محمد عثمان إبراهيم: مع السلام وضد الاتفاقيات ١-٢
وقعت حكومة الإنقاذ المعزولة عشرات الإتفاقيات التي سميت زوراً وبهتاناً بإتفاقيات السلام ولم تكن جميعها إلا حيل لإقتسام السلطة من وراء ظهر الجماهير ودون تفويض شعبي بذريعة الترتيبات الإنتقالية.
وفيما عدا اتفاقية (نيفاشا) والتي جاءت كصيغة لإقتسام البلاد كلها بين طرفين متحاربين برعاية دولية فإن سائر الإتفاقيات المزعومة الأخرى لم تترك أثراً على الأرض، كما إنها جميعها لم تحقق السلام على الإطلاق حتى بين السودان وجنوب السودان الذي يلتقي قادته في الصالات المضاءة بالإبتسامات فيما يخبيء كل منهم خنجره تحت ثيابه.
كانت كل اتفاقيات السلام التي وقعتها حكومة الإنقاذ منذ اتفاقية الخرطوم للسلام مع المتمردين المنشقين عن حركة جون قرنق وحتى توقيع اتفاقية السلام مع حركة الصادق فكة (٢٠ عاماً) في سبتمبر ٢٠١٨م مروراً بإتفاقيات أبوجا وأسمرا والقاهرة والدوحة أكاذيب وحيل إعلامية تخفي وراء الصورة الزاهية قدراً هائلاً من العبث واللامبالاة والخيانات والمؤامرات والدسائس.
كانت اتفاقية أبوجا ونقضها لعبة من دبلوماسيي الحركة الشعبية وحلفائهم في الإتحاد الأفريقي، وكانت اتفاقية أسمرا هي مجرد بند ضئيل الأهمية ضمن اتفاق كبير لتطبيع العلاقات بين نظامي البشير وأفورقي، وكانت اتفاقية القاهرة ملهاة مضحكة إذ تم التوقيع على الاتفاق قبل انتهاء التفاوض وأكمل الطرفان مفاوضاتهما في الخرطوم، وكان اتفاق الدوحة مسرحية تهريج مكتملة الأركان حيث تم تشكيل الحركة المتمردة (التحرير والعدالة) بزعامة الدكتور التجاني السيسي وكتابة وثائقها التأسيسية وجمع قادتها وتوزيع مهامهم ثم توقيع الاتفاق معهم في الدوحة ذاتها.
***
كانت الإنقاذ انقلاباً حزبياً تحول الى حكومة نخبة حديثة التكوين ذات مخاوف مشتركة ومصالح متشابكة ولذلك فإنها حرصت على الحصول على اتفاقيات سياسية متناثرة ومحدودة الأثر بحيث لا تشكل أطرافها خطراً جدياً على سلطتها وألا تتجاوز تحقيق تحالف عابر وإنتهازي مع الخصوم.
إضافة الى ذلك وقعت الإنقاذ عدداً من الإتفاقيات مع أفراد أسسوا تنظيمات كرتونية في الخارج فقدمت لهم فتات وظائف صغيرة كفلت لهم مصادر رزق رخيصة مقابل الصمت.
***
سقطت حكومة الإنقاذ وجاء حكام جدد أسوأ تدبيراً وأقل التزاماً باستحقاقات الإنتماء الشريف للتراب الوطني للأسف!
ابتدأ هؤلاء من حيث انتهى حكام الإنقاذ وبدأوا التفاوض في جوبا مع حركات كرتونية في غالبها تتأسس من جديد وتعاد تشكيلاتها بحيث يحقق التوافق معها تحالفات سياسية جديدة لكن خطورتها المائلة هذه المرة أنها تتأسس على قواعد عرقية وجهوية تحاول تفتيت النواة الصلبة للطبقة الحاكمة منذ الإستقلال.
التحالف الجديد الذي يحاول هزيمة النخبة التأريخية هو تحالف اللاتوافق الذي يفتقر الى عوامل التماسك الداخلية مما يهدد بقاء الدولة كلها إن وصل إلى السلطة، ويهدد استقرار الأنظمة الهشة في دول الجوار.
***
هب أنه قد تم توقيع اتفاقيات سلام نهائية مع كل مواطن سوداني مقيم في جوبا بصفة سياسي، هل هذا يعني فعلاً تحقيق السلام في السودان؟
لا، لأن هذه الإتفاقيات – ببساطة شديدة – ليست اتفاقيات مع خصوم وإنما هي اتفاقيات مع حلفاء (متبطلين) ينتظرون توظيفهم في وظائف سياسية لا تشترط في المتقدمين لها التأهيل أو الكفاءة أو حسن السير السلوك.
محمد عثمان إبراهيم
#الصيحة ٩ يوليو ٢٠٢٠م