي بالقطاع الخاص”.
رفض متوقع من الإسلاميين
وفي دولة للتيار الإسلامي، ممثل بالتحديد في حزب النهضة الإسلامي، حضور قوي فيها سواء في الشارع أو داخل البرلمان، تتوقع الكاتبة التونسية سكينة عبد الصمد أن يرفض هذا التيار ترشح المحامي منير بعتور في الانتخابات الرئاسية.
في عام 2017، أمر الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بتكوين لجنة تتولى مسؤولية وضع تصورات متعلقة بالمساواة والحريات الفردية وفقا للدستور التونسي الصادر عام 2014 ولمعايير حقوق الإنسان، لتنتهي بإصدار تقرير رفضته حركة النهضة الإسلامية.
وتفرق الكاتبة التونسية هنا بين شكلين من الرفض حيث تقول: “سيرفض الإسلاميون الأكثر تشددا الأمر بشكل واضح وأكثر شراسة، بينما سيقوم الأقل تشددا بالرفض بصياغة أقل حدة، وستستخدم المجموعتان الشريعة الإسلامية للحديث عن تحريم المثلية الجنسية”. وتضيف: “لن يكون للمرشح الكثير من الحظ، ولهذا سيقتصر ما سيحققه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية على الاهتمام الإعلامي وليس أكثر”.
أما المرشح الرئاسي منير بعتور نفسه، فيؤكد على تمسكه بالترشح بالرغم من كل شئ قائلا: “أي شخص على وشك الدخول في معركة انتخابية يجب عليه أن يقبل المخاطر والنقد، فأنا ما زلت متمسكا بترشحي وسأدافع عن أرائي حتى النهاية”.
dw