رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: نصيحة أينشتاين لحمدوك!!

-١- صديقنا العزيز وزميل مهنة السهر والنكد، عبد الحميد بن عوض، من القلة الذين يُميِّزون -بمهارة الحاذق- بين العمل الصحفي وكتابة الرأي.

العمل الصحفي بكُلِّ أجناسه، يقتضي قدراً من الحيادية والموضوعية والاتِّزان، والسماح بتعدد الآراء ووجهات النظر.

كتابة الرأي يُعبِّر من خلالها الكاتب عن رؤيته الشخصية، وخالص رأيه في شؤون السياسة والفكر والمجتمع وغير ذلك .

-٢-

أعاب عبد الحميد على رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك، الاهتمام بالمُؤتمرات والورش والدِّراسات، للتعامل مع أزمات السودان والوصول لحلول لها.

ورأى حميد في ذلك، إهداراً لقيمة الوقت وطاقة الثورة في البحث عن حلولٍ هي في الأساس-حسب وجهة نظره- واضحة في متناول أيدي الجميع، حتى رعاة الضأن في الخلاء!!

ومضى حميد لوصف تلك المؤتمرات وتشبيهها بما كان يحدث في النِّظام السابق من (طق حنك) بلا نفعٍ ودون جدوى أو ثمار !

انتظرتُ من عبد الحميد أن يختم مقاله بعد تهوينه للنقاش والدراسات، بعبارة (الحل في البل)!

-٣-

لأختلِفُ -بكامل الودِّ- مع عبد الحميد في ما ذهب إليه. حلول أزمات السودان ليست بتلك السهولة، ولا هي مُتاحةٌ للجميع حتى لرعاة الضأن في بوادي الكبابيش وفريشة الأرض بسوق ستة!

وَعيُنا بالأزمات يجب أن يسبق سعينا لحلِّها. وقديماً كان يُردِّدُ المُعلِّمون تلك الحكمة المدرسية البارعة: (فهم السؤال نصف الإجابة).

وفي عرف الأطباء: التشخيص الخطأ يُؤدِّي لقطع نصف المشوار إلى العالم الآخر!

ومن مقولات أينشتاين الحكيمة: (إذا كان لديَّ ساعةٌ لحل مشكلة، سأقضي 55 دقيقة للتفكير في المشكلة، و5 دقائق للتفكير في حلها)!

-٤-

الأزمات مُعقَّدةٌ ومُتداخلة، وتحتاج إلى رؤية مُتكاملة وعصفٍ ذهنيٍّ جماعيٍّ من أهل الاختصاص والشأن.

قررات (القطع الأخضر) والانفعالات اللَّحظية وإدارة الاقتصاد والسياسة عبر عصا السلطة، ألقت بنا في هذا الدَّرَك الوحيل!

موضوع حسَّاسٌ يهمُّ قطاعات واسعة وأجيالاً مُتعاقبة، مثل المناهج والسُّلَّم التعليمي، يجب أن يخضع لدراساتٍ علميةٍ دقيقةٍ ومُقارناتٍ رقميةٍ تُفاضِلُ بين الخيارات؛ وألا يخضع لآراء فردية وتوجُّهاتٍ شخصية، إذا كان مدير المناهج دكتور عمر القراي أو الشيخ عبد الحي يوسف !

-٥-

صحيحٌ أن كثيراً من المُؤتمرات كانت تُعقَدُ في العهد السابق، ولم يكن لها أثرٌ في تشكيل الواقع أو تغييره للأفضل.

نقاشاتٌ دائريّةٌ أقرب للفضفضة والمنولوج الداخلي، توضيحات مُكرَّرة وممجوجة وماسخة، تذهب إلى قاع النسيان مع انتهاء الورش والمؤتمرات واكتمال هضم الفول والتمر!

هناك مُتخصِّصون في كتابة تقارير اللجان وتوصيات المؤتمرات، يعدونها بمقاس رغبات رؤسائهم وباتجاه الريح، فإذا كان المُراد الإدانة وتشديد العقاب نسجوا على ذلك المنوال.

وإذا كانت توجيهات أو تلميحات من أصدر قرار تشكيل اللجنة إيجاد مخارج وتبريرات، فَصَّلَ ترزية التقارير توصياتِهم على تلك الرغبة ، بل في مرات تكتب التوصيات قبل انعقاد الجلسات!

بعض الترزية لهم مهارةٌ في كتابة التوصيات الصابونية، التي يصعب الإمساك بها؛ فيصيغون كلاماً فضفاضاً ولامعاً، ولكن بلا معنى ولا تُبنى عليه مُترتِّبات.

سوء الممارسة لا يبطل سلامة الفكرة، وصدور القرارات ورسم السياسات دون دراسة ونقاش جماعي بكُلِّ تأكيد، سيُكرِّس لآراء الأفراد وربما انطباعاتهم بعيداً عن العمل المُؤسَّسي والعلمي.

-أخيراً-
أخي عبد الحميد:
علينا تشجيع حكومة حمدوك على عدم العجلة في إصدار القرارات، ورسم السياسات لا على التسرع والفردانية.

مع كل ذلك لابد الأخذ في الاعتبار الخروج من النَّمَطِ الدائريِّ السابق، والعمل على فتح حوارات أعمق ونقاشات أوسع، تُنتج توصياتٍ واقعية، قابلةً للتطبيق وتصحيح الأخطاء حال ظهورها، مع سرعةٍ ودقَّةٍ في التنفيذ.

ضياء الدين بلال