رأي ومقالات

بمناسبة تدشين حركة المستقبل.. أيهما يأتى أولأ الخبرة أم التجديد؟


ظل كثيرون يسألوننى التعليق على ما جرى فى المؤتمر التأسيسى لحركة المستقبل للإصلاح والتنمية. وقد كنت متحفظا على التعليق لكن كثيرا من المنشورات السلبية من بعض الشباب وغيرهم حتى من خارج عضوية الحركة وحتى من الصف الذى يناؤي ولا يرى فى الحركة خيرا ولو جاءت مبرأة من كل عيب غير قناعتى بإلتزام الصمت وكنت خرجت من الجلسة الافتتاحية مؤثرا ترك الأمر برمته فى أيدى جيل جديد .لذلك بعد إباحة الكلام لنفسى أقول:
فى مفتتح الحديث إنى راض عن ماجرى من تداول شورى وكذلك من نتائج الشورى ولا أقول أنى راض تمام الرضا كما هى العبارة المسكوكة فلا يمكن أن نبلغ إلى تمام الرضا إلا ونحن ظالمين للآخرين وغير مقدرين للرأى الآخر فليست أراءنا بمعصومة عن الخطأ ولا أنفسنا بمعصومة عن التحيز لما نحب ومن نحب . لكننى راض لعدد من الأسبأب أولها أنه لم يسبق أبدا فى الأحزاب التى يرودها الإسلاميون ولا الأحزاب الأخرى غير أحزابهم أن كان حضور المؤسسين الشباب للحزب يربو على الثمانين بالمائة من العضوية الحاضرة والمؤسسة جميعهم من الشباب رجالا ونساء وهذه هى الميزة الكبرى ثم الميزة الثانية التى تليها فى الأهمية هى أن مجلس الشورى المنتخب يشكل الشباب ثلثا عضويته إى ان القرار فى الحركة الناهضة هو بأيدى الشباب وقد حدد النظام الأساس سلطة إختيار الأمين العام وأمانته لتكون سلطة لمجلس الشورى ما يعنى أن مجلس الشورى هو السلطة الأعلى فى الحزب . ولو كان النظام الأساس جعل إنتخاب الأمين العام من سلطات المؤتمر لصار الأمين العام هو السلطة الأعلى ولصارت الشورى فى أحسن الأحوال موازية له لا تملك أن تغيره أو تغير قراراته على وجه الإلزام. فنظام الحركة برلمانى والسيادة فيه لمجلس الشورى وليس نظاما رئاسيا كالذى بلونا المر من ثمراته من قبل . فالتجربة أثبتت أن رد الولاية الأعلى للجماعة الممثلة للشعب أفضل من توليتها لفرد ولو صلح هذا الفرد وهو قلما يصلح بعدما تحيط به جماعات المصالح إحاطة السوار بالمعصم.
وأما الضجة الثائرة حول إنتخاب الأخ عبد الواحد يوسف أمينا للحركة فأود أن أقرر إبتداء أنى كنت أفضل إنتخاب وجه يمثل التجديد من وجوه الشباب الذين تحملوا أعباء اللجنة التمهيدية . وعبد الواحد عندى من أهل الفضل ولا أزكى على الله أحدا. وأرجح أن الأخ عبد الواحد نفسه كان يفضل ما افضل. ولعلم من لا يعلم أنه فى المشاورات حول القيادة فإن اللجنة التمهيدية هى من رفع أسم عبد الواحد ضمن أسماء أخرى كلها جرى ترشيحها فى مجلس الشورى لكن جلهم تراجع وتنازل لأسباب يعلمونها وأرجح أنهم لم يحبوا أن يقال أنهم كانوا يجهدون لرتبة يرمقونها فى الحركة . وهو تقدير وإن كان مفهوما إلا أنه تقدير جانبه الصواب وكان بالأحرى أن يتيحوا لإخوتهم فرصة النظر والتنقيح ثم الإختيار من مجموعة مناسبة. ولكن كانت حجة البعض هى إيثار أولى الخبرة على أولى الجدة وأن هذه المرحلة التى تمتد لسنة واحدة هى مرحلة بناء الحزب ومرحلة البناء تحتاج إلى قيادة تعرف القواعد والقواعد تعرفها. والمرحلة بحاجة إلى قيادة يمكنها من خلال وجودها المعروف فى الساحة السياسية أن تتواصل مع أطياف الساحة السياسية وبخاصة الأدنى والأدنى الذى يراد الإلتصاق أو الإندماج أو التحالف معه. وهنا يرد السؤال حول أهمية الخبرة بالموازاة مع الجدة وأما أنا فإنحيازى للجديد . لذلك رغم وجاهة بعض تلكم الحجج كنت أوثر وجها جديد وربما من جيل أصغر رغم أن عبد الواحد يصغرنا بقريب من عقدين من الزمان. وسؤال الخبرة فى مقابل التجديد سؤال يتنصب كل يوم أمام المؤسسات والمنظمات وكان النجاح فى غالب الأحوال حليف تلكم التى تؤثر القيادة الجديدة والفكرة الجديدة ذلكم أنه قد إتضح أنه رغم ميزات المعرفة التى تكتسب من الخبرة فإن الخبرة نفسها تتحول بمضى الزمن إلى عائق للتقدم. وكان هذا الأمر خلاصة دراسة أعدتها جامعة هارفرد لدراسة وفهم أثر الخبرة فى تقدم وأحيانا توقف تقدم الشركات والمؤسسات. وبعد لقاءات كثيرة مع مديرى شركات ومؤسسات وإستطلاعات وتجارب عديدة توصلت إلى أسمته ظاهرة
Stall out
ويمكن لنا تعريبها فنقول ظاهرة الجمود ويقصد به أنه بعد مسيرة من النجاح والتقدم يحدث إبطاء فى مسار الشركات والمنظمات وربما توقف عن النمو وهو ناتج عن توقف التطوير فى المنظمة وتوقف التطوير سببه توقف التفكير الجديد لأن القيادة تكون قد بلغت مرحلة الثقة من معارفها حول بيئة العمل وعلاقاته وطبيعة معوقاته ومشكلاته إلى مرحلة تكسل من بعدها فى تطلب معارف جديدة بسبب ركونها إلى خبرة واسعة ودقيقة وقد أسميت تلك الظاهرة (لعنة المعرفة ) وهى تنجم عن تيقن الشركة التى بدأت بخطط واضحة وعلاقة راسخة بعملائها لكن بعد الإستيثاق من خبرتها وقناعتها أنها إمتلكت زمام المعرفة فى حقل حراكها وقد إمتلكت خارطة طريقها للمستقبل تصاب بلعنة المعرفة وسبب لعنة المعرفة هو جهل من ظن أنه يعرف كل المطلوب أن ما يعرفه فى حال تغير وتحول مستمر لذلك فلا يسعه إلا التفكير المستمر والتطوير المستدام ولكن الخبرة التى تورث صاحبها الثقة تورثه فى ذات الوقت التكاسل عن المراجعة الفكرية والتطوير لفرط الثقة بما توفر له من معرفة يتكىء عليها ويظنها زاده الذى لا ينضب للتقدم نحو المستقبل. ولذلك لا سبيل إذا بلغت القيادة هذا الشأو من الخبرة والمعرفة المكتسبة أن تستبدل بقيادة جديدة ليس لديها ذات اليقين بمعرفتها لذلك فهى أشد طلبا للمعرفة وأكثر قدرة على إكتسابها وتوظيفها. وعند التأمل فى تجربة الحكم فى الإنقاذ وفى حزبها على وجه الخصوص فإن عبرة ما سبق أن ذكرت تتضح أمام ناظرى كما الشمس فى رائعة النهار . لذلك كان الرأى لدى منذ سنوات أنه لابد طى صفحة وبدء صفحة جديدة بأفكار متجددة وقيادات جديدة وعلاقات فى حقل الحراك جديدة وفاعلة وإلا فإن لعنة الخبرة والمعرفة سوف تنتصب حائطا صلدا فى طريق التقدم نحو المستقبل.
وأما شباب مجلس الشورى ومن خلفهم فأقول لهم أن الكرة فى جزئكم من الملعب وأنتم تلعبون والريح بإتجاه مقاصدكم وقد أخترتم لتوكم قيادة لبناء الحزب سوف تعمل تحت بصركم فناصحوها وأعينوها وإن لم ترض طموحكم فبدلوها فانتم اليوم أصحاب الشأن والإمرة ولا يبكى على اللبن المسكوب إلا البائس العاجز الحزين.

د. أمين حسن عمر