مزمل ابو القاسم

وهم تنشيط التجارة وزيادة الإنتاج


* الأصل في التجارة أن تُمارس بحرية، لتخلو من القيود، وتبتعد عن الروتين الحكومي العقيم، كي تنساب وتنتعش وتنعكس إيجاباً على الاقتصاد الكلي للدولة.
* تجاوز العالم كله مرحلة تحرير التجارة المحلية، وقطع شوطاً بعيداً في تحرير التجارة العالمية، بإزالة القيود المفروضة على حركة السلع، وإلغاء الرسوم الجمركية أو تقليصها، وتسريع مواقيت التخليص، وتيسير إجراءات التفتيش والحجز والفحص، ومنح المستثمرين والمنتجين تسهيلات تشجعهم على مضاعفة أعمالهم.
* نسأل الدكتور إبراهيم البدوي، وزير المالية الاتحادي، أنت أمضيت جانباً مقدراً من عمرك في دول غربية مزدهرة اقتصادياً، فهل سمعت فيها يوماً بمصطلح (حصيلة صادر)؟
* السؤال نفسه موجه بصيغة أخرى لوزير التجارة والصناعة مدني عباس، المطالب بتنشيط التجارة ودعم الصناعة، كي ينعكس عمله إيجاباً على اقتصاد الدولة.
* من يرغب في مزاولة العمل في مجال الصادر بالسودان سيجد نفسه مضطراً إلى الطواف على عدد كبير من الدوائر الحكومية، لتسجيل شركته أو اسم عمله في المسجل التجاري ابتداءً، قبل أن يتحول إلى مكاتب الضرائب والزكاة والغرفة التجارية والبنوك، وفي كل مكتب أو مصلحة حكومية يجد نفسه مضطراً إلى سداد رسوم عالية، وإنجاز معاملات مكتبية عقيمة، تستهلك وقتاً طويلاً، وتتطلب صبراً جميلاً في ظل سيادة فقه (تعال بكرة أو بعد بكرة)، أو غياب الموظف المسؤول عن العمل، أو انشغاله بالفطور وغيره.
* بعد أن يفلح المُصدِّر (أو المستورد أو المستثمر) في إنجاز كل تلك المعاملات المنهكة والمطولة سيجد نفسه مطالباً بأن يستخرج استمارة صادر تسمى اختصاراً (EX)، أو استمارة وارد تسمى اختصاراً (IM)، بعد أن يسدد رسوماً مالية مقدرة للبنك الذي يختاره.
* إذا تمتع بصبر أيوب، وأفلح في التصدير سيجد نفسه ملزماً بالدخول في دائرة جهنمية أخرى، كي يتحصل على أمواله، لأنه ملزم بإعادتها إلى السودان أولاً، بما يسمى (حصائل الصادر)، حتى ولو كان محتاجاً إليها لاستيراد سلع أخرى من الخارج.
* بعد أن يعيدها عبر البنك الذي أنجز معه المعاملة يتولى البنك المركزي خصم نسبة (10%) من حصيلته الكلية، لتتم محاسبته عليها بالسعر الرسمي للدولار، مما يتسبب في تقليص معدل أرباحه.
* بعد ذلك تبدأ دورة معاناة جديدة في مكاتب الزكاة والضرائب بالنسبة إلى المصدرين، تضاف إليها معاناة أخرى مع الجمارك بالنسبة إلى المستوردين، حيث تبلغ ضريبة أرباح الأعمال (15%)، ويتم حسابها بتقديرات جزافية أحياناً، بتقدير معدل أرباح أي عملية صادر بخمسة وثلاثين في المائة، وتجري حسبة أخرى لتقدير قيمة الأرباح، بحساب متوسط أسعار الدولار في السوق الموازية لأربع فترات في العام الواحد.
* إذا أضفنا إلى كل تلك المنغصات ما يعانيه المصدرون والمستوردون في نقل أو تخليص بضائعهم من وإلى الميناء، برسوم عالية تؤخذ منهم في طرقات المرور السريع، وضريبة قيمة مضافة تسدد عدة مرات، سنعرف مسببات انكماش التجارة المحلية، وتراجع حجم الصادرات السودانية كل عام.
* يحدث كل ذلك العبث في دولة يتشدق مسؤولوها صباح مساء من داخل مكاتبهم (المكندشة) عن سعيهم إلى تشجيع التجارة والصناعة ودعم الإنتاج، وعن رغبتهم في زيادة معدلات الصادر، لتحسين أحوال الاقتصاد.
* لن تقوم لهذه البلاد قائمة، ولن ينتعش اقتصادها، ولن تتحسن أحوالها إلا بإزالة القيود التي تكبل حركة التجارة، وتقيد الصادرات والواردات.
* من يرغب في التصدير أو الاستيراد الميناء أمامه، والمطار خلفه، وينبغي تمكينه من مزاولة عمله بمجرد تسجيله لشركته، ليصبح الفيصل في علاقته بالدولة مرتبطاً بمدى حرصه على سداد ضرائبه كاملةً في وقتها.
* بغير ذلك لا تتحدثوا عن دعم إنتاج ولا زيادة صادرات ولا تشجيع تجارة وغيرها من (الوهمات) التي تكذبها أقبح ممارسة، ويقيدها أسوأ واقع للتجارة والاقتصاد.

صحيفة اليوم التالي


تعليق واحد

  1. لا توجد حصيلة صادر في دول اخري لان الحصيلة تدخل بنوكها مباشرة اما نحن فان المصدر لدينا يبيع حصيلة الصادر في الخليج ويستلم بالسوق الاسود بالسودان فبدل ان يساهم الصادر في توفير النقد الاجنبي سيزيد من المضاربة في العملة وحتي تحويلات المغتربين تتم المضاربة بها من السودانيين بالمهجر وخاصة الخليج ودبي والحل يكمن في تسليم البنوك للحصيلة والتحويل بالدولار من داخل السودان