تحقيقات وتقارير

القصة الكاملة لإحباط أخطر صفقة بيع طفل

الخرطوم – العاصمة – غارقة في لجة مقرن النيلين، وليلها الحالك يردد ظلامه في صمت، سكانها يقضون يومهم البائس بين صفوف الخبز والوقود، صغارهم في المنازل كفراخ العصافير في (العش) ينتظرون غدو الكبار لسد الرمق بقطعة خبز أو ما يسد خانتها في بطونهم، الكبار تصل أرواحهم الحلاقيم في معركة المواصلات.

السلطات المحلية مشغولة بشؤون السياسة أكثر من كل شيء، الشرطة نفسها تواجه هجوماً قاسياً عن إفراطها في قمع مليونية “رد الجميل” لأبطال الثورة المجيدة.

(توهطت) في هذا الجو المشحون بالمآسي، شبكة إجرامية جنوب الخرطوم، نسجت خيوط أخطر جريمة بيع طفل حديث الولادة، على مشارف التنفيذ والبدء في جريمة أخرى كانت مباحث عمليات الخرطوم الفيدرالية تمسك بالحبل السري لكل العملية وتعيد الحياة والحرية معاً للطفل.

سري للغاية!

إدارة عمليات الخرطوم الفيدرالية فرعية – الشاحنات – الواقعة في منطقة مايو جنوب، التقطت معلومة مهمة تعاملت معها بطريقة الخطابات الأمنية الموسومة بـ(سري للغاية)، حجمت سريانها حتى على نطاق وحداتها ومكوناتها الداخلية لتنجز العملية بدقة متناهية بأعلى قدر من السيطرة والإحكام.
المعلومة حسب راصدها تشير في بادئ الأمر بضبابية تحتاج إلى شيء من إزاحة الضباب، خصوصاً أنها تشير إلى (بيع أطفال حديثي الولادة) بمنطقة مايو، الأمر شائك بضلوع أطراف عديدة في عمليات البيع والشراء.

انتشار!

حي مايو تقطنه مكونات سكانية مختلفة ومتنوعة فضلاً عن بعض أحيائه العشوائية لذلك عُرف بطبيعته الخطرة خصوصاً في وقت الليل، لذلك كانت المهمة قاسية على عمليات الخرطوم الفيدرالية بقيادة العقيد “عوض أحمد عزالدين” ومتابعة دقيقة لمدير إدارة العمليات الفيدرالية “أسامة كنين العوض” وإشراف مدير إدارة التحقيقات اللواء “خالد الحاج” ومدير الإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية اللواء “خالد مهدي”، لإنجاز المهمة كلف هؤلاء القادة فريق من فرعية الشاحنات، بالمهمة انطلق بالبحث والتقصي عن منزل قابلة قانونية أشارت أصابع الاتهام إليها، بدأت القوة في الانتشار في أزقة مايو وأطرافها. العملية لم تكن سهلة كما يتوقع كثير منهم، إذ انقضى اليوم الأول دون تحقيق القدر الكافي من جمع المعلومات وهنا أصاب الإحباط بعض أفراد القوة بيد أن رفاقهم كانوا يشحذون همم من أصيبوا بالإحباط ليواصلوا البحث، فكانت أولى الخطوات المهمة هي أن جمع أحد أفراد القوة معلومة دقيقة عن مكان إقامة القابلة، وعند المداهمة المصرحة من النيابة للمنزل المعني كانت النتيجة مبشرة لدى القوة فوقعت القابلة في قبضة الفريق.

أين الطفل إذن!

الطفل الذي لم يبلغ العشرة أيام بعد ولم تجف دماء حبله السري، كان في أحضان سيدة على وشك مغادرة البلاد لإتمام صفقة بيعه في إحدى الدول العربية المجاورة، وبعدها سيكون الطفل عائشاً في كنف (أسرة مغشوشة) مجهول المستقبل والمصير.

هنا بدأ فريق المباحث رحلة بحث أخرى لا تقل غموضاً عن سابقتها، هذه المرة عن امرأة تحوز على الطفل – بطل القصة- وثمرتها، سيما وأنها أحاكت جريمتها بخبث لم تترك خلفها كثير معلومات، الفريق شد رحاله من حي مايو حسب معلوماته إلى حي السلمة الذي لا يبعد منه كثيراًً، المهمة صاحبها بعض الرهق لأفراد الفريق، لكنهم في لجة الليل استطاعوا تحديد الهدف بنجاح، وهو تحديد منزل المتهمة، الذي داهمته القوة بطريقة ذكية وكانت المفاجأة العثور على الطفل الرضيع نائماً على سرير داخل إحدى الغرف بجانبه بعض احتياجاته الخاصة وربما معدة للسفر، الفريق ألقى القبض على السيدة، برفقة الطفل ولم تستطع كتم جرمها لفجائية المداهمة، فأقرت بتفاصيل العملية وتورطها في شراء الطفل.

هدف ثالث!

لم يكتف الفريق بهاتين المهمتين فقط فهناك امتداد للجريمة وأبعاد اجتماعية، فكان البحث هذه المرة عن والدة الطفل قاسية القلب، كهدف ثالث يكشف عن أخطر عملية للاتجار بالبشر واستغلال الطفولة، الفريق واصل عمله بهمة عالية وتوصل إلى معلومات تؤكد تورط إحدى الفتيات بالمنطقة في الحمل السفاح والتخلص من جنينها – بطل القصة – عقب ولادته وتركه عند القابلة للتصرف في أمره، الفريق ألقى القبض على الفتاة، بسرعة ووضعها في سلة المتهمين، ثم امتدت عملية القبض على متهم رابع هذه المرة كان رجلاً وكانت عملية توقيفه غير شاقة.

ماذا قالت التحقيقات.

الطفل عثر عليه بحالة صحية جيدة نوعاً ما رغم ذلك خضع للفحوصات الطبية، أنهت إدارة عمليات الخرطوم مهمة القبض بنجاح ثم انخرطت في مهمة أخرى أكثر صعوبة وهي التحقيقات، لأنها توقعت أنها ستواجه شبكة إجرامية كاملة الدسم، لكن ذكاء المحققين، قاد الأمر إلى الهدف، وبدأت تتكشف الملابسات ويزال الغموض، وتتوالى المفاجآت

طفل للبيع!

التحقيقات كشفت عن تورط القابلة القانونية في إجراء عملية ولادة داخل منزلها للفتاة والدة الطفل وتركته للقابلة في منزلها لدرء جريمتها، ببيع الرضيع إلى سيدة تقيم بحي السلمة تدعى “ع”، فيما تحمل الحروف الأولى للقابلة والفتاة “ج” وك” والشاب “م”، وذهبت التحقيقات إلى كشف قيمة بيع الطفل وهي 11 ألف جنيه، استلمتها القابلة، بيد أن المفاجأة الكبرى تمثلت في الوجهة التي كان سيغادر إليها الطفل وهي دولة عربية مجاورة، بغرض بيعه لسيدة سودانية تقيم في عاصمتها بقيمة أكبر من سعره المحلي، ولإحكام الصفقة اشترطت السيدة على القابلة استخراج شهادة ميلاد باسم رجل ووالدته السيدة المقيمة في الدولة المراد إرسال الطفل إليها، هذه الشهادة مقابل ألف جنيه خارج حساب قيمة الطفل الكلية.
إدارة العمليات الفيدرالية أنجزت المهمة في صمت وسلمتها إلى وحدة حماية الأسرة والطفل التي دونت بلاغاً وفقاً للمادة (45/أ)، وواصلت تحقيقاتها مع الشبكة لتوقعها بأن المجموعة ربما تكون قد تورطت في عمليات بيع سابقة.

بيع الأطفال عبر الانترنت!

المفارقة تقول إن الدولة التي كانت الشبكة بصدد إرسال الطفل إليها فجرت إحدى صحفها الاجتماعية أخطر قضية لبيع الأطفال حديثي الولادة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في العام 2016، تلك الشبكات الإجرامية تهدف استغلال الأطفال في عمليات التسول و بيع الأعضاء وغيرها من الأعمال غير المشروعة في الخفاء، غير أن الصادم في القضية اكتشاف موقع متكامل على الانترنت يفتح بوابة خاصة لبيع وشراء الأطفال والرضع، وينظم طرق عمليات البيع والشراء، والتواصل مع السماسرة المختلفين بطرق متنوعة سواء البريد الإلكتروني، أو الهاتف، أو حتى عبر الموقع نفسه.
ابنة السياسي الجنوبي!

لم تكن حادثة بيع طفل مايو هي الأولى من نوعها في البلاد بل سبقتها في 26 يناير، 2019، ووقتها أحبطت إدارة شرطة مكافحة الاتجار بالبشر صفقة شراء طفل حديث الولادة داخل مستشفى شرق النيل من قبل ابنة سياسي جنوبي كبير.

القضية التي فجرتها (السوداني) تقول إن فتاة وضعت طفلاً غير شرعياً داخل المستشفى وقبل مغادرتها أوصلت رغبتها لبعض النساء في التخلص من الطفل أن إحداهن تواصلت مع ابنة السياسي الجنوبي، الشهير وعرضت عليها الطفل فوافقت على شرائه مقابل”10″ آلاف جنيه.

تقرير: محمد أزهري
الخرطوم: (صحيفة السوداني)