تحقيقات وتقارير

تحديات اقتصادية تواجه الحكومة القادمة في السودان


تحديات اقتصادية عديدة تواجه الحكومة المدنية التي تتولى للفترة الانتقالية، إختلالات اقتصادية كبيرة تنتظر الحلول العاجلة من الاقتصاديين بالحكومة القادمة لتدارك إنهيار الاقتصاد السوداني الذي لم يتعاف بعد صدمة انفصال جنوب السودان الذي أفقده ثلاثة أرباع إنتاج النفط، ونصف إيرادات المالية العامة، وثلثي قدرته على سداد المدفوعات الدولية.

وبرغم المحاولات العديدة بتنفيذ سياسات لمعالجة الاختلالات الناتجة عن ذلك، لا يزال التضخم مرتفعا والنمو بطيئا، وقد تعقد التصحيح الاقتصادي الكلي بسبب أوجه الضعف الهيكلي، وأعباء الدين الثقيلة، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ، والعوامل السياسية المحلية والإقليمية المتقلبة. كل ذلك أدى إلى احجام المستثمرين والمقرضين الأجانب امام توفر دلائل تشير إلى سوء إدارة الموارد الغنية للبلاد، كما اثقل الاقتصاد السوداني بالعديد من الآفات المصحوبة بسيطرة النظام السابق على إدارة موارد الدولة في ظل انعدام للشفافية وتفشي الفساد وتدخل حكومي في الاقتصاد والمشاركة التجارية عبر الشركات الحكومية المملوكة للمسؤولين الحكوميين وحلفائهم.

كان لابد أن نضع كل هذه التحديات على طاولة الخبراء الاقتصاديين المهتمين بتعافي الاقتصاد السوداني ليلحق بركب الاقتصادات الإقليمية المزدهرة بتقديم حلول وروشتة تساهم في علاج الاقتصاد السوداني المتعثر حاليا .

البروفيسور معتصم أحمد عبد المولى الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة الجزيرة قال أن تحقيق تنمية متوازنة ومقابلة التحديات الاقتصادية يتطلب أولا تحقيق السلام الشامل في جميع أجزاء البلاد، وإعادة تعمير المناطق التي دمرتها الحروب والنزاعات، مشيرا إلى ضرورة توزيع العائدات الاستثمارية بشكل عادل بين ولايات السودان، وإعادة هيكلة الاقتصاد بحيث يتم التركيز على زيادة الإنتاج والإنتاجية.

وأشار إلى أهمية إعادة تأهيل المشاريع الزراعية ومشروعات التنمية الريفية بالبلاد حتى تكون هنالك هجرة عكسية من المدن الكبرى للأرياف وإقامة مشروعات الخدمات الاجتماعية (التعليمية، الصحية، المياه، الكهرباء، …) بما يتناسب وحجم السكان في كل ولاية.

ودعا عبد المولى إلى توزيع الأطر الطبية والصحية والتعليمية وتلك التي تعمل في مجالات الخدمات الأخرى بشكل عادل بين ولايات السودان، وتحفيزهم للعمل في الولايات خارج العاصمة، مع عدم تركيز سياسات وبرامج الدعم الاجتماعي في المدن الكبرى فقط، وإنما تعميمها على كل المناطق.

وأضاف بضرورة ضبط الوجود الأجنبي بالبلاد، وعدم تمكين الأجانب من الاستفادة من الدعم المقدم للمواطن السوداني لافتا إلى أن محاربة الفساد بكل أنواعه يعد عامل أساسي لتحقيق النمو والتنمية المتوازنة.

الدكتور إبراهيم أحمد البدوى عبد الساتر الخبير الاقتصادي أكد أن إعادة هيكلة الموازنة ومأسسة السياسة المالية؛ يعتبر أهم استحقاق فى إطار تثبيت الاقتصاد الكلى ودعم القطاعات الإنتاجية بتخفيض العجز فى الموازنة واعادة هيكلتها، الأمر الذى يتطلب ارادة سياسية قوية وطاقما اقتصاديا مؤهلا ، بالإضافة إلى دعم مجتمع التنمية الدولى والاقليمى، مشيرا إلى أهمية تخفيض الصرف على القطاعين السيادى والأمنى، حيث يستحوذ هذا البند على أكثر من 60% من الموازنة، وترشيق الحكم الولائى وصولاً الى حكم اتحادى ذو جدوى مالية وذلك بالنظر فى إمكانية العودة للولايات التاريخية الكبرى: الشمالية، كسلا، الأوسط، كردفان، دارفور، الخرطوم .

ودعا البدوي إلى ترشيد الدعم السلعى وحصره فى الدعم النقدى المباشر ودعم الغذاء، عوضاً عن دعم المحروقات غير الفعال و زيادة الجهد المالى وإستهداف رفع إيرادات الموازنة العامة بزيادة التحصيل الضريبى على أرباح الأعمال والعقارات وغيرها من الضرائب المباشرة وإلغاء الإعفاءات.

وأشار إلى ضرورة أن تكون الولاية الحصرية لوزارة المالية والإقتصاد الوطنى على المال العام، من حيث التعبئة والتخصيص والمتابعة، وعدم السماح بتجنيب الموارد العامة من أى وزارة أو مؤسسة خارج الموازنة العامة، و تخصيص الموارد الناتجة عن هذه الإجراءات لزيادة موازنات التعليم والصحة والمياه وإصلاح وتطوير البنيات التحتية للانتاج والخدمات.

وأكد البدوي ضرورة إعادة تأهيل البنك المركزى من حيث القدرات العملية والبحثية، بالاضافة الى المتابعة والاشراف على القطاع المصرفى، لافتا إلى أن هذا البرنامج يتطلب دعماً لميزان المدفوعات من صندوق النقد الدولى فى إطار برنامج وطني للتثبيت والإصلاح الهيكلى، يمكن البنك المركزى من تحقيق السيطرة على التضخم و تبنى أنظمة سعر صرف مدار مرنة تدعم تنافسية الصادرات السودانية فى الأسواق الخارجية، وإعادة تأهيل القطاع المصرفى ورسملته لاستعادة ثقة الجمهور مما يمكّنه من الاضطلاع بمهمام الوساطة المالية اللازمة لتمويل العمليات الاقتصادية.

سليمان عبد الكريم جدو الخبير الإستراتيجي بدرء النزاعات وأستاذ الإدارة بجامعة انديانا قال إن تعافي الاقتصاد في السودان والنهوض به نحو تحقيق النمو أمر لا يمكن تصوره بدون تبني الحكومة لإصلاحات للاقتصاد الكلي والتي تتطلب إعادة هيكلة الموازنة والسياسة المالية في البلاد لدعم القطاعات الإنتاجية التي ترتبط بالإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي وتطوير العنصر البشري مضيفا بأن هناك خمسة مليون نازح يعيشوا بمعسكرات النزوح كلهم مزارعين ورعاة وخرجوا من دائرة الإنتاج وتأثير ذلك في الإنتاج القومي للبلاد، بالإضافة إلى إتباع سياسات خارجية متزنة مشيرا إلى ضرورة أن تكون لوزارة المالية التحكم في كافة الإيرادات وتحديد أوجه الصرف بشفافية وترشيد الصرف الحكومي ومحاربة الفساد، وخفض معدلات التضخم وتدني سعر الصرف وإعادة تأهيل القطاع المصرفي واستعادة ثقة الجمهور.

وعن تحديات التي تواجه إيقاف التمويل والقروض الخارجية أكد اهتزاز الثقة بين مؤسسات التمويل الدولية والدولة مما أضاع فرص كبيرة على السودان لارتباطه بسياسات الدولة، ولابد من وضع برنامج إسعافي اقتصادي لزيادة الصادر بمواصفات عالمية لتنافس في الأسواق العالمية لافتا إلى أهمية تجاوز القروض والمنح الخارجية و الاعتماد على الموارد الاقتصادية للتحرر اقتصاديا والذي لا يتم إلا بإدراك أهمية تطوير العنصر البشري بالتعليم وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية للمشاركة في النمو الكلي .

وأكد سليمان إن إدراج السودان ضمن الدول الراعية للارهاب يرجع للسياسات الخاطئة للحكومات السابقة وعدم الربط بين السياسة الخارجية والاقتصاد السياسي للبلاد مشيرا لقدرة الحكومة المدنية لإدارة هذا الملف بحكمة لوجود كفاءات مرشحة لوزارة الخارجية تمثل أفضل الخيارات التي تتفهم صنع القرار بالسياسة الخارجية الأمريكية، لافتا إلى أن فهم الدول للسياسة الخارجية تختلف من فهم القيادات في السودان لربطهم لها بالأوضاع الداخلية مضيفا بضرورة معرفة كيفية صنع القرار في الدول الغربية لتكوين تحالفات سياسية واقتصادية تدعم الوضع في البلاد.

وارجع سليمان مشكلة شح السيولة النقدية إلى فقدان الثقة بين المصارف والعملاء مما دفع لعزوف العملاء عن إيداع اموالهم بالمصارف مضيفا بالحركة النشطة للأسواق إلا أن الأموال لا تجد طريقها إلى المصارف وتأثير ذلك بالتالي على الإنتاج الكمي والنوعي مرجع ذلك لسياسات الحكومة السابقة بطبع الأوراق النقدية مما أدى إلى عجز الموازنة دون أن يقابله إنتاج ودفع لفقد الثقة في المصارف مطالبا الحكومة المدنية بضرورة وضع سياسات مصرفية مبنية على القانون لتحقيق المساواة وإعادة الثقة المفقودة وأن تباشر المصارف في تمويل الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي وتسهيل إجراءات الصادر والشفافية في الصرف على الإنتاج والصادر .

تقرير// أمل عبد الحميد

الخرطوم-16-8-2019(سونا)