منوعات

“ريّا وسكينة” بعد أربعين عاماً: فائض الحنين

ي عصر الحجر المنزلي المفروض على العالم بسبب فيروس كورونا المستجد، تحاول بعض المحطات التلفزيونية تقديم مجموعة من البرامج أو المسلسلات، وذلك كسبًا لجمهور احتُجِز تفاديًا للعدوى بالمرض الفتاك. اللافت، أن بعض المحطات الفضائية تحاول دائمًا اللعب على العواطف و”نوستالجيا” الناس، تماماً كما هو حال عرض مسرحية “ريّا وسكينة” قبل أيام. “ريّا وسكينة” من بطولة الفنانة الراحلة شادية وسهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وإنتاج عام 1980، إذْ تُعَرض بعد أربعين عامًا على العرض الأول على الشاشة الصغيرة.

الواضح أن النص الذي كتبه الراحل بهجت قمر، كان مخصصّا للمسرح. وحاول قمر من خلاله الابتعاد عن الميلودراما، وتقديم نسخة ملونة من السيرة الذاتية لمجرمتين سكنتا بداية القرن العشرين في مدينة الإسكندرية الساحلية في مصر. فظائع ما فعلته ريّا وسكينة في ذاك العصر، كافية لأن تخرجنا إلى مزيد من الرعب. لكن الأمر يختلف في المسرحية، رغم أن الوثائق التي ظهرت عن القصة فيما بعد، وحتى المسلسل الذي قدم سنة 2005، وأخِذَ من كتاب لصلاح عيسى بعنوان “رجال ريا وسكينة” (أخرجه جمال عبد الحميد إنتاج “العدل غروب”)، تؤكِّد على حقبة سوداء لا يمكن صبغها بألوان الحياة أو الكوميديا التي اعتمدها بهجت قمر.

المسلسل اعتمد على الجدية، وعلى عبلة كامل وزميلتها سمية خشاب، من أجل تجسيد الصورة الدرامية المقززة التشويقية لريّا وسكينة، والغوص في الدور حتى الثمالة، على عكس المسرحية التي فاضت بالعناصر الخفيفة والإسقاطات على الأمن لدرجة التهكم، كمحاولة للكاتب بهجت قمر نقل السيرة إلى جمهور حي، بقالبٍ استعراضيّ ملون.

حتى اليوم لا تزال مسرحية “ريّا وسكينة”، تعتبر صورة متكاملة عن صناعة المسرح إذا ما وضعنا جانباً الشق البوليسي التشويقي للقصة الأصلية، الأمر الذي قد يصعب شرحه للمشاهد العادي. لكن خبرة الكاتب هنا، والاتّفاق بشأن ذلك مع المخرج الراحل حسين كمال، بددت أوجه الغرق في التقليد. لنجد أنفسنا أمام قالب مُنوَّع من الشخصيات والمواقف التي تبناها الممثلون بدقة، وإسهام عوامل أخرى في التفاعل مع الناس بطريقة مباشرة، إضافة إلى الديكور والأزياء والموسيقى، ويكفي القول، أن ريّا وسكينة هي المسرحية الوحيدة التي قامت ببطولتها المطربة الراحلة شادية.

في مقابلة سابقة للممثلة سهير البابلي مع الإعلامي المصري مفيد فوزي، تعترف البابلي بأن تقاسم الأدوار بينها وبين شادية في مسرحية “ريا وسكينة” كان مجرد تبادل أدوار على المسرح. تبدي البابلي انبهارها أثناء الإجابة من حضور شادية الآخاذ، ولا تخفي رهبتها من شريكتها المطربة قبل الممثلة. تؤكد بما يدل على تواضع، أن الجمهور جاء لمتابعة أو مشاهدة شادية على المسرح. فالقصة كاملة هي ريّا (شادية) بحسب البابلي، ثم سكينة. الاعتراف هنا يؤكد على فرادة اسم وحضور شادية، خصوصاً أنَّ الأسبوعين الأولين من عرض “ريا وسكينة” لم يشهد حضوراً جماهيريًا، ما دفع المنتج سمير خفاجي إلى عرض مقاطع تظهر شادية في الإعلان التلفزيوني، ليصدق الناس أن شادية على المسرح.

لا ريب، أن صورة شادية في أذهان المتفرجين كانت تتجه إلى شادية المغنية، رغم تفوقها في التمثيل، إذْ قدمت أكثر من مئة فيلم. لكن فكرة الغناء لم تبق حلماً بالنسبة للمتابعين، إذْ عرضت المسرحية مجموعة من الأغاني المتناسبة مع القصة والطرح الاستعراضي. أغان أو حوارات تصدى لها الشاعر عبد الوهاب محمد، ولحنها الموسيقار بليغ حمدي، لتكمل نجاح وخفة هذا النوع من الأعمال المسرحية التي حققت لنفسها موقعًا متقدماً في المسرح تلك الفترة، ونافس الإنتاج السينمائي المصري، وكسبَ إطاراً جديداً من قدرة صناعة فن المسرح، والاستعانة بورشة عمل متكاملة من كاتب ومخرج، إضافة إلى إقناع نجمة جماهيرية كشادية بتقديم مسرحية يتيمة، لتختتم بها حياتها الفنية، ولا تقلل بالمقابل، من شأن شركاء النجاح، من سهير البابلي إلى الراحل عبد المنعم مدبولي، وكذلك اكتشاف مذهل لموهبة قديرة مثل أحمد بدير.

العربي الجديد