صديق الحاج أبو ضفيرة: كيف سرقوا مني الثورة؟
كيف سرقوا مني الثورة؟ قلت: “للإجابة على هذا السؤال يجب التذكير بأن الثورة قامت بمعنى من المعانى على حركة الإسلام السياسي (الكيزان) في العام 1979 الذي شهد سقوطهم في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. كانت ثورتنا عليهم غضباً عظيماً لرفعهم شعار الإسلام وهم أهل خيانة وكذب وافتراء على الله. وقام الجمهوريون بقيادة أحمد المصطفى دالي وعمر القراي بقيادة الطلاب من كل الأحزاب المتحالفة في معركة فكرية كشفت ما كان ثابتا لكل الطلاب أن الكيزان لا يمكن أن يمثلوا الإسلام وسلوكهم يتنافى تماماً مع ما يدعو إليه الدين الحنيف. وكنا نحن أعلم الناس بذلك وكنا نعلم أن الجمهوريين انتهزوا فرصة سقوط الكيزان خلقياً وفكرياً وحالفوا الأحزاب التي دافعوا عن نظام نميري ضدها بوصفه شراً أقل من شرها.
بداية الثورة بهذا المعنى إذاً كانت هي غضبنا على حركة الإسلام السياسي في ذلك العام. وفي الجانب المقابل كانت بداية الثورة هي إسقاط الأحزاب المتحالفة بقيادة الجمهوريين نفس الحركة في انتخابات اتحاد الطلاب. إن هذه هي صورة ما حدث في 11 أبريل 2019 الماضي مع فارق أن السلطة التي تم الحصول عليها بمشاركة الجمهوريين هي سلطة الدولة لا سلطة الاتحاد وإن أخذت ممارسة السلطة والصراع عليها نفس شكل صراع الطلاب في الجامعات بعد استيلاء الكيزان على سلطة الدولة بانقلاب يونيو 1989.
إذاً فحين ثار تحالف الأحزاب بقيادة الجمهوريين على الكيزان في العام 1979 وسقط هؤلاء في انتخابات الاتحاد كانت ثورتنا نحن عليهم غضباً عظيماً واستنكاراً جلياً ولكن حين أسقطهم تحالف الأحزاب والجمهوريين في أبريل من العام الماضي كنا نحن قد مضى على قيادتنا الثورة 38 عاماً فقد بدأ تحركنا الثوري وبدأت الثورة فعلاً ضد الجمهوريين بعد عودتي من فرنسا في مايو 1981 وقيامي بمحاورة أتباع محمود محمد طه بجامعة الخرطوم وفشلهم في الإجابة على سؤالي لهم وقيام أحدهم بدعوتي إلى لقاء محمود في بيته بالثورة للحوار معه. فشل محمود محمد طه كذلك في استكمال الحوار كما فشل أحمد المصطفى دالي بل أبى مواصلة الحوار في حضور ثلاثة طلاب من جامعة الخرطوم هم د. الحبر عوض حسن والأستاذان أرباب جابر حامد والطيب نور الدائم.
كان محمود محمد طه والجمهوريون في تحالف معروف مع جعفر نميري ضد الأحزاب كما سلف القول. وكانت أفكار محمود هي أسوأ الأفكار على الإطلاق بزعمه أن من يحساسب الناس يوم القيامة إنسان هو الله الإنسان الكامل مما استلزم التصدي له فكرياً. فلما فشلوا في الإجابة علينا واستكبروا وقطعوا الحوار اتجهنا بأبصارنا إلى من يجب عليه إيقافهم عند حدهم بمحاكمتهم بالردة فوقعت أبصارنا على حليفهم جعفر نميري. وكان الكيزان كذلك حلفاء لنميري بعد مصالحته في العام 1977 وخرجوا له في العام 1983 في مسيرة مليونية بزعمهم أنه حكم بالشرع الإسلامي. غضبنا نحن مما فعله نميري والكيزان بادعاء العمل بالأحكام الشرعية وخرجت أنا عليه لاجتزائه الأحكام الشرعية ودخلت زنزانة بسجن كوبر في أكتوبر 1983. وغضب محمود محمد طه الذي كان يرى أن الرسالة الثانية للإسلام هي الدين وكتب منشوراً دخل بسببه سجن كوبر كذلك. كما غضب الصادق المهدي الذي كان يرى أن تطبيق الحدود يلزم أن يسبقه إصلاح اقتصادي واجتماعي ودخل سجن كوبر بالمثل.
كانت تلك هي بداية الثورة بقيادتنا نحن منذ العام 1981 وقد جمعت الأطراف التي ثرنا عليها في العام 1983 وهي محمود محمد طه والجمهوريون وحركة الإسلام السياسي (الكيزان) وجعفر نميري والأحزاب التي حكمت من قبل ولم تعمل بأحكام القرآن الكريم. واستمرت ثورتنا ضد جعفر نميري والأحزاب حتى أسقطته هذه في 6 أبريل 1985 في مثل هذا اليوم الذي شهد بداية الاعتصام في الثورة التي سرقوها مني وأفشلوها فلا تستطيع أن تدعي – اليوم على وجه الخصوص – أنها ثورة لديها سلطة فالجيش في الطرقات والسلطة للعسكر رغم أنف الثوار. ويستخدمونها لمنع الثوار من الوصول إلى القيادة والاحتفال بعام الثورة خشية استئناف الثورة بعد ما حدث بفض الاعتصام وقبل ذلك بعد ما حدث بعد أن سرقتها الأحزاب وضحكت على الثوار.
أما الثوار فقد سرقت الأحزاب منهم الثورة وأما نحن في القيادة التأريخية للثورة فقد عصى الثوار توجيهاتنا وأسلموا قيادة الثورة لتجمع المهنيين الذي حالف الأحزاب وأجهض الثورة. إذاً فالنتيجة هي أن الثورة قد تمت سرقتها من قيادتها التأريخية وهي نحن منذ العام 1981 وبعد سبتمبر 1983. إلا أن لسرقة الثورة من قيادتها التأريخية تفاصيل أوفى. لقد تمت سرقة الثورة منا في دار أساتذة جامعة الخرطوم بعد أن قام بعض أعضاء تجمع المهنيين بتقديمنا للقيادة وظهورنا في صدر مجموعة أساتذة المبادرة الذين قاموا بقيادتي أنا بتحرير بيانها الأول في 27 ديسمبر 2019. قدمني عضو تجمع المهنيين الأستاذ منتصر الطيب لأظهر في صدر صورة مجموعة أساتذة المبادرة وظهر هو عن يساري وعن يميني عضو تجمع المهنيين الأستاذ محمد المصطفى أحمد يوسف.
تلك هي الصورة التي تناقلتها كل الصحف الإلكترونية والقنوات الفضائية مع الأخبار التي تم نقلها بواسطة المراسلين من صفحتي بفيسبوك فقد كنت أول من أخبر عن اعتقال بعض أساتذة المبادرة وإهانة كل الأساتذة وحصارهم في دارهم زمناً طويلاً. وكتبت قائلاً إن إهانة الأساتذة كانت أول مؤشر إلى سقوط النظام الوشيك. كنت أنا قائد الثورة والناطق بلسانها بشهادة الجميع وتوثيق الصحف والقنوات الفضائية. واتصلت بي إذاعة لندن مرتين لإجراء حوار بعد أن قام ناشطون بإعطائهم رقم هاتفي. إلا أن تجمع المهنيين كان قد نجح قبل 27 ديسمبر بيومين في إخراج الناس إلى الشارع في مسيرة 25 ديسمبر بعد ستة أيام من مظاهرة عطبرة في التاسع عشر من الشهر نفسه. وكنت أنا القائد الوحيد الذي نزل إلى الشارع في مسيرة 25 ديسمبر وتحدثت مع الجماهير بالقرب من مسجد الخرطوم الكبير مستنكراً إغلاق بوابته الجنوبية الغربية لمنع المصلين من الاشتراك في المسيرة بعد صلاة الظهر. وما زلت أحتفظ بالجنزير والطبلة التي قام المصلون بكسرها للدخول. وخاطبت بفيسبوك تجمع المهنيين والأحزاب في نفس اليوم داعياً إياهم إلى الوحدة في جماعة واحدة للقضاء على الكيزان بما أمر به الله تعالى من قتلهم لفسادهم في الأرض إلا إن تابوا قبل الانتصار عليهم. لم يسمع تجمع المهنيين نصيحتي وقام في أعقاب ذلك بتوقيع إعلان الحرية والتغيير مع الأحزاب التي سرقت الثورة منا ومن الثوار.
من أهم تفاصيل قيادتنا التأريخية الثورية نشاطنا الفكري بالمقالات والخطب والندوات والكتب والرحلات الدعوية إلى شمال ووسط وشرق وغرب البلاد طيلة الثلاثين عاماً التي حكمتها حركة الإسلام السياسي المنافقة. وكانوا هم قبل ذلك منذ العام 1983 وحتى 1988 أشد أعداء ثورتنا عليهم. وهم الذين أبوا الاسترشاد بهديها وضلوا بهذا الشأن واستكبروا وحاربوا دعوتنا إلى الله تعالى. إلا أن سرقة الثورة مني بالفعل قد حدثت بصورة تلقائية في مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم بدار الأساتذة وبصفحة المبادرة بواتساب ثم تيليجرام حين لم يقم الأساتذة بتسليمنا القيادة وبانحيازهم الظاهر لقيادة تجمع المهنيين بوصف الأساتذة مهنيين كذلك.
ومن أشهر زياراتي الدعوية الثورية خارج الخرطوم تلك التي قمت بها إلى النيل الأبيض وشبشة والدويم في فترة حكم الصادق المهدي في العام 1988. كان عدد مقدر من طلاب مدرسة النيل الأبيض الثانوية قد أبدى وقوفه معي في خطبة بالمسجد من أجل إزاحة حكومة الأحزاب غير الشرعية التي دخلها الكيزان معارضين بزعمهم ومبدلين نهج الإسلام للتغيير ألا وهو الدعوة والصبر أو الجهاد وسائرين في طريق حركة الإسلام السياسي الضالة المقيتة. واليوم السادس من أبريل يعترف الثوار بأنهم ليست لديهم ثورة ولا سلطة والجيش في الشارع يمنعهم الوصول إلى القيادة خشية استئناف الثورة التي سرقتها منا ومنهم الأحزاب التي لا يرضون بها ولا نرضى بها نحن قبلهم بفضل الله تعالى.
د. صديق الحاج أبو ضفيرة
الجن بدأوا كعب الاندراوا
تستاهل يسرقوا منك الثورة