حوارات ولقاءات

جبريل إبراهيم: البعض يتعامل مع الثورة على طريقة “الفول فولي زرعته وحدي و سأحصده وحدي”


رئيس حركة العدل والمساواة ونائب رئيس الجبهة الثورية في حوار مع (التيار):

جبريل إبراهيم: البعض يتعامل مع الثورة على طريقة “الفول فولي زرعته وحدي و سأحصده وحدي”
++++
سيكتشف الشعب قريباً أن شعار “الكفاءة” و”التكنوقراط” رفعا بغرض التعمية
++++
المخرج أن يعي “المركز” أن “الهامش” يرفض اتخاذ القرارات نيابة عنه
++++
حاورته: شمائل النور

يتخوف رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم من أن تعيد طريقة إدارة “قحت” للثورة تجربة جبهة الهيئات التي وصفها بـ “الفاشلة”، وفي اعتقاده أن لجنة ذات تمثيل محدود “التنسيقية” تتسبب في هذا المصير، جبريل إبراهيم الذي يشغل منصب نائب رئيس الجبهة الثورية يرى أن المخرج من هذا المشهد المعقد في أن تكون للثورة مركزاً لاتحاذ القرار لا يعزل أو يقصى منه ممن شارك في الثورة أحد و أن يعي أهل المركز أن الهامش يرفض أن يستمر المركز في اتخاذ القرارات نيابة عنه، و أن يكون وصيّاً على من يمثلون الهامش في هذا الحوار يشرح جبريل بالتفصيل طبيعة الخلاف بين الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير ويتحدث عن مبادرة جوبا، مستقبل الحكومة الانتقالية ومستقبل البلاد ككل.

دعنا نبدأ من مبادرة جوبا التي جاءت بعد فشل مبادرة القاهرة، ماذا حملت لكم جوبا؟
أولاً بلغتنا الدعوة إلى جوبا قبل أن ينعقد لقاء القاهرة. و بالتالي ليست هنالك مبادرة ضرار. ثم بحكم علاقة الشعب الواحد الذي فصلت بينه حدود سياسية دون أن يؤدي ذلك إلى فصل وجداني، كان من الطبيعي أن تكون دولة جنوب السودان مشغولة بأمر السلام في السودان الأم، لأن سلام أي منهما دالة في سلام الأخرى. تأسيساً على ذلك، و ربما كنتيجة للمحادثات التي دارت بين رئيس المجلس العسكري الانتقالي و نائبه مع السلطات في جوبا، فقد رأى الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس جمهورية جنوب السودان دعوة الجبهة الثورية و بقية الحركات المسلحة إلى جوبا للتفاكر حول آفاق السلام الشامل في السودان.

وماذا حملت مبادرة سلفاكير؟

لم تكشف دولة الجنوب بعد عن مبادرة مكتملة الأركان. و ربما تنتظر وصول كافة المدعوين للإفصاح عن ذلك. و لكن كل المؤشرات تقول أن الرئيس سلفا كير ميارديت يسعى إلى توحيد الجبهة الثورية و بقية الحركات المسلحة، توطئة لإعانتها على الدخول في سلام عادل و شامل.

بعد جوبا. هل تلقيتم اتصالات من دولة أخرى؟
لا أزال في جوبا انتظر وصول رفاقي، و لم تبلغني دعوة محددة من أية جهة. و لكن هذا لا ينفي أن أكثر من دولة في الجوار و في الخليج تسعى للعب دور في تحقيق السلام في السودان.

على ذكر الخليج، جلستم مع دولة الإمارات، وهي معروفة بموقفها ضد الإسلاميين، وأنتم حركة ذات خلفية إسلامية، هل هذا طبيعي؟
في حركة العدل و المساواة السودانية شخصيات من خلفية إسلامية، كما فيها شخصيات من خلفيات أخرى. و لكن ليس للحركة خلفية إسلامية. و إنما يتلخص مشروعها في إعمار أرض السودان على أساس من حسن إدارة التنوع و العدل بين قاطنيه قاطبة. و تكن الحركة كل الاحترام لكافة الدول، و في مقدمتها الدول الأفريقية و العربية و الإسلامية التي تربطها بأهل السودان وشائج متعددة. و ترحب الحركة بكل من يسعى لمساعدة أهل السودان لتحقيق السلام و الاستقرار شريطة ألا يتدخّل في شأننا و قرارنا السيادي. أخيراً؛ ليس بين الحركة و بين دولة الإمارات العربية المتحدة عداء، و لا تسعى في أن تكون طرفاً في الخلاف الناشب بين الأشقاء في الخليج، و الذي لا نشك في أنه إلى زوال قريباً بإذن الله.

بعد إعلان التوقيع النهائي وإعلان مجلس السيادة ورئيس الوزراء دون مشاركتكم، هل يمكن القول أن الجبهة الثورية الآن في مقعد المتفرجين؟
لم تكن الجبهة الثورية يوماً في مقاعد المتفرجين، و لن تكون. ستعمل الجبهة الثورية على استرداد الثورة من مختطفيها، و تسعى لتقويم الإعوجاج الذي أدخل في مسارها، و لبيان السطو الذي حدث لثورة الشعب حتى يقوم بما يليه و يسترد ملكيته لها.

تكاثف الحديث حول “اختطاف الثورة” ويدور هذا الحديث بشكل أوسع بين الحلفاء أنفسهم، وصار الأمر ملتبساً بالنسبة للرأي العام. من هم مختطفو الثورة؟ وكيف تم هذا الاختطاف؟
اختطف الثورة الذين رموا الآخرين بالمحاصصة بغير وجه حق، و ظهروا في انتماءات مرشحيهم للمجلس السيادي حتى قبل أن ينجلي الغبار الكثيف الذي أثاروه للتعمية على ما ينتوون من محاصصة و إقصاء.

طبيعة الخلاف بينكم وحلفائكم في الحرية والتغيير غير مفهومة للكثيرين، هذا يتحدث عن محاصصة وذاكيتحدث عن ابتزاز لكسب المناصب باسم الهامش، ما حقيقة الخلاف؟

الخلاف بيننا و بين شركائنا في قوى الحرية و التغيير يعود إلى بداية الحراك الشعبي في ديسمبر 2018 و قبل سقوط الطاغية في الحادي عشر من إبريل 2019، و يرجع ذلك إلى اختطاف لجنة ذات تمثيل محدود، أسمت نفسها “التنسيقية”، قرار قوى الحرية و التغيير، و صارت تتخذ كل القرارات المصيرية دون الرجوع إلى قيادات الكتل المكونة لقوى الحرية و التغيير. و ترتب على ذلك تغييب الجبهة الثورية السودانية عن وفد المفاوضات و عن لجان العلاقات الخارجية و الترشيحات لفترة طويلة حتى استرابت الجبهة من نوايا التنسيقية التي تتخذها اللجان الأخرى مرجعاً لها و أصدرت أكثر من بيان تحتج به على طريقة إدارة شأن قوى الحرية و التغيير.

لكن التقيتم في أديس أباب واتفقتم؟
عندما تأزّمت العلاقة بهذا السبب، أرسلت الكتل المكونة لقوى الحرية و التغيير مناديب لها إلى أديس أبابا للجلوس إلى الجبهة الثورية، و البحث معها في سبل إنهاء الخلاف. و عندما تم تحرير المشكل و حصره في أمرين: غياب مركز اتخاذ القرار و تجاوز رؤية الجبهة في كيفية تحقيق السلام الشامل. و عندما شرعنا في معالجة هذين الإشكالين، عمد أطراف في قوى الحرية و التغيير إلى توقيع الاتفاق السياسي بالأحرف الأولى دون اكتراث لما يجري من مشاورات في أديس أبابا، و دون تكبّد مشاق إخطار الأطراف هناك بنية التوقيع على الاتفاق، مما أثار حفيظة قادة الجبهة، و أكدت شكوكهم في أن هناك أطرافاً في قوى الحرية و التغيير تسعى مع سبق الإصرار إلى تجاوز الجبهة و تجاهل كونها طرفاً أصيلاً و مؤسساً لقوى إعلان الحرية و التغيير.

وماذا حدث بعد ذلك؟
لتجاوز الخلاف، قدّمت الجبهة وثيقة السلام المبثوثة في وسائل التواصل الاجتماعي و الإعلام. و بعد نقاش مستفيض، تم التوافق على إدراجها كباب مستقل في الاتفاق السياسي و في الوثيقة الدستورية. و أمّن على ذلك الوسيطان الأفريقي و الإثيوبي. و عندما صار الأمر إلى التوقيع على الوثيقة الدستورية بالأحرف الأولى، تبين لنا أن أجزاء مهمة من الباب الأول من وثيقة السلام لم تضمّن في الوثيقة الدستورية، أو أدرجت فيها بطريقة شوهاء لا تفي بالغرض، مما يعد نكوصاً على العهد الذي أبرم في أديس أبابا. و كان في مقدور الجبهة الثورية تحمّل كل الذي حدث في حق السلام لولا المادة 69 من الوثيقة الدستورية التي جعلت من أحكام هذه الوثيقة حاكمة لأي اتفاق سلام قادم، و جعلها مرجعاً يحدد سقف المفاوضات و يحرّم على أطراف التفاوض الخروج عليها. خلاصة القول، أن خلافنا مع شركائنا في بقية قوى الحرية و التغيير،ينحصر في عدم تضمين وثيقة السلام في الوثيقة الدستورية و الاتفاق السياسي بالكيفية التي تم الاتفاق عليها في أديس أبابا، و في إدخال ما أدرج منها بصورة تحول دون إجراء المفاوضات في المستقبل دون شروط مسبقة.

إذاً ليس الخلاف بينكم في “المحاصصة”؟

لا علاقة للخلاف في الأساس بالمحاصصة و الوظائف، و إن كان من ساع للمحاصصة و احتكار السلطة في الفترة الانتقالية، فهم أطراف قوى الحرية و التغيير التي تقتسم كعكة السلطة فيما بينها الآن، و سيكتشف الشعب عمّا قريب أن شعار “الكفاءة” و”التكنوكراط” قد رفعا بغرض التعمية، و احتكار السلطة و إقصاء الآخرين.

ذكرت أن أطرافاً تسعى بإصرار لتجاوز الجبهة الثورية كما سميتها، من هي هذه الأطراف؟
الذين يسعون بإصرار لتجاوز الجبهة الثورية هم الذين يظنون أن الثورة ثورتهم، و عليهم أن يجنوا ثمارها لأنفسهم، على طريقة “الفول فولي زرعته وحدي و سأحصده وحدي”. هؤلاء يريدون احتكار السلطة في الفترة الانتقالية لتجييرها لمصالحهم الحزبية و مشروعاتهم الخاصة، و يرفضون أن يشاركهم فيها أحد.

أشرت إلى أن جسماً يسمى “التنسيقية” يتخذ القرارات المصيرية، من هم بداخل التنسيقية وكيف تم اختيارهم ولماذا حازوا على تقرير مصير البلاد؟
حسب علمي المتواضع، تكونت التنسيقية في الأسبوع الأول من شهر يناير 2019 من ممثلين إثنين من كل كتلة من الكتل المكونة لقوى الحرية و التغيير. و “تصادف” أن يكون أغلب الذين في هذه اللجنة من فئة عمرية تزاملت في الجامعات، و لها خلفيات فكرية متقاربة. لسوء الطالع، التنسيقية في طريقها إلى تكرار تجربة جبهة الهيئات الفاشلة، و كأننا أهل البربون لم نتعلم شيئاً و لم ننس شيئاً.

إلى أي مدى تعتقد أن الدور الخارجي فاعل في المشهد السوداني أكثر من الدور الوطني؟
لآ أشك في وجود دور كبير للعامل الخارجي في ما يجري على الساحة السودانية، و أن أيادٍ أجنبية تعبث بمصير البلد. و لكني على يقين بأن الدور الوطني هو الأكبر، و أن العامل الخارجي يعتمد على حاضنة وطنية لتمرير أجنداته. و بالتالي علينا تفتيش صفوفنا و تعرية الذين ينفذون الأجندات الخارجية بعلم أو بغير علم.

الآن نحن على مشارف إعلان حكومة جديدة بقيادة عبد الله حمدوك الذي أعلنت دعمك له بشكل شخصي، كيف تنظر للحكومة المقبلة؟
أرى أنها ستكون حكومة محاصصة بين مكونات معينة من قوى الحرية و التغيير. و سيعارضها أطراف من قوى الحرية و التغيير نفسها، بجانب معارضة الدولة العميقة التي ستقاوم التفكيك بكل ما يتيسر لها من وسائل.كما سيعارضها بقية القوى السياسية التي تعمل قوى الحرية و التغيير على إقصائها من مؤسسات الحكم الانتقالي. هذا بجانب تحديات إدارة حكومة أحزاب متشاكسة، و تحدي تحقيق السلام الشامل و معالجة آثار الحرب، و حل معضلة الاقتصاد المنهار، و إعادة السودان ليتبوأ مكانه في نادي الأمم الراشدة.

هذا الوضع بحسب وجهة نظرك لا يقود إلى استقرار، برأيك ما المخرج؟
أخشى ألا تؤدي إدارة التنسيقية للشأن الوطني إلى استقرار، لأن الشعب الذي وقف بقوة مع الثورة، و آمن بالشعارات المرفوعة، سيكتشف عمّا قليل أن قياداته لم تكن صادقة، و أنها استخدمت إخلاص الشعب و تضحياته الجسيمة لتحقيق مآرب حزبية و تنظيمية ضيقة، فيثور على التنسيقية و أحزابها و الحكومة التي يسعون لتكوينها. المخرج في أن تكون للثورة مركزاً لاتحاذ القرار لا يعزل أو يقصى منه ممن شارك في الثورة أحد. المخرج في أن يخرج الناس من ضيق الحزبية إلى سعة الوطن بترتيب إداري و سياسي جديد متوافق عليه، و أن يعي أهل المركز أن الهامش يرفض أن يستمر المركز في اتخاذ القرارات نيابة عنه، و أن يكون وصيّاً على من يمثلون الهامش.

حاورته: شمائل النور
التيار