جدلية العسكر والمدنيين .. قراءة في تصريحات البرهان
للمرة الثالثة منذ تقلده رئاسة المجلس السيادي في اغسطس من العام الماضي – يجدد الفريق اول عبدالفتاح البرهان اتهاماته لجهات لم يسمها بمحاولة تشكيل خلايا داخل المنظومة العسكرية بالبلاد . البرهان الذي كان قد وجه ذات الاتهامات في حوارٍ تلفزيوني له نُشر بعدة مواقع الكترونية في يوليو من العام الماضي، في الاسبوع الماضي – وبالتحديد في لقاء الجمعة بالخرطوم مع قيادات الجيش – عاد ليطلق ذات الاتهامات مرة اخري، غير انه اكد هذه المرة ان المنظومة :” لم تزل متماسكة” وانها على” قلب رجل واحد” قبل ان يتوعد بحسم مثل هذه الظواهر. ولكن قبل ان تمر عدة ايام على ذلك فاجأ البرهان جماهير الشعب السوداني للمرة الثالثة مجددا اتهاماته التي حُفظت على ظهر قلب.
محاولات اختراق
بالامس القريب – وفي تسجيل مصور لمقابلة اجراها مع التلفزيون القومي السبت الماضي، أتهم البرهان احزابا سياسية بتشكيل خلايا داخل المنظومة العسكرية بالبلاد . البرهان لم يكتف بذلك فقط – بل فجر قنبلة من العيار الثقيل وألمح الى ان: كل الانقلابات التي جرت بالسودان لم تقم بها القوات المسلحة من تلقاء نفسها. في خطوة اعتبرها مراقبون ادانة صريحة للقوى السياسية .
وفي رد له حول ما يثار بشان محاولات تغلغل احزاب وتنظيمات سياسية في المنظومة الامنية والمؤسسة العسكرية اكد البرهان: ان هنالك بعض الجهات تحاول ان تتصل وتتواصل مع بعض منسوبي المؤسسات العسكرية. دون ان يكشف القناع حول هوية تلك الجهات. وكان البرهان قبل ذلك قد أعلن : انهم لم يسمحوا لاي جهة بان تحاول اختراق المنظومة الامنية في البلاد والمزايدة والتشكيك في قوميتها وولائها للوطن.
وفي الاجتماع الذي ضم وقتها النائب الاول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق اول محمد حمدان دقلو، واعضاء المجلس : الفريق ركن ياسر العطا، والفريق مهندس ابراهيم جابر، اضافة لرئيس هيئة الاركان الفريق اول ركن محمد عثمان الحسين – أعلن البرهان ان المنظومة العسكرية : “علي قلب رجل واحد” .
من دفاتر التاريخ
حديث البرهان عن اختراق الجيش او حتى مشاركة القوى السياسية في الانقلابات التي شهدتها البلاد خلال الست عقود الماضية تعززه بالطبع بعض الوقائع التاريخية ؛ فمنذ ان نالت البلاد استقلالها حرصت الكثير من الاحزاب على ضرورة ايجاد موطئ قدم لها بداخل المنظومتين العسكرية والامنية . هذا الحرص توج لاحقاً بنجاح الجبهة الاسلامية في اختراق الجيش ثم تنفيذ انقلابها بقيادة المخلوع عمر البشير . ويرجع الدكتور منصور خالد في كتابه ” اهوال الحرب، طموحات السلام ..قصة بلدين ” يرجع تدخل الجيش في السياسة الي عدة عوامل منها : دعوة الزعماء السياسين لقادة الجيش بالانقضاض على السلطة الديمقراطية، او مباركتهم وتأييدهم للانقلابات – بجانب بوادر الخلافات التي تظهر من وقت لاخر بين القوي السياسية والتي تمنح الجيش المشروعية والضوء الاخضر لتنفيذ الانقلابات تحت دعاوي الحفاظ على الامن ووضع حد لتك الصراعات التي تضر بمصالح البلاد . و يستحضر “منصور” عدد من الاحداث والنماذج للتاكيد على صحة مايذهب اليه .
ففي اول انقلاب شهدته البلاد –سلم رئيس الوزراء عبدالله خليل مقاليد السلطة للجنرال عبود حتى يقطع الطريق امام القوى السياسية المناهضة لسياساته . اما في الانقلاب الثاني الذي نفذ في العام 1969 – والذي عرف في الادب السياسي بانقلاب مايو فقد تم بدعم مباشر من بعض قادة اليسار والقوميين العرب . ولو ان الانقلاب كان قد وجد رفضا واسعا وسط القوي السياسية غير انها اضطرت في نهاية الامر الي تاييده ومباركته . وكان من ضمن المؤيدين مثلما يذكر “منصور” زعيم حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي الذي أيد فكرة ترشيح قائد الانقلاب المشير جعفر النميري لفترة رئاسية ثالثة فيما تعهد لاحقا بالعمل تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي ؛ الحزب الوحيد الذي كان مصرحا له بممارسة النشاط السياسي.
اما في انقلاب 89 – فقد كانت بصمة الجبهة الاسلامية واضحة للغاية . وعلى الرغم من ان الجبهة كانت قد انكرت صلتها بالانقلاب غير انها اعترفت به في نهاية المطاف وأعلنت : ” انه من بنات افكارها ” .
خلايا وسط الجيش
ترفع معظم القوى السياسة شعار ابعاد الجيش عن السياسية وتدعو الى الاحتكام لصناديق الاقتراع ولكنها تسعى في ذات الوقت الى التغلغل وسط المنظومات الامنية و العسكرية ؛ هذا بالتأكيد ما تعززه ظاهرة الانقلابات المتكررة . فيما تعترف قوى أخرى من حين لأخر بوجود عناصر لها وسط تلك المنظومات . و يبدو ذلك واضحا في حديث القيادي بالبعث محمد ضياء الدين الذي كان قد اعلن في حوار تلفزيوني في وقت سابق ” ان لحزبه وجود داخل الجيش، الامن، وكل القوى الاجتماعية ” غير انه يستبعد وجود اية نوايا انقلابية .
ويجزم ضياءالدين : ” لو كنا نريد الانقلاب لقمنا به ولاستلمنا السلطة بالتلفون، وهو ذات الحديث الذي قال انهم كانوا يرددونه في عهد البشير . ولما بادره المحاور بالسؤال : ” كيف تستلمون السلطة بالتلفون ” .اجاب ضياء : ” لاننا كنا نمتلك الكادر العسكري المؤهل المستلم كل الوحدات تقريبا. ويقر :ان كل القوى السياسية تمتلك وجودا داخل المؤسسة العسكرية ” .
قراءة في تصريحات البرهان
تجديد البرهان لاتهاماته لاكثر من ثلاث مرات، وفي سياقات زمنية مختلفة خاصة مع المام السودانيون بخبايا تاريخ السياسة السودانية تؤكد بالطبع اما ان الرجل بات يتخوف من وقوع انقلاب على حكومته، او انه يعمل على تهيئة الاوضاع لنفسه حتى يتسنى له الوقت للانقاض على السلطة التي اضعفتها الصراعات الحزبية، وكلا الاحتمالين مرجحان في الوقت الراهن، ولايمكن ترجيح كفة احدهما على الاخر في ظل الغموض الذي بات يكتنف الاوضاع بالبلاد، وبالتالي فانه قصد من وراء تصريحاته : اما تحذير القوي التي تسعي الي الانقضاض على السلطة او اختبار ردود افعال الراي العام – هذا مايؤكده المحلل السياسي د/ عبدالرحمن ابو خريس الذي يقول :اولا : الشارع الان مغبون ومحتقن، ويمكن ان ينفجر تحت اية لحظة، والاوضاع التي شهدتها البلاد موخراً والتداعيات التي نتجت بسبب فض الاعتصام وتفاقم الازمات ساعدت في تشكيل راي عام سالب ضد المنظومة الامنية والعسكرية بشكل عام –ولهذا ربما بدأ البرهان يبدي مخاوفه من ان يقوم المدنيين باستغلال تلك الاوضاع والشروع في تنفيذ الانقلاب ” وعندما يجدد البرهان اتهاماته لثلاثة مرات فهذا يعني : اما تحذير اي ” نحن نرصدكم ونراقب تحركاتكم ” او مناشدة : اي دعنا نعمل سويا لعبور هذه المرحلة وعدم تكرار تجربة الحركة الاسلامية مرة اخرى. وحول هوية الاشخاص او الجهات التي يعنيها البرهان يقول ابو خريس في حديثه ” للجريدة” : ” هي رسالة مزدوجة، تستهدف كل من انصار الدولة العميقة او حتى بعض شركاء البرهان في الحكم “.
ويضيف : ” وباعتبار ان البرهان هو رئيس البلاد، ومن واجباته حماية الثورة فانه ملزم بكشف اية جهة تسعي الي اختراق المؤسسة العسكرية وتقديمها للمحاكمة ” .
ثانيا – والحديث لابو خريس : ” ربما ايضا قصد البرهان من تصريحاته تهيئة الظروف لنفسه حتي يتمكن من الانقلاب على السلطة، وبالتالي فانه يهدف في المقام الاول الى اختبار ردود افعال الراي العام او حتى جس نبضهم ” حتى يقرر اي الخطوات يمكن خطوها .
وفي تفسيره لظاهرة الانقلابات العسكرية واحتماء القوي السياسية بالمنظومات الامنية يقول : ” معظم القوى السياسية لا تمتلك الاغلبية التي تمكنها من تشكيل الحكومة في حال تم اجراء الانتخابات لهذا فانها تلجأ الى اختصار الطريق والاستنصار بالعسكر ” موجها انتقاداً لاذعاً للقوى السياسية التي أعاب عليها عدم تقيدها بالقيم الديموقراطية لجهة انها لا تمارس الديمقراطية حتى على مستواها الداخلي .
والمخرج بالنسبة لابوخريس يكمن في التوافق على مشروع سياسي يفضي الى تكوين حكومة بادارة مدنية عسكرية على ان يكون المدنيين تكنوقراطاً – حكومة قائمة على شراكة حقيقية وليست كالحكومة الماثلة الان . وذلك حسب ابوخريس يرجع لعدم قدرة القوى السياسية على ادارة البلاد او العبور بها الي بر الامان نسبة لتعقدات الازمة السودانية وتشعباتها بجانب خلافاتها الايدلوجية والفكرية . ويردف : ” اذا الوضع ماشي بالشكل دة الفترة الانتقالية حتضيع ساي ” حسب تعبيره . مطالبا بضرورة تماسك قوى الثورة من مدنين وعسكر وتغيب مصلحة الوطن على المصلحة الحزبية . ويرى ابو خريس ان حكومة الثورة لم تحقق الكثير طوال الفترة الماضية مدللا على ذلك بالتدهور الاقتصادي، والغلا، وانعدام الخبز والوقود .
أحمد داوود
صحيفة الجريدة
المنظومة العسكرية والجيش تحديدا أكثر تماسكا مليون مرة من المنظومات السياسية في السودان وخبرتها في الحكم والإدارة والسياسة أكبر 90 مرة من خبرة المنظومة المدنية في الحكم حسب فترة الحكم لكل، وتصوير الجيش كجهة مفككة متصارعة يضر بسمعته ويشجع عليه الأعداء في الداخل والخارج.
حزب البعث سقط في العراق وأعدم رئيسه والحزب الشيوعي سقط في السودان والاتحاد السوفيتي السابق مسقط رأسه والناصرية القومية العربية سقطت في مصر وكلهم يبحثون عن انقلاب يعيدهم للواجهة في هذا المكان السانح.
عبدالفتاح البرهان فقد البوصلة وهو يتخبط وكأن به مس من شيطان ولا يدرى كيف يتصرف ونراه الآن وقد أصبح قحطاوياً أكثر من القحاطة أنفسهم … هذا الرجل هو من أورد السودان وشعبه مورد الهلاك بتسليمه رقاب 40 مليون سودانى للجهة الخطأ والأحزاب الخطأ وهي أحزاب الأقلية اليسارية العلمانية المارقة من شيوعيين وبعثيين وناصريين وجمهوريين وهؤلاء جميعاً لا يمتلكون الشرعية الشعبية فى الشارع وكل عضوية تلك الأحزاب هم أعضاء مكاتبها السياسية لا غير … إن تلك المُسماة بأحزاب ما هي إلا مجرد لافتات بدون جماهير … هذا المدعوا بعبدالفتاح إنبطح وإنبرش لتلك القوى اليسارية العلمانية لأنه هو ومعه حميدتى والكباشى والعطا هم المتهمين الرئيسيين فى قضية فض الإعتصام وقتل المئات من الشباب … تمت مساومة سياسية خبيثه داخل صوالين ودهاليز وغرف المساومات السيسية بين عبدالفتاح وحميدتى والكباشى والعطا وبين قوى الحرية والتغيير وحكومة حمدوك على طمس تلك القضية وعدم حسمها وذلك لصالح العسكريين مقابل أن ينبرش العسكريين لتلك الأحزاب وتلك الحكومة بأن لا يُعارضونها فى ما تتخذه من قرارات ومهما كانت حيث أعطى العسكريين القوى اليسارية العلمانية شيك على بياض ليفعلوا ما يريدون بالبلد وبالشعب مقابل أن يحافظ العسكريين على رؤوسهم فوق رقابهم بأن لا يتم تقديمهم لمحاكم بتهمة مجزرة القيادة … لهذا نرى لجنة عمنا نبيل أديب وهي تلعب لعبه قردية وتحاول تمديد الفترة الممنوحة لها لتقصى الحقائق فكلما إنتهت مدة يتم تجديد مده أخرى لها … يُراهن عبالفتاح وحميدتى والكباشى والعطا وحمدوك وقادة أحزاب الحرية والتغيير يراهنون على الزمن ويتوقعون بأنه كلما مر المزيد من ذلك الزمن سينسى شباب الثورة قضية مجزرة القيادة وقتل زملاؤهم فيها … نحن نرى مُراهنة العسكريين وحكومة حمدوك وأحزابها على الزمن وقد نجحت حيث لم نعد نسمع الهتافات التى كانت تقض مضاجع عبدالفتاح وحميدتى والكباشى والعطا والذى يقول ( الدم قصادو الدم ما بنقبل الدية ) حيث كانت تلك الهتافات تصل لهؤلاء العسكريين داخل مكاتبهم فى القيادة وفى القصر الجمهورى وكانوا حينها يتحسسون رقابهم وكأن المشانق مُلتفه حولها !!!