تحقيقات وتقارير

التشكيل الوزاري .. الجدل الحزبي والكفاءات


بدأ رئيس مجلس الوزراء عبدالله حمدوك في مشاورات مع قوى الحرية والتغيير من أجل التعديل الوزاري خلال الأيام القادمة بعد قبول استقالة وإعفاء سبعة وزراء بهدف تصحيح مسار الحكومة الانتقالية بعد مرور نحو 10 أشهر ومواكبة إيقاع الثورة ومواجهة التحديات لاسيما الاقتصادية في سياق حزمة إصلاحات تعهد رئيس الوزراء بتنفيذها قبل حلول الـ 13 يوليو الجاري، يأتي ذلك في ظل اتجاه قوى الحرية والتغيير لتقديم ترشيحاتها للحقائب الوزارية بكفاءات حزبية.

تصحيح المسار

مثلت مواكب 30 يونيو علامة فارقة في مسار الثورة بعد أن رفعت شعارات تنادي بإصلاح مسار العملية الانتقالية عبر تصحيح أداء الجهاز التنفيذي واستكمال هياكل السلطة لتحقيق مطالب الثورة، وهو ما جعل رئيس الوزراء وقوى الحرية يسارعون للاستجابة لهذه المطالب، فأعلن مجلس الوزراء السوداني الخميس الماضي قبول استقالة وزراء الخارجية والمالية والطاقة والزراعة والنقل والبنى التحتية ووزير الثروة الحيوانية فيما تم إعفاء وزير الصحة.
الخبير في مجال الموارد البشرية مالك أبو الحسن يقول لــ(السوداني) إن ثمة خلل لازم عملية الترشيحات للوزارات في المرة الاولى بسبب عدم وجود الية ومعايير واضحة للترشيح وهو ذات ما يمكن ان يتكرر مجددا هذه المرة بصيغة الكفاءات الحزبية، ويشير ابوالحسن إلى ان الفارق هذه المرة هو أن تأثير رئيس الوزراء في اعتماد الترشيحات سيكون أكبر من تأثير التحالف السياسي.

تحالف الحرية والتغيير أعلن شروعه في إجراء تقييم وتقويم الاداء العام خلال الفترة الماضية وبدأ في الترتيب لعقد مؤتمر لهذا الشأن، ويمكن القول أن جوهر الازمة الحالية يرتبط بقوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية باتت في حاجة لعملية إصلاح عاجلة سواء على مستوى الإعلان التأسيسي والبناء الهيكلي، ويعتمد نجاح السودان في عبور الفترة الانتقالية في قدرة التحالف على خلق قيادة لديها المقدرة والإرادة اللازمة لإنجاح عملية الانتقال وهو ما يستلزم محاولة الانفتاح على كل قوى الثورة والأفراد والجماعات التي ساهمت في عملية التغيير.

وتشير مصادر مطلعة في تحالف قوى الحرية والتغيير لــ(السوداني) –بعد أن فضلت حجب اسمها- إلى أن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير اعتمد في اجتماعاته الأخيرة بعد مباركة عملية التعديل الوزاري ترشيح سياسيين للوزارات مشكلا للجنة الترشيحات لشغل الوزارات بكفاءات حزبية بدلا عن التكنوقراط. وتضيف ذات المصادر أن تشكل الوزارات في البداية كان رهين للاجواء العامة التي صاحبت التفاوض وبعد تعثر الحكومة اصبح مطلب وزراء لديهم انتماء حزبي بغرض الدعم السياسي امر مهم.وتضيف ذات المصادر بقوى الحرية:”ان حمدوك أعلن في لقاءات مع عدد من الاحزاب ترحيبه بترشيح كفاءات حزبية”.

طبيعة المرحلة

الوثيقة الدستورية سعت للتركيز على مسألة الكفاءات التكنوقراط لان طبيعة المرحلة لم تكن تحتمل حالة من الاستقطاب السياسي سواء داخل قوى الحرية والتغيير أو من جانب الحكومة ومعارضيها، إلى جانب ان التصورات كانت تمضي الى ان المرحلة تحتاج إلى خبرات ومؤهلات أكثر من قدرات سياسية إلى جانب شرط الحرمان من المشاركة في الانتخابات.

وكان التوجه العام لدى قوى الحرية عدم التحمس للمشاركة في الحكومة الانتقالية لعدة اعتبارات ابرزها المسؤولية السياسية مقابل النصيب غير المشجع لصياغة السياسات العامة واشتراط الوثيقة الدستورية عدم ترشح شاغلي الوظائف العامة في الفترة الانتقالية إلا أن مصلحة الانتقال وتحمل المسؤولية دفعتها لتغيير موقفها.

المحلل السياسي عبدالله رزق يقول لــ(السوداني) إن التشكيل الوزاري الاول قبل 10 أشهر اعتمد على ترشيحات من التكنوقراط بسبب ضغوط من المجلس العسكري والجبهة الثورية وعناصر النظام البائد بهدف عزل قوى الحرية عن المشاركة الفعلية في الحكم لتأتي عناصر تفتقد للخبرة السياسية والحساسية الثورية مما مثل مدخلاً لافشال أداء الحكومة في هذه المرحلة وخلق جفوة مع الجماهير.

عوامل متغيرة

الناظر للقانون العام لتمثيل الاحزاب في الحكومة الانتقالية يجد ان عوامل حاسمة لعبت دوراً في تغيير الموقف العام تجاه مشاركة الكفاءات الحزبية في الحكومة فان كان عامل المسؤولية والمحاسبية للحزب ولوزيره يلعب دوراً تحفيزياً في تعيين الحزبيين بدلا عن التكنوقراط، الا ان حسابات اخرى ربما تكون لرئيس الوزراء تتعلق بلعب قوى الحرية لدور مزدوج في الحكومة والمعارضة ربما أقلق حمدوك خاصة بعد تمدد حالة المعارضة من الانتقادات المباشرة لاداء الحكومة إلى التظاهر.

مثل موكب 30 يونيو الاخير فرصة لاعادة الحسابات لجميع الاطراف السياسية، فرئيس الوزراء لم يحصل على التفويض الكافي لخلق قاعدة سياسية منفصلة عن قوى الحرية والتغيير مما يجعل فكرة تجاوزها مضرة لاداء حكومته فبدا من الافضل ان يتم ادماجها في الحكومة عبر تمثيل مباشر خاصة فيما يلي القوى التي اعلنت عدم رغبتها في المشاركة في الجهاز التنفيذي (الامة والشيوعي والمؤتمر السوداني)، فالاول رفض المشاركة في الجهاز التنفيذي وقبل بها في الولاة والمفوضيات والآن بعد نقده لاداء الحكومة أقرب الى ان يقدم وزراء، فيما ابدى الشيوعي تغييرا في موقفه وسط تسريبات عن ترشيحات على مستوى الولاة ودراسة للدفع بوزراء، اما المؤتمر السوداني فأعلن عن تراجعه عن قرار عدم المشاركة في مؤسسات الحكومة الانتقالية، وقرر المشاركة فيها.

واشار المؤتمر السوداني إلى ان الخطوة أتت بعد تقييم أداء الحكومة والحزب في الفترة الماضية، وبعد دراسة حجم الضرر في الابتعاد عن مركز اتخاذ القرار، مما جعل الحزب غير قادر على المساهمة الإيجابية في دعم الحكومة الانتقالية وإسنادها. وأضاف: “هناك أيضًا المستجدات السياسية المتعلقة بالتغيير الحكومي المرتقب خصوصًا على ضوء اتفاق السلام، والذي سينتج حكومة جديدة ستكون فيها الأحزاب المكونة للحرية والتغيير ممثلة أسوة برفاقها في الجبهة الثورية”. وتابع: “هذا وضع يفرض على الحزب الوجود داخل الحكومة ذات الطبيعة السياسية القادمة، وإلا فإنه سيجد نفسه في موقع دعم حكومة تتخذ فيها القرارات قوى سياسية إخرى إنابة عنه”.

ثمة متغير آخر يمكن الا ينتبه له هو ادراك العسكريين اهمية اشراك قوى الحرية في الحكومة التنفيذية بشكل مباشر لعدة اعتبارات أبرزها لتتحمل مسؤولية عملية الانتقال ولتقصير ظل عملية حسم العديد من القضايا عبر تمثيل التحالف السياسي في الجهاز التنفيذي بدلا عن اجتماع السيادي والتنفيذي ومحاولة ايصال القرارات او التشاور مع قوى الحرية والتغيير في جلسات منفصلة.

عوامل أخرى غيرت المشهد والموقف العام من مشاركة الكفاءات الحزبية خاصة بعد التقدم المحرز مع الجبهة الثورية وقرب التوصل لعملية السلام وسعي الثورية لإلغاء المادة 20 من الوثيقة الدستورية التي تنص على عدم المشاركة في الانتخابات لشاغلي الوظائف الدستورية في الفترة الانتقالية لاعتبارات موضوعية تتصل ببعدها عن العمل السياسي والتنفيذي.

النقطة الثانية متصلة بتقييم أداء الحكومة في الفترة الماضية وهو ما منح القوى السياسية قراءة جديدة مفادها أن التكنوقراط بقدر مشاركتهم المنتجة إلا أن عقليتهم المحافظة في إحداث تغييرات كبيرة ابطأت من أداء الحكومة الانتقالية فبعض المشكلات والتحديات تستلزم إرادة سياسية وإدارية أكثر من الخبرة المهنية.

على كل يمكن القول أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وقوى الحرية أمام تحدٍ لاختيار كفاءات ذات تفكير سياسي وقدرات إدارية قادرة على الاستجابة للتحديات الكبيرة وخلق فريق منسجم للعبور بالفترة الانتقالية لبر الأمان.

تقرير: محمد عبدالعزيز
صحيفة السوداني