منوعات

“زواج الشيخ” في تركيا .. شبكات للاتجار بالبشر تستهدف المغربيات

ترصد هدى الكيناني الناشطة المغربية المقيمة في إسطنبول تزايد ظاهرة “زواج الشيخ” والتي تتورط فيها فتيات يجلبهن سماسرة إلى تركيا مقابل وعود معسولة لا تلبث أن تتلاشى بسبب غياب أية حقوق لهن، كون الزواج تم عبر ورقة غير موثقة في الدوائر الحكومية.

وجدت الكيناني من خلال عملها نائبة لرئيسة جمعية دار المغرب (مؤسسة أهلية تنشط في إسطنبول لمساعدة المغاربة)، أن ما يجمع الضحايا هو ظروفهن الاجتماعية الصعبة وعدم قدرتهن على العودة إلى المغرب، كما تقول لـ”العربي الجديد”، وهو ما وثقته معدة التحقيق عبر حالة أربع فتيات مغربيات وقعن ضحايا خداع سماسرة، في مدينتي الدار البيضاء وسط غرب المغرب ومكناس شمالا، ومنهن العشرينية سعاد التي تعرفت على وسيطة مغربية عبر موقع “فيسبوك”، عرضت عليها الزواج من شاب سوري، يقيم في محافظة مرسين جنوب تركيا.

وبعد أن تقدم لخطبتها من والدتها عبر تطبيق “واتساب”، تحجج الشاب، بصعوبة الحصول على تأشيرة إلى المغرب، فسافرت سعاد إلى تركيا في فبراير/شباط الماضي للزواج منه بعد إقناعها بالموافقة على الزواج بهذه الطريقة ووعدها بتوثيق الزواج عندما يحصل على أوراق الإقامة، لكنه بعد قضاء شهر معها في شقة مؤجرة في حي بيرم باشا بمدينة إسطنبول، اختفى وأغلق هاتفه كما تقول لـ”العربي الجديد”، مضيفة: “فجأة تحول كل شيء إلى سراب، شعرت بضياع ورعب، وفشلت في الاتصال بالخطّابة، التي بدا أنها غيّرت رقم هاتفها، وخشية الاتهام بممارسة الدعارة، استبعدت فكرة التبليغ عن شريكي لدى الشرطة، خاصة أن تركيا لا تعترف بزواج الشيخ”.

أما الثلاثينية أمينة فقد تعرفت في فبراير/شباط 2017 على وسيطة زواج في مدينة الدار البيضاء وسط غرب المغرب، عرضت عليها الزواج من رجل تركي ميسور الحال، فوافقت من دون تردد قبل أن تتعرف على العريس، واكتفت بالتحدث إلى والده عبر واتساب، واتفقا على ذهابها لتركيا لإتمام إجراءات الزواج.

لدى وصول أمينة لتركيا ومقابلة الشاب، أدركت أنه غير سوي نفسياً، وفق روايتها لـ “العربي الجديد”، ورفضت الزواج به، لكن والده وضعها أمام خيارات صعبة، إما الزواج أو السجن أو دفع 2500 دولار أميركي، وهو المبلغ الذي حصلت عليه الوسيطة المغربية من الوالد.

لم تجد أمينة خيارا آخر سوى الموافقة على هذا الزواج خوفا من بيعها لشخص آخر، ثم انتقلت مع زوجها للعيش في قرية صغيرة تابعة لمقاطعة كيرشهير، لتعيش ظروفا مزرية، مؤكدة من خلال تجربتها أن الوسيطة تجني أرباحا طائلة على حساب الضحايا.

كيف يتم الإيقاع بالفتيات؟

تبدأ عملية اصطياد الفتيات من المغرب عبر إعلانات منشورة على صفحات “فيسبوك” عن أتراك يرغبون بالزواج من مغربيات، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر صفحات من بينها “زاوج المغربيات بالأتراك في تركيا” التي تستهدف عبر منشوراتها من يبحثن عن زوج، وهو ما يبدو في منشور نص على “رجل تركي متدين يبلغ من العمر 43 عاما يرغب في الزواج” وعلق صاحبات 32 حسابا وتجاوبوا مع الإعلان لتطلب منهن صاحبة الصفحة التواصل على الخاص، وفق ما وثقته معدة التحقيق، التي تظاهرت أثناء تواصلها مع صاحبة الصفحة، بأنها تبحث عن زوج، وتلقت ردا سريعا من الوسيطة يقول “ارسلي لي صورتك وسأبحث لك”. ثم طلبت الوسيطة المزيد من صورها وهي، بزي محتشم وحجاب يعكس الوقار والتدين، بهدف جذب أكبر عدد من العرسان على حد قولها.

وبعد دقائق قليلة من طرح الوسيطة أسئلة متعلقة بمواصفات العروس، أرسلت صورة رجل تركي، قالت إنه متزوج ويرغب بالزواج بالثاني. إلى جانب عرضها صور مزيد من الرجال الأتراك، قالت إنهم لا يتحدثون العربية، وهي من ستعمل على تيسير عملية التعارف والزواج إذا ما وافقت، ما جعلها تعبر عن اهتمامها بالعرض، والموافقة على بدء مرحلة التعارف.

تبدأ عملية اصطياد الفتيات من المغرب عبر إعلانات منشورة على صفحات “فيسبوك”

وفي رسائل نصية أرسلها الرجل التركي عبر تطبيق “واتساب”، يقول فيها إنه يرغب في إنجاب مزيد من الأطفال عبر زواجه الثاني إلى جانب طفليه من زوجته التركية، مشترطا أن تكون زوجته المستقبلية متدينة وملتزمة بارتداء الحجاب، لكنه لا يستطيع السفر إلى المغرب لإتمام تفاصيل الزواج، لانشغاله بتسيير شؤون محل تجاري واقترح سفر العروس إلى تركيا لعقد زواج من دون وثائق رسمية، ولكن بمباركة من “الشيخ”.

وأكدت السمسارة أن حقوق الزوجة الثانية مضمونة في هذا الزواج، منهية عرضها بالمقابل المالي المقدر بــ 500 دولار أميركي، الذي ستحصل عليه عند نجاح خدمتها من أحد طرفي هذا الزواج.

ويستغل الوسطاء جهل الضحايا بالقوانين المنظمة للزواج في تركيا للاحتيال عليهن من خلال تقديم عروض زواج من أشخاص متزوجين وهو أمر يتعارض مع القوانين التركية، إذ تنص المادة 145 من القانون المدني التركي عدد 4721 الصادر في 22 نوفمبر 2001 على أنه “يعتبر الزواج ملغيا أو باطلا عند الزواج من شخص متزوج”. وتنص المادة 137 من القانون ذاته على أن “ضابط الزواج يفحص طلب الزواج إذا لاحظ وجود نقص في الوثائق أو إذا كان الطلب لم يتم تقديمه على النحو الواجب أو إذا كان أحد الراغبين في الزواج متزوجا أو هناك عقبة قانونية أمام الزواج، يتم رفض طلب الزواج”.

اتجار بالبشر

تنص المادة 134 من القانون التركي السالف ذكره على أن يتقدم الرجل والمرأة المقبلان على الزواج بطلب في مكتب تسجيل الزواج حيث يعيش أحدهما، ويوثق الزواج الموظف المدني الموجود في مقر البلدية، وفي القرى تتم عملية عقد القران من طرف الموظف المدني المراد تكليفه بهذا العمل وهو المختار، وتعكس الحالات الموثقة من قبل معدة التحقيق غياب تنفيذ تلك القوانين، وهو ما تصفه الخبيرة في المنظمة الدولية للهجرة ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في المغرب، وأستاذة مادة مكافحة الاتجار بالبشر في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، بهيجة جمال، بصورة من صور الاتجار بالبشر، في حال تجمعت العناصر التكوينية الثلاثة للجريمة ، وهي “الفعل، الوسيلة، والهدف” أي في حالة تجنيد شخص أو استدراجه أو نقله أو تنقيله أو إيوائه أو استقباله، أو الوساطة في ذلك، عبر التهديد بالقوة أو باستعمالها أو باستعمال مختلف أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو إساءة استعمال السلطة أو الوظيفة أو النفوذ أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة أو الهشاشة، أو بإعطاء أو بتلقي مبالغ مالية أو منافع أو مزايا للحصول على موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال وفق ما ينص عليه الفصل 1 – 448، من الفرع السادس لقانون مكافحة الاتجار بالبشر في المغرب، والصادر في 25 أغسطس/آب من عام 2016، مضيفة أن تلك الممارسات تُجرى بهدف الاستغلال الجنسي وإخضاعهن لممارسات شبيهة بالرقّ والتي قد تدخل في خانتها السمسرة في الزواج.

وقد ينتج عن “زواج الشيخ” جرائم النصب والاحتيال في حال استعمال بعض المظاهر التي تؤدي إلى وقوع تلك الجريمة، إضافة إلى الاتجار بالبشر في حال حدوث وقائع محددة، بحسب المحامي والنقيب السابق للمحامين في هيئة الرباط للمحامين محمد أقديم، والذي قال لـ”العربي الجديد” إن تكييف الفعل تحدده النيابة العامة، سواء وكيل الملك أو الوكيل العام أو قاضي التحقيق من خلال التدقيق في الوقائع والعناصر المادية للجريمة، بهدف التمييز بين النصب والاحتيال والاتجار بالبشر.

ويعتبر النصب والاحتيال جنحة من اختصاص المحكمة الابتدائية، بينما الاتجار في البشر من اختصاص محكمة الاستئناف بحسب أقديم، والذي شدد على ضرورة التريث والتمحيص في متابعة المتهمين بارتكاب جرائم شديدة العقوبة.

اعتراف مغربي ونفي تركي

في ردها على “العربي الجديد” نفت سفارة الجمهورية التركية في المغرب تلقيها أي شكاوى من ضحايا سماسرة الزواج أو شبكات الاتجار بالبشر، أو طلبات أو معلومات حول تعرض نساء مغربيات للاختفاء أو التعرض للتعذيب أو الاحتجاز ضد إرادتهن بواسطة شبكات إجرامية في تركيا، موضحة أنه في حالة إرسال طلب معلومات أو شكاوى حول هذه المشكلة يتم إرسال الطلب إلى السلطات المختصة، ويتم إجراء التحقيقات اللازمة ومشاركة الإجابات مع الأفراد المعنيين.

لكن الخضير المراقي وزير مفوض في السفارة المغربية بأنقرة ومكلف بالشؤون القنصلية يقر بوجود مثل هذه القضايا في تركيا، غير أنه لا يتوفر على معلومات دقيقة تؤكد ذلك كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا أن السفارة المغربية لم تتلق غير ملف واحد يتعلق بفتاة مغربية تعرضت للاحتيال من قبل شخص وعدها بالزواج، وقد ساعدتها السفارة في العودة إلى المغرب على حساب الدولة، نهاية سبتمبر/أيلول الماضي. لكنه ينفي توصل السفارة بأي شكاوى من طرف ضحايا سماسرة الزواج أو شبكات الاتجار بالبشر.

وفي حال اختفاء مغربيات أو مغاربة يفترض أن تتلقى السفارة المغربية طلبات من عائلاتهم البحث عنهم وفقا للمراقي، مؤكدا أن بعض حالات المغاربة المقيمين في تركيا غير مسجلة لديها أو لدى القنصليات التابعة لها، ولا يتوفرون على الوثائق الرسمية كالبطاقة الوطنية وجواز السفر، بالإضافة إلى بطاقة الإقامة، لافتا إلى أن مغربيات تزوجن برجال من الجنسية السورية، لا يمكنهن توثيق هذه العقود إلا بعد حصولهن على الإقامة القانونية في تركيا، كما يقول.

وهو ما حدث مع سعاد التي استبعدت فكرة التبليغ عن زوجها لدى الشرطة، خاصة أن تركيا لا تعترف بهذا النوع من الزواج وخوفاً من الفضيحة قررت ألا تعود إلى المغرب كما تقول.

الصمت خوفاً

يفضل معظم ضحايا سماسرة الزواج، الصمت وعدم التقدم بشكايات في الموضوع خوفا من الفضيحة، وفق ما تؤكده مصادر التحقيق، ومن بينهم الخبيرة جمال التي تقول إن قضية ضحايا سماسرة الزواج خارج وداخل المغرب لا تزال من المواضيع المسكوت عنها، لأن المتضررات يتخوفن من وصمة العار داخل المجتمع، والتي تطاولهن إذا ما صرحن بما تعرضن إليه، وبالتالي يفضلن الصمت، ولذلك السبب وقعت أمينة في مشاكل مع أسرتها بسبب زواجها غير المعترف به في تركيا والمغرب، عندما تمكنت من العودة إلى بلادها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، برفقة رضيعها، ورغم أنها تؤكد حصولها على الطلاق من زوجها التركي، لكنها لا تمتلك أي وثيقة تثبت زواجها أو طلاقها.

لكن في حال تم التقدم بشكوى ضد المتورطين في زواج الشيخ في تركيا وثبوت التهم المنسوبة إليهم، يمكن معاقبتهم بموجب قانون العقوبات التركي الذي يجرم الاحتيال، وفق تأكيد المحامي السوري مجد الطباع، والذي يعمل في مركز للاستشارات القانونية بإسطنبول.

صعوبة إثبات الأمومة

وتنص الفقرة (1) من المادة 157 من قانون العقوبات التركي الصادر في عام 2004 برقم 5237 على أن “خداع شخص بسلوك احتيالي وإلحاق الأذى به أو بغيره منفعة لنفسه أو للآخرين يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات”، غير أن قرار الشكوى واللجوء للقانون ليس سهلا كما ترصد معدة التحقيق عبر مجموعة “مغاربة في إسطنبول” المغلقة على “فيسبوك” والتي تضم عشرات المغربيات المقيمات في تركيا، إذ تحكي شابة مغربية عن معاناتها مع شريكها السوري الذي تزوجته بـ”عقد الشيخ” بمباركة العائلة منذ 2016 غير أن حياتها انقلبت رأسا على عقب بعد إنجابها طفلتها الأولى.

تقول الضحية:”شريكي يدعي أن بطاقة الحماية المؤقتة للاجئين التي لديه لا تتيح توثيق عقد الزواج”، وتضيف أنها في ظل هذا الوضع تتعرض للتعنيف والتهديد بالقتل وتهريب ابنتهما إلى سورية.

وبعد معاناة طويلة قررت الزوجة أن تشتكي إلى الشرطة، وتم اعتقال الزوج وإيداعه في السجن بتهمة الاعتداء والتهديد بالقتل، لكن الضحية تقول إنها لا تستطيع إثبات أمومتها بسبب رفض المستشفى منحها شهادة الولادة، وبعد أن طرقت الضحية جميع الأبواب لم تتلق المساعدة، وبات حلمها الوحيد الهروب برفقة طفلتها إلى المغرب.

شابة أخرى تتقاسم المعاناة ذاتها مع ضحايا وسطاء الزواج، إذ تزوجت بنفس الطريقة من تركي يعيش في قرية وأنجبت طفلا يبلغ من العمر خمس سنوات، لكنها لم تتمكن من إثبات أمومتها إلى حدود هذه اللحظة.

وتشرح الكيناني أن قضية تلك الأم معقدة جداً، بسبب عدم حيازتها مجموعة من الوثائق أبرزها شهادة الولادة، لكونها أنجبت في المنزل ولم يتم تسجيل الطفل في مصلحة النفوس لحظة ولادته، كما أنها لا تحوز وثيقة زواج رسمية، ناهيك عن انتهاء صلاحية جواز سفرها، كل هذه الأمور حالت دون عودتها إلى المغرب وزادت من تعقيد القضية.

وأوضحت الناشطة الجمعوية، أن بعض الفتيات تمكنّ من الزواج بشكل رسمي في تركيا، بينما أخريات تم إجبارهن على توقيع عقد زواج الشيخ من طرف السماسرة ولم يجدن خيارا آخر سوى الموافقة، نظرا لظروفهن الاجتماعية الصعبة وعدم قدرتهن على العودة إلى المغرب.

وعلى غرار تركيا ينشط وسطاء الزواج في المغرب، إذ يعملون على تزويج فتيات برجال يعيشون في منطقة الخليج العربي، وفق ما أكده إدريس السدراوي رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان قائلا: “ثمة وسطاء وسماسرة في المغرب يستهدفون فتيات يعشن ظروفا اجتماعية هشة، بهدف استغلالهن في زواج مزور أو في شبكات للدعارة في العديد من البلدان”.

العربي الجديد