رأي ومقالات

الهندي عزالدين: وبدأ المران الديمقراطي ..


1- بدأ المران الديمقراطي ، وانطلقت أعمال حكومة قوى الحرية والتغيير ، ودشن حزب المؤتمر الوطني بشكله ورؤيته التصحيحية الجديدة نشاطه الإعلامي بأول مقابلة لرئيسه الجديد، وزير الخارجية الأسبق البروفيسور “إبراهيم غندور” ، وظهرت وزيرة الخارجية في حكومة (قحت) السيدة “أسماء محمد عبدالله” لأول أمرة وهي تتلمس طريقها نحو الدبلوماسية بعد طول انقطاع امتد ثلاثين عاماً ، من خلال مقابلة على شاشة قناة (الجزيرة) وتصريحات مشتركة مع وزير الخارجية المصري السيد “سامح شكري” .
احتفظ برأيي حول مقابلة السيدة الوزيرة وتصريحاتها مع ضيف البلاد الكبير ، إلى حين ، وأترك الفرصة – الآن – للآخرين من أنصار (قحت) الذين ملأوا الأسافير نقداً وحسرةً وسخريةً ، فقد تعودتُ أن أكون رقيقاً ورفيقاً مع القوارير، بكافة أعمارها وسعاتها .. ولا أزيد .

2

وقفت “مصر” مع ثورة ديسمبر وساندتها بقوة وعزم ، كما آزرت المجلس العسكري الانتقالي مشجعةً له على العبور إلى محطة مجلس السيادة ، وبالأمس وصل وزير الخارجية المصري إلى الخرطوم كأول مسؤول أجنبي يزور البلاد لنقل تهنئة الرئيس “عبدالفتاح السيسي” لرئيس مجلس السيادة الفريق أول “عبدالفتاح البرهان” ورئيس مجلس الوزراء الدكتور “عبدالله حمدوك” على تشكيل حكومة الثورة ، وتأكيد دعم مصر المستمر لها .

أنا وغيري كُثر نعلم دعم مصر اللا محدود لملايين السودانيين الذين يزورون مصر كل عام ، كل شهر ، والذين يتملكون فيها آلاف الشقق ويقيمون فيها إقامةً دائمةً ، وينتشرون في أحياء “القاهرة” من “المهندسين” إلى “مصر الجديدة” و”مدينة نصر” ، ومن ” فيصل” و”عين شمس” و”أرض اللواء” إلى “أكتوبر” و”الرحاب” و”الشيخ زايد” !.

السودانيون في مصر يعيشون في بلدهم ، بلا نظام كُفلاء وملاحقات شرطة هجرة جوازات وهجرة ، ولا مذلة ، كما هو الحال في الكثير من المَهاجر .
الهندي عزالدين
المجهر


تعليق واحد

  1. إيزيس خليل
    الاثنين 4 فبراير 201905:28 م
    بعد محادثات طويلة اتفقنا على اللقاء في محطة “مترو السادات” حتى نذهب إلى المعادي لنشتري كل ما يلزمنا لعمل الراستا (جدائل الشعر الأفريقية). كانت الطرق مزدحمة، وصلت إلى محطة المترو على عجل، كنت قد أغلقت الهاتف معها للتوّ، قالت لي إنها تنتظرني على رصيف المحطة في اتجاه حلوان – موقف السيدات. لم أجدها وكأنها فص ملح وذاب. كنت أبحث عن “س”، فتاة سمراء، كل ما تحمله ذاكرتي البصرية عنها هي صورتها على فيسبوك.

    بعد لحظات وجدت شاباً يتجه نحوي وقد اختفت ملامحه خلف قبعة وجاكبت واسع. فور اقترابه الشديد مني، رفع عينيه نحوي، فوجدتها هي وقد أخفت كل ملامح جسدها ووجها خلف تلك الملابس! من الصعب جداً تحديد هويتها أثناء الحركة في الشارع. حاولت إخفاء دهشتي عنها ثم أخذنا طريقنا إلى المعادي. أثناء وجودنا في المترو فاجأتني بسؤال عن التوتر الذي ظهر على ملامح وجهي بسبب مظهرها وتخفّيها بهذا الشكل. أحببت استرسالها في هذه اللحظة، كانت تتحدث بخفة شديدة بصوت خافت. ذكرت لي كيف أن هذا المظهر هو الزيّ الرسمي لتحركها في المواصلات! والسبب يرجع إلى ما تتعرض له من شتائم وانتهاكات وتحرّش دائم بسبب لون بشرتها الداكن ومظهر شعرها المجعد الأفرو الضخم. نظرة الرجال المنحطة لها كفتاة سمراء والعروض لممارسة الجنس مقابل المال بأشكال بذيئة كثيرة، هي أسباب جعلتها تختار التخفي كي تسير بحرية في شوارع القاهرة مرتديةً ما تحبّ.

    كنت في حالة ذهول، لم أعرف أن الأمر وصل إلى هذا الحدّ في مصر! كفتاة مصرية تعرضت على مدار حياتي لما تتعرض له كل الفتيات في الشوارع من تحرّش جسدي أو انتهاكات وعروض لممارسة الجنس، ولكن لم يكن لدي معلومات كافية عمّا يتعرضن له الفتيات السودانيات من إهانة في مصر غير معلومات بسيطة. “س” هي فتاة سودانية تعمل بمجال الموسيقى (دي جي)، تلعب الموسيقى الإثنية والهيب هوب، تتقن عمل الراستا (جدائل الشعر الأفريقية) وبعض الأعمال اليدوية الخاصة بالتراث السوداني، غادرت السودان هاربة إلى مصر من هول ما تعرضت له من اضطهاد في بلدها بسبب كونها أنثى مثلها مثل نسوة السودان كلهن. تم القبض عليها من قبل السلطات في السودان عام 2012 بسبب ارتدائها بنطالاً، تعرّضت للحبس والجلد ثم تم الإفراج عنها. هكذا روّت قصتها ببساطة وهي تضفر لي شعري، وبرغم قسوة القصة وعنف التفاصيل توقفتُ بالذات عند نبرتها غير المبالية الحزينة وهي تخبرني أن غالبية الفتيات السودانيات يتعرضن للجلد عند القبض عليهن، وأن هذا أمر معتاد.

    رغم تطوّر الوضع خاصة منذ عام 2009 عندما تعرضت إحدى أهم الناشطات السودانيات وموظفة الأمم المتحدة، لبنى حسين، للمحاكمة ودفع غرامة بسبب ارتدائها بنطالاً، مما تسبب بانقلاب الرأي العام على مستوى العالم، برغم ذلك كله ما زال تطبيق مثل هذه المحاكمات الهزلية مستمراً، والتي لا تلتزم أي مسار للعدالة الحقيقية مستندة إلى قوانين النظام العام السوداني التي صدرت للمرة الأولى عند وصول الجبهة القومية الإسلامية إلى الحكم في انقلاب يونيو 1989، والتي تتضمن عدة مواد تتعلق بالزي العام والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين مما يجعل الدولة رقيباً على سلوكياتهن بشكل فيه تعمد لامتهان كرامتهن. هذا الوضع بالفعل يخالف مبادئ الحرية التي ينص عليها الدستور السوداني لعام 2005 وتعديلاته، والأهم هو الاضطهاد والتمييز السلبي المباشر ضد المرأة وضد الطبقات المستضعفة في المجتمع. فتطبيق هذه القوانين يقع على كاهل الطبقات المستضعفة والفقيرة، فبالطبع يتمتع فتيات الطبقات العليا وصاحبات النفوذ بامتيازات وحريات مختلفة عن باقي النسوة السودانيات.

    هذا الهروب الذي قامت به الكثير من الفتيات السودانيات وذويهم إلى مصر بحثاً عن الحرية والكرامة الانسانية لم يلق عند شوارع مصر قبولاً وتفهماً، فما زالت نبرة العنصرية تجاه اللون والعرق عالية تتسبب بالعديد من الانتهاكات في حق الفتيات السودانيات. تقول “و” وهي فنانة تشكيلية مقيمة بالقاهرة إن المدينة المصرية لم تتقبلنا بسهولة، وهناك نظرة دونية متوارثة تجاه أصحاب البشرة الداكنة وكأن عليهن أن يدفعن ثمن تغذية دراما المجتمع بأفكار عنصرية حولهن، سواء كن يعاملن كخادمات أو بائعات للهوى في الأفلام مثلاً، وما يتداوله المجتمع عنهن من أفكار شائنة متوارثة ليس لها أي أساس من الصحة. فبينما حاولت الفتيات الهروب من السوط السوداني القامع، قابلن في مصر وحش العنصرية يعطل كل أحلامهن نحو حياة حرة ويوميات سعيدة، خاصة البسيطات اللواتي لا يتمتعن بامتيازات اجتماعية أو سياسية.
    نظرة الرجال المنحطة لها كفتاة سمراء والعروض لممارسة الجنس مقابل المال بأشكال بذيئة كثيرة، هي أسباب جعلت “س” بأن تختار التخفي كي تسير بحرية في شوارع القاهرة مرتديةً ما تحبّ.
    غادرت “س” السو