سرق مجوهرات تاج إنجلترا.. فعاقبه الملك بـ “مكافأة”
عقب نهاية الحرب الأهلية الإنجليزية وتولي تشارلز الثاني زمام الأمور بالبلاد خلفاً لوالده تشارلز الأول الذي أعدم سنة 1649، عاشت إنجلترا على وقع واحدة من أغرب عمليات السرقة حيث أقدم أحد أخطر المطلوبين للعدالة على اختراق وخداع جهاز الأمن، معتمداً على خطّة محكمة نجح على إثرها في سرقة مجوهرات التاج المصنّفة حينها كأهم وأثمن الممتلكات بإنجلترا.
ويعتبر الأيرلندي توماس بلاد (Thomas Blood)، المولود سنة 1618 بمقاطعة كلير، بطل هذه السرقة الشهيرة بتاريخ إنجلترا، حيث قاد الأخير هذه العملية أملا في الحصول على ثروة بعد أن تحوّل لواحد من أهم المطلوبين للعدالة بسبب عدد من الجرائم التي اقترفها.
ففي خضم الحرب الأهلية الإنجليزية، انشق توماس بلاد عن الملكيين ليلتحق بأوليفر كرومويل (Oliver Cromwell)، فكسب بذلك مكانة هامة وأراضي عديدة بأيرلندا قبل أن يفقد كل ممتلكاته سنة 1660، تزامناً مع عودة تشارلز الثاني واعتلائه للعرش.
وعلى إثر ذلك، تحوّل توماس بلاد لأهم المطلوبين للعدالة بإنجلترا حيث قاد الأخير العديد من محاولات الاغتيال الفاشلة ضد عدد من كبار الشخصيات الإنجليزية، وعلى رأسهم الملك الجديد تشارلز الثاني. كما شارك في الهجوم الفاشل على قصر دبلن سنة 1663. وأمام فشلها في القبض عليه وضعت إنجلترا مكافأة مالية بلغت قيمتها ألف جنيه لمن يأتي برأس الأيرلندي توماس بلاد.
وبعد غياب استمر لسنوات، عاد توماس بلاد ليظهر مجددا سنة 1671 بفضل عملية سرقة مجوهرات تاج إنجلترا التي كانت حينها محفوظة بإحدى غرف قلعة لندن تحت حماية الجندي السابق تالبوت إدواردز (Talbot Edwards).
وتكوّنت هذه المجوهرات من تاج مرصّع بالماس إضافة لعدد من الأحجار الكريمة وصولجان من الذهب. وقد أنفق الملك الجديد تشارلز الثاني جانباً بسيطاً من ثروته للحصول عليها عقب فقدان مجوهرات التاج الأصلية أثناء الحرب الأهلية.
ولبلوغ مبتغاه، تقمّص توماس بلاد شخصية رجل ثري، وأقنع إحدى النساء بلعب دور زوجته وباشر بالتقرّب من عائلة المسؤول على حراسة المجوهرات بقلعة لندن تالبوت إدواردز وعرض عليه خلال إحدى الأمسيات لمّ شمل العائلتين عن طريق تزويج ابنه بابنة الحارس، وهو الأمر الذي استحسنه الأخير من دون تردد.
ويوم 9 أيار/مايو 1671، حلّ توماس بلاد برفقة 4 أشخاص، ادعى أنهم من أقاربه، بمنزل تالبوت إدواردز. وأثناء انتظارهم لطعام العشاء، عرض الرجل الأيرلندي على الحارس اصطحابهم لمشاهدة مجوهرات التاج، وهو الأمر الذي وافق عليه الأخير ومن دون تردد.
وعند وصولهم إلى المكان، هاجم توماس بلاد ورفاقه الحارس تالبوت فأشبعوه ضرباً وطعنات، وشدوا وثاقه لمنعه من التحرّك، قبل أن يعمدوا للفرار من المكان عقب سرقتهم مجوهرات تاج إنجلترا.
وأثناء استيلائهم على المجوهرات، استعان توماس بلاد بمطرقة لسحق التاج لتسهيل إخفائه بين طيات ثيابه كما أقدم رفاقه على كسر الصولجان لقطعتين، واستولوا على جانب من المجوهرات قبل أن يفروا من المكان لتبدأ بالتزامن مع ذلك عملية مطاردتهم من قبل الحراس الذين ذعروا عند سماعهم لصراخ الحارس تالبوت إدواردز.
لكن محاولة السرقة فشلن بعد أن ألقت السلطات الإنجليزية القبض على جميع المتهمين. وأثناء التحقيق معه، رفض توماس بلاد الحديث عن الأمر مطالباً بضرورة عرضه على الملك.
ومع وقوفه بين يدي تشارلز الثاني، أبهر توماس بلاد الملك بحديثه عن قصة حياته والقيمة الحقيقة لمجوهرات التاج، التي قال إنها لا تتجاوز 6 آلاف جنيه، رافضا بذلك إشاعة بلوغها لسقف 100 ألف جنيه.
إلى ذلك، صفح الملك على توماس بلاد وأنقذه من حكم بالإعدام ومنحه في المقابل قطعة أرض بأيرلندا وجراية سنوية، قدّرت بحوالي 500 جنيه مثيرا بذلك استغراب حاشيته الذين شككوا في الأسباب الحقيقية وراء الصفح عن بلاد.
سنة 1680، فارق توماس بلاد الحياة وهو غارق في الديون. وكإجراء احتياطي أعادت السلطات الإنجليزية فتح قبره للتأكد من وفاته بسبب سمعته السيئة، حيث تخوّف كثيرون من قيامه بتزوير هويته وانتحال اسم آخر وفبركة موته للهرب من ديونه.