تحقيقات وتقارير

كورونا السودان … أخطاء فادحة في القطاع الصحي


لا يخشى السودانيون انتشار كورونا على وجه خاص، بل الضياع في تعامل وزارة الصحة والحكومة مع الفيروس. ويبدو أن الجهات المعنية لم تستعد كما ينبغي للمواجهة من خلال توفير أماكن العزل وأدوات الوقاية اللازمة، وبالتالي قد تكون التداعيات خطيرة

يشهد السودان في الوقت الحالي سجالاً حاداً حول تقييم أداء السلطات الصحيّة في مواجهة فيروس كورونا، والإجراءات الوقائية التي اتخذتها للتقليل من حدة تفشي الفيروس. وينقسم الأطباء والمواطنون بين مؤيد ومعارض لكل تلك التدابير.

وكان السودان قد استبق ظهور أول إصابة بالفيروس من خلال إغلاق الجامعات والمدارس، ومنع التجمعات، وحظر دخول القادمين من دول موبوءة إلا بعد إلزامهم بالحجر الصحي. كما نُشِرت فرق طبية في المطارات وكافة المعابر البرية والبحرية، للتأكد من عدم دخول أشخاص مصابين.

إلا أنّ تلك الإجراءات لم تمنع وصول الفيروس إلى البلاد، وقد ظهرت أول حالة إصابة في 12 مارس/ آذار الماضي لرجل قدم من الإمارات وتوفي لاحقاً في الخرطوم. وبعد أيام من الحادثة، لجأ السودان إلى إغلاق كل المعابر البرية والجوية والبحرية. ومع تزايد حالات الإصابة، اتخذ قراراً جديداً بفرض حظرتجول جزئي من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة السادسة مساء، ثم فرضت ولاية الخرطوم حظر تجول شاملا، مع منح المواطنين ساعات محدودة للتزود باحتياجاتهم. وحصل العاملون في القطاعين العام والخاص على إجازة العمل طوال أيام الحظر.

وعلى الرغم من الإجراءات والتدابير، وصلت أعداد المصابين، بحسب آخر إحصائيات وزارة الصحة، إلى 8316، فيما بلغ عدد المتوفين 506 والمتعافين 3086. وسجلت ولاية الخرطوم 6360 حالة إصابة، تلتها ولاية الجزيرة بـ 738 إصابة، بينما توزعت الإصابات الأخرى على 16 ولاية.

ويأخذ كثيرون على وزارة الصحة وقوعها في أخطاء عدة منذ بدء تفشي المرض، على غرار المواطن عثمان بشير. يقول لـ “العربي الجديد” إنه بعد إصابة طفله بالفيروس، لم يجد مستشفى يستقبله وقد أغلقت غالبيتها أبوابها لحماية طواقمها الطبية، مشيراً إلى أن طفله أصيب بالتهاب حاد، وكل ما كان يحتاجه هو الأوكسجين. ويوضح أنه لم يجد سريراً فارغاً، ما اضطرهم إلى إعطائه الأوكسجين داخل سيارة خاصة، بينما بحث الوالد عن أدوية إضافية في أكثر من 15 صيدلية في ظل شحها.

يضيف بشير أنّه بعد أسابيع، عانى من المشكلة نفسها واحتاج إلى أوكسجين، فاضطرت الأسرة إلى تأمين الأوكسجين في المنزل، موضحاً أن السياسة التي اعتمدتها وزارة الصحة أدت إلى وفيات عدة نتيجة الإصابة بأمراض مختلفة. وكان من الممكن إسعافهم لولا المشاكل المتعلقة بقرارات وزارة الصحة في ما يخص العلاج وتأمين الأدوية.

لكن في الوقت نفسه، يقول إن الحكومة لا تتحمل كل المسؤولية لما يحدث الآن كون الوزارة هي تركة النظام السابق الذي ساهم في تدهور القطاع الصحي في البلاد. إلا أن السياسات الأخيرة للسلطات الصحية زادت الطين بلة، إضافة إلى سوء الإدارة والصراعات المستمرة التي كان وزير الصحة أكرم علي التوم جزءاً منها. وطالب بشير الوزارة بمراجعة استراتيجيتها الكلية التي اعترف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بوجود أخطاء فيها، وإصدار قرارات جديدة تعيد فتح كل المرافق الصحية.

ولم يكن ما عاشته أسرة سودانية أخرى مختلفاً كثيراً عن معاناة عثمان بشير. يقول محمد عابدين إن شقيقته توفيت بعدما رفضت كل المستشفيات استقبالها. ويوضح لـ “العربي الجديد” أن الأطباء، وبعد اشتباههم بإصابتها بفيروس كورونا، خافوا من انتقال العدوى إليهم، وغادروا المستشفيات، ما أدى إلى وفاتها، محملاً وزارة الصحة المسؤولية.
وتناقل كثيرون قصصاً مشابهة على وسائل التواصل الإجتماعي، عازين ما يحدث إلى القرارات الحكومية. كما انتقد الناس قرار الحظر وفتح المطارات.

إلى ذلك، يلخص الطبيب هيثم محمد، في حديث لـ “العربي الجديد” الأزمة قائلاً إن تخبّطاً يومياً لازم عمل وزارة الصحة ووزيرها، موضحاً أن ذلك يتجلى في التردد في فتح المطارات أو إغلاقها، والبطء في الاستجابة للإنذار، والتلكؤ في تجهيز أماكن للعزل بعد إعلان ظهور فيروس كورونا في العالم.

يضيف محمد أن الكوادر الصحية العاملة في المستشفيات لم تجد الحماية الكافية من خلال توفير أدوات الوقاية، ما أدى إلى إلى اتخاذ الكثير من الكوادر الطبية قراراً بالتوقف عن العمل لحماية أنفسهم وأسرهم. كما أن الوزارة لم تنظّم حملات استباقية للتوعية بكورونا. ويحمّل وزارة الصحة المسؤولية قائلاً إن فرض حظر التجوال الشامل لم يتم تطبيقه بالصورة الصحيحة في ولاية الخرطوم، بل كان هناك تساهلاً. وظلت حركة المواطنين في الشوارع والأسواق كما هي، مؤكداّ أن السياسات الخاطئة قادت في النهاية إلى انتشار كبير للفيروس.

ويتفق المدير العام المكلف بإدارة معمل الصحة القومي (إستاك) أبوبكر إبراهيم أحمد (الذي استقال لاحقاً) مع ما قاله هيثم محمد، خصوصاً في ما يتعلق بغياب الاستراتيجية والخطط في إدارة الأزمة، لافتاً إلى أن القرارات تتخذ عشوائياً من دون أي مراعاة للتركيبة السكانية والوضع الاقتصادي والمعيشي. ويوضح أحمد لـ “العربي الجديد” أنهم اقترحوا على الوزير خطة متكاملة تتضمن كيفية تنفيذها ومتابعتها لكنه لم يعتمدها. وتشمل اعتماد العزل والتفريق بين المرضى وتقسيمهم إلى ثلاث فئات: الأولى هي لأصحاب الأمراض المزمنة، والثانية للمشتبه بإصابتهم بكورونا، والثالثة للمصابين بها، على أن تعامل كل فئة بطريقة محددة، لكن من دون استجابة. ويشير إلى أن الوزير أكرم علي التوم سمح في مرة من المرات، وبخطأ فادح، بدخول أشخاص قادمين من الخارج إلى البلاد على الرغم من رفض إدارة الوبائيات، ما أدى في النهاية إلى إقالته.

يضيف أن الوزارة فشلت بصورة واضحة في الاستفادة من الدعم الخارجي والداخلي الذي حصلت عليه، ولم تصرفه في وجهته الصحيحة، حتى أنها لم توفر الملابس الوقائية للعاملين في المستشفيات. بالتالي، لم يكن غريباً إصابة 700 من الأطباء والكوادر الصحيّة الأخرى. كما أن الحكومة لم تدعم المواطنين بالكمامات التي ارتفع سعرها من جنيه واحد (0.018 دولارات) إلى 40 جنيها (0.7 دولارات). وعقب فرض الحظر الصحي، لم تراع الحكومة الفئات الضعيفة التي تجمع رزقها يوماً بعد وتزيد عن 80 في المئة من الشعب السوداني.
ورداً على الانتقادات، يرى المدير السابق لإدارة الرصد والمتابعة والتقييم والمشرف العام على غرفة الطوارئ المركزية لمرض كورونا في وزارة الصحة بولاية الخرطوم، محمد نقد الله، إنه “من المجحف الحكم على وزارة الصحة التي تواجه عدواً مجهولاً على غرار كل بلدان العالم. وما زالت الأبحاث جارية لتحديد طبيعة الفيروس وكيفية الوقاية منه وعلاجه”.

يضيف نقد الله لـ “العربي الجديد”: “أولئك الذين يتحدثون عن غياب أي استراتيجية مخطئون في ظل عدم وجود استراتيجية ثابتة في أي بلد حول العالم، إضافة إلى منظمة الصحة العالمية. ويرتبط الحديث عن الأوليات بوجود ثوابت في مواجهة فيروس كورونا، مشيراً إلى أن الحديث عن توفير الدعم الغذائي للمتضررين من الحظر ليس ضمن مسؤوليات الوزارة بل هو من مسؤولية جهات أخرى اجتهدت بمساعدة منظمات المجتمع المدني وأهل الخير.

وفي ما يتعلق بكيفية تعامل وزير الصحة مع العاملين معه والتهديد بإقالتهم بين الحين والآخر، يقول إن على الجميع أن يدركوا أن التعامل مع الأوبئة وحالات الطوارئ تختلف عن الأمراض الأخرى وتتطلب قرارات حاسمة وسريعة. يضيف أنه لا يمكن اتباع الأسلوب الكلاسيكي والبيروقراطية في الإدارة، وتجاوز كل المدارس القديمة في الإدارة. يشير إلى أن عدم حزم القوات الأمنية في ما يتعلق بفرض حظر التجول مرده إلى غياب الرؤية إضافة إلى التعاطي مع فيروس جديد.

وكان عشرات الصيادلة في السودان قد نظموا في وقت سابق وقفة احتجاجية للتنديد بعدم توفر الأدوية في ظل تفشي فيروس كورونا. ورفع المحتجون لافتات كتب على بعضها “انعدام الدواء يقتل في صمت”، و”الدواء حق لا مكرمة” وغير ذلك. كما سلم منظمو الوقفة الاحتجاجية، مذكرة إلى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، للمطالبة بضرورة توفير الدواء، في ظل جائحة كورونا.

الخرطوم – عبدالحميد عوض
العربي الجديد