سودانيون عادوا بالخوف والعدم .. ناجون من براثن حروب الإمارات يروون “الخديعة”
سيطر الخوف والتوجس على ضحايا الشركة الإماراتية “بلاك شيلد” من السودانيين العائدين بعد نجاتهم من خديعة وظائف الحراسة التي كانت واجهة للدفع بهم إلى حروب الإمارات في ليبيا واليمن.
واكتمل وصول مجموعة مكونة من 209 شباب من أبو ظبي إلى الخرطوم بعد اعتماد منحهم راتب ثلاثة أشهر تعويضا من الشركة بقيمة 5500 درهم إماراتي، يرونها غير كافية لتعويض ما لحق بهم من ضرر مالي ونفسي.
وبحسب شرطي سابق عمل بالإنتربول -للجزيرة نت- فإن عسكريين سودانيين في التقاعد فضلا عن شركات حراسة أمنية سودانية ورجال شرطة بإدارة الجوازات، تورطوا في سفر المئات من الشباب السودانيين عبر “بلاك شيلد”.
ويقول الشرطي السابق إن ما حدث يندرج تحت الاتجار بالبشر وحاكته شبكة نافذة وشديدة الخطورة لحد أنها منحت خمسين ألف جنيه (نحو خمسمئة دولار) رشوة لشرطي في إدارة الجوازات لتسهيل تأشيرة الخروج لثلاثمئة جواز دفعة واحدة.
ويشير إلى أن الراتب الشهري الذي تم تحديده لوظائف الحراسة الأمنية عبر “بلاك شيلد” كان مغريا مقارنة برواتب هذه الوظائف إذ بلغ 1200 دولار.
مفاجأة بأبو ظبي
ويقول البراء محمد عثمان (أحد الشباب الضحايا العائدين من أبو ظبي) إنه سافر للإمارات عبر “بلاك شيلد” ضمن مجموعة مكونة من 209 من الشباب الذين تم اختيارهم بعد معاينات خضع لها آلاف الشباب.
لكنهم، وبحسب البراء، فوجئوا بعد وصولهم أبو ظبي باقتيادهم إلى معسكر ضخم تابع للجيش قرب العاصمة الإماراتية، وتعرضوا لتفتيش دقيق شمل مصادرة هواتفهم النقالة.
وبعد وصول مجموعات لاحقة من السودان أبلغوهم بتسرب أنباء عن استغلال الشركة لشباب سودانيين للقتال في ليبيا واليمن، وعلى إثر ذلك احتج من في المعسكر وتحت الضغط تم تمكينهم من هواتفهم حيث أجروا اتصالات مع ذويهم الذين أبلغوهم بضرورة العودة.
ويؤكد البراء -الذي تحدث للجزيرة نت من الميناء البري بالخرطوم حيث كان يستعد للسفر إلى إحدى الولايات للقاء ذويه لأول مرة منذ عودته من الامارات- أنهم طلبوا من ضباط المعسكر الإماراتيين حضور ممثل لشركة بلاك شيلد للتفاهم معه.
خيارات العمل
ويضيف البراء أنه بعد الضغط وافقت إدارة المعسكر وحضر مدير عام الشركة وهو إماراتي الجنسية، وأبلغهم بأنهم سيخضعون لدورة تدريبية ما بين ستة وسبعة أسابيع وبعدها سيكون لهم الخيار بالعمل في وظائف حراسة بالإمارات أو خارجها.
وأفاد مدير الشركة الشباب السودانيين بأن لدولة الامارات استثمارات في السعودية وفرنسا وليبيا والسودان، وحال اختيار العمل خارج الامارات فإن الراتب سيكون مضاعفا.
لكن جزءا من الشباب آثر العودة للسودان، فطلب منهم مدير شركة بلاك شيلد مغادرة قاعة الاجتماع لترتيب عودتهم للسودان وهو ما حدث بعد مفاوضات مضنية حول التعويضات.
ويقول البراء إن مسؤولي المعسكر في تلك الأيام شددوا من حراسة المعسكر عبر تطويقه بتعزيزات عسكرية بعد رصد محاولات للهرب من المعسكر رغم صعوبة الهروب من المعسكر الضخم الواقع في منطقة خلوية.
خوف وتوتر
ويتذكر مصطفى إبراهيم مصطفى اللحظات الأولى لوصولهم أبو ظبي ليلا حيث جرى نقلهم بسرعة إلى معسكر للجيش يسمى “قياسي”. وصبيحة اليوم التالي تم نقلهم إلى معسكر محمد بن زايد حيث مكثوا نحو أسبوعين قبل العودة.
ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن ضباط المعسكر الإماراتيين ظهر عليهم الخوف والتوتر بعد احتجاج الشباب السودانيين وإصرارهم على معرفة مصيرهم ومصير سودانيين تم تسفيرهم إلى ليبيا.
ويقول إن مسؤولي المعسكر شددوا من عمليات التفتيش ومسح أي مقاطع فيديو صورها الشباب السودانيون عبر هواتفهم الذكية.
وعند وصول مدير شركة بلاك شيلد -بحسب مصطفى- حاول في البداية إنكار تسفير سودانيين إلى ليبيا قائلا إنهم يعملون في مرافق بأبو ظبي، لكنه تحت ضغط الشباب أقر بأنهم غادروا إلى ليبيا بمحض إرادتهم.
ويذكر أن مدير الشركة عمل على تقسيم المجموعة القادمة من السودان بإغرائهم بالسفر إلى ليبيا للعمل في حراسة حقول نفطية حيث قبل نحو 85 بذلك، ورفضت بقية المجموعة العرض مفضلة العودة إلى الخرطوم.
ضحايا آخرون
وطبقا لشرطي الإنتربول المتقاعد فإنه على مدى حوالي خمسة أشهر تمكنت شركة بلاك شيلد الإماراتية عبر وكالتي أماندا والأميرة بالسودان من تسفير نحو 880 شابا على ثلاث دفعات خضعوا للتدريب العسكري في معسكر بإمارة أبو ظبي لفترة ثلاثة أشهر.
ويؤكد أن الإماراتيين يخيرون الشباب بعد التدريب بين ثلاثة أمور: إما الانتساب للجيش لتأمين مناطق البترول مقابل ثلاثة آلاف دولار أو العمل بالشرطة أو العمل في وظائف الحراسة مقابل 1200 دولار.
وينبه إلى أن هذا المخطط توقف بعد تسرب الأنباء الأخيرة بشأن تسفير سودانيين عبر الإمارات للقتال في ليبيا واليمن.
وبحسب مصطفى إبراهيم مصطفى فإن مسؤول الشركة الاماراتية اتفق معهم داخل معسكر الجيش في أبو ظبي على إنهاء خدماتهم مقابل تعويض يتمثل في راتب ثلاثة أشهر “5500 درهم إماراتي”.
ويقول إن وكالة أماندا استغلت حاجة العائدين قبل تسلم التعويض بأبو ظبي، وبعد وصولهم الخرطوم بلا أموال طلبت منهم توقيع تعهد بحضور محامين بعدم مساءلة الوكالة أو شركة بلاك شيلد أو السفارة الإماراتية مقابل منحهم التعويض.
تفاوض للتعويض
ودخلت مجموعة من الشباب السودانيين في تفاوض مع الشركة الإماراتية قبل عودتهم، ويقول البراء إنه اختير للتفاوض مع مدير الشركة الذي عرض في البداية مكافأة راتب شهر.
ويضيف البراء أنه رفض العرض، وذكر مدير الشركة بأن القانون الإماراتي يجبره على دفع راتب ثلاثة أشهر، فوافق ولكنه رفض أي حديث عن دفع رواتب سنتين تعويضات مقابل الخسائر المالية والأضرار النفسية.
وكان أكثر ضحايا بلاك شيلد من الولاية الشمالية، ويقول عبد الله محمد عبد الله من مدينة مروي إن 168 من أبناء الولاية تعرضوا للخديعة.
ويوضح أنه استقال من عمله للسفر عبر هذه الشركة الأوروبية الإماراتية (بلاك شيلد) قبل أن تسرب الأنباء الأخيرة ووقف نشاطها، لكن شقيقه “حسن” واثنين من أبناء عمه ما زالوا هناك وينتظرون عودتهم بقلق شديد.
ويضيف أنه دفع مقابل إجراءات سفره نحو 150 ألف جنيه (حوالي 1500 دولار) لذلك فإن الضحايا بصدد تشكيل لجنة لمقاضاة الشركة ووكالات السفر المتورطة.
حرج حكومي
وتبدو الحكومة السودانية في موقف محرج من واقع تأخرها في بيان موقفها من الأزمة خاصة بعد توالي الاحتجاجات أمام السفارة الإماراتية ووكالات السفر بالخرطوم.
وأكد وزير الثقافة والإعلام فيصل محمد صالح -في تصريح صحفي- صحة العقود التي غادر بها الشباب للإمارات وتخييرهم بين عقدين، مشيرا إلى التعاون الكبير من قبل الإمارات في هذا الصدد وتشكيل غرفة عمليات لإعادة من يرغب.
من جانبها أكدت الخارجية السودانية متابعتها لاستقدام شركات إماراتية خاصة مواطنين سودانيين للعمل في وظائف حراس أمن دون الالتزام لاحقاً، كما ورد في إفادات أسر الضحايا، مما أدى لنقل بعضهم للعمل بحقول النفط في ليبيا.
وتعهدت الخارجية بالعمل مع السلطات المختصة ومع دولة الإمارات للتقصي حول الجوانب المختلفة التي وردت بشأن المسألة.
المصدر : الجزيرة نت