تحقيقات وتقارير

السودان ..مخرجات المؤتمر الاقتصادي والسير في الاتجاه الصحيح


شهدت البلاد في 26 إلى 28 من سبتمبر الجاري انعقاد مؤتمر اقتصادي هو الاول من جنسه منذ مجيء الحكومة الانتقالية ،بنيت عليه آمال عراض بأن يأتي ببلسم شاف لعُضال طال على أهل السودان ومس قوت يومهم، شاركت فيه مؤسسات الدولة على اختلافها وظيفيا عبر ورش قطاعية قدم غبرها عرض وافٍ شمل المجهودات المبذولة والتحديات الراهنة والتوصيات التي من شأنها إحداث فارق ايجابي في الاقتصاد الكلي للسودان

وشهد المؤتمر الاقتصادي ايضا مشاركة شعبية واسعة اجتهد فيه المختصون والمهتمون من الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وقطاعات المرأة ولجان المقاومة، في عرض أراء قوية في الأداء الاقتصادي لحكومة الفترة الانتقالية تركزت جميعها في تشريح الوضع الاقتصادي المتردئ وكيفية معالجته وماهية السياسات الحكومية الواجب اتباعها للخروج من المأزق الراهن.

واختتم المؤتمر أعماله في اليوم الثالث 28-9-2020 بتوصيات فاقت المائة والستين سُلمت لرئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك والتي رهن على أمر تنفيذها نجاح المؤتمر وتحقيق جدواه، وفي ذلك أعلن رئيس الوزراء بتحويل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الي آلية لمتابعة تنفيذ مخرجاته

والتوصيات تدعو في مجملها الى اعادة هيكلة اقتصادية والتي تحمل في باطنها مفهوم رفع الدعم وهو أمر جاهر برفضه جزء من المشاركين بالمؤتمر من أهمهم لجان المقاومة على لسان ممثلها أنس محمد أحمد الذي شدد على رفض لجان المقاومة لرفع الدعم عن السلع وطالب بالمقابل بالاسراع في تكوين مجلس تشريعي وايضا بضرورة ولاية وزارة المالية علي المال العام الالتزام بالشفافية والنزاهة في إدارة الاموال العامة.

وكذلك اعربت بعض عناصرالحاضنة السياسية للحكورفضها لمبدا رفع الدعم حيث قال: الدكتور عادل خلف الله ممثل الحرية والتغيير إن رفع الدعم عن السلع هو هروب من مواجهة الأزمة الإقتصادية الحالية وقال في مداخلته خلال اعمال المؤتمر الإقتصادي إن السودان أقل دولة في دول الجوار تدعم السلع وبيّن أن بعض الدول تدعم ما بين ٣٠ الي ٣٥ سلعة وأضاف نتطلع لدعم حقيقي يشمل ٢٥ سلعة.

وتنطلق الاراء الرافضة لرفع الدعم من واقع متوسط الدخل الشخصي للفرد في السودان والذي لا يقوى على مجاراة سياسة التحرر الاقتصادي بيد أن الحكومة حاولت معالجة هذا الأمر عن طريق الدعم المباشر للأسر المستحقة المسمى ب((ثمرات)) الممول من قبل حكومة السودان والشركاء الدوليين من أصدقاء السودان وينفذ بشراكة وزارتي المالية والتخطيط الاقتصادي، الداخلية وبنك السودان المركزي وجهاز تنظيم الاتصالات والبريد، وشركات الاتصالات السودانية ومجموعة من البنوك المحلية، بدعم فني من برنامج الأغذية العالمي والبنك الدولي.

وقد اعلن الاتحاد الاوربي والبنك الدولي توقيع تفاقية تقضي بتوفير 110 مليون دولار لبرنامج ثمرات اضافة الى 78.2 مليون دولار مقدمة من فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانسا وهولندا والسويد ايضا لدعم البرنامج وبذلك يصل إجمالي مساهمة الشركاء الأوروبيين في برنامج دعم الأسرة (ثمرات) إلى ما يقارب 188 مليون دولار أمريكي.

والامر الجلي هو ان رفع الدعم يبدو ليس رأي الحكومة وحدها بل البنك الدولي و الدول الغربية مجتمعة ايضا ترى في ذلك حلا للمشكلة الاقتصادية الراهنة
اذ جاء في بيان للبنك الدولي بتاريخ 26 سبتمبر 2020،أن التحرير التدريجي لسعر الصرف والذي هو أحد أدوات التحرر الاقتصادي أمر بالغ الأهمية للقضاء على التشوهات التي تعيق الاستثمار والنمو، ويزيل الممارسات المتعددة للعملات وما يرتبط بها من تشوهات، ويعزز استقلالية البنك المركزي ويعزز الإيرادات المالية وقدرة النظام المصرفي على تحمل الصدمات ، بالاضافة الى ذلك هناك حاجة إلى تحديث قانون البنك المركزي لتقوية استقلاليته وفعاليته، و يجب أن يستمر البنك المركزي في رفع مستوى قدرته على الإشراف على مخاطر الاستقرار المالي والتخفيف منها وذلك من خلال تعزيز اللوائح والإشراف المصرفي ومواصلة معالجة أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

واشار البيان الى أن التغيير السياسي الذي حدث في السودان أتاح فرصة يجب ان تهتبل لاجراء اصلاحات اقتصادية اساسية وارساء اسس النمو الشامل وبالرغم من ذلك فهنالك تحديات جسيمة تواجه حكومة الفترة الانتقالية تتمثل في الاختلالات الاقتصادية الكبيرة وضعف القدرة التنافسية اضافة الى الوضع الانساني المريع، وأقر البيان ايضا بأن وضع السودان في قائمة الدول راعية للإرهاب من قبل الولايات المتحدة يعيق التقدم.

وأكد البيان بأن هناك حاجة إلى عمليات دمج كبيرة لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي واستدامة المالية العامة، وفي هذا الصدد فإن توسيع القاعدة الضريبية وتعزيز إدارة الإيرادات أمران مهمان وسيساعدان على تعزيز الحوكمة والشفافية والمساءلة. كما أنه من شأن إدارة مالية عامة أقوى ونشر بيانات مالية شاملة أن يحسن الحوكمة، ودعى البيان إلى تكثيف الجهود لتعبئة إيرادات محلية إضافية لضمان ضبط أوضاع المالية العامة بشكل موثوق في عام 2020.

وشدد البيان كذلك على أن الإلغاء التدريجي لدعم الوقود على المدى المتوسط أمر بالغ الأهمية لتحقيق التوحيد الدائم، و ستكون هناك حاجة إلى جهود إعلامية واتصالات قوية وشبكة أمان اجتماعي موسعة بشكل كبير يمكن تمويلها بمصداقية بمساعدة المانحين لبناء الدعم العام للإصلاحات.

وفيما يتعلق بديون السودان شجع البيان السلطات على مواصلة التعامل مع الشركاء الدوليين لتأمين الدعم الشامل لتخفيف الديون، واحترام وضع الدائن المفضل للصندوق ، وتجنب مدفوعات خدمة الدين الانتقائية والاقتراض غير الميسر. كما شدد ايضا على ضرورة تعزيز التعاون مع الصندوق بشأن السياسات والمدفوعات، عن طريق سداد مدفوعات منتظمة للصندوق على الأقل كافية لتغطية الالتزامات المستحقة وزيادتها مع تحسن قدرة السودان على السداد وفي هذا السياق رحب المديرون باهتمام السلطات ببرنامج مراقب من قبل الموظفين للمساعدة في بناء سجل تتبع لتنفيذ السياسة لتسهيل تخفيف الديون.

وزيرة المالية المكلفة ، د هبة محمد على احمد علقت على التوقيع و دعم الاسر و اهمية مثل هذا الدعم بالنسبة للاثر المتاثرة – في موقع وزارة المالية الرسمي في تويتر- قائلة ان برنامج (ثمرات) لدعم الأسر جزء مهم من “برنامج الإصلاحات التي تنفذها الحكومة الانتقالية” ويسعى “لتخفيف بعض التحديات الاقتصادية” التي تواجه السودانيين حالياً في جميع أنحاء البلاد ، بما في ذلك المناطق الريفية ، وخاصة النساء والأسر الأكثر فقراً ، وسيساعد على تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي الدائمة وزيادة الشمول المالي.

بينما اشار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الى انه تسلُّمُ توصيات الجلسة الختامية للمؤتمر الإقتصادي القومي و الذي قال ان إنعقاده “نجاح لنا جميعاً فخلاله إختلفنا وأتفقنا لأجل الوطن، كان تمرين ديموقراطي سنستفيد منه مستقبلاً، و اكد “نحنا ما عاوزين وطن نرص فيه بعض زي التعاريف” بل نستطيع الاختلاف بطريقة حضارية تنتج مخرجات تشبه شعبنا

واشار حمدوك في حسابه الرسمي في تويتر الى انه تم تقديم ما يصل لـ 160 توصية، بها قضايا ذات طابع طويل الأمد، ومنها ما هوآني يساهم في حلّ الضائقة التي يُعاني منها شعبنا، واقترحت لمتابعة تنفيذ توصياته بأن تتطور اللجنة التحضيرية لتصبح آلية تنفيذ بعد إضافة عناصر جديدة، فهذه التوصيات مُدخل أساسي لخطة التنمية الشاملة قيد التنفيذ.

بقلم// تقوى فتح الرحمن//
الخرطوم 29-9-2020 (سونا)