منوعات

ظاهرة توريث الفن في مصر.. هل تتحكم بها الموهبة أم الواسطة؟‎

ظاهرة ”وراثة الفن“ ليست جديدة، إذ تظهر من حين لآخر وجوه جديدة في الساحة الفنية سواء في مجال الغناء أو التمثيل أو المسرح، سرعان ما نكتشف أنها تنتمي بصلة قرابة لأسماء فنية معروفة.

ودائما ما يرتبط ظهور ابن فنان أو فنانة ارتباطا وثيقا بشهرة وجماهيرية النجم الأصل، بينما تتفاوت درجات الدعم والمساندة من قبل النقاد بشأن ما يسمى بـ“التوريث“ في ساحة الإبداع.

ويرصد ”إرم نيوز“ في التقرير التالي، كيفية تحويل الساحة الفنية في مصر إلى إرث لأبناء الفنانين والمطربين والملحنين، عبر استطلاع آراء نقاد وصُنّاع الفن ومعرفة ما إن كان ذلك يعتمد على الموهبة أم على الوساطة…

قال الناقد الفني المصري طارق الشناوي، إن مسألة تحويل الساحة الفنية في مصر إلى إرث لأبناء الفنانين، ليست وليدة هذه الأيام، فقديما أدخل الفنان شفيق نور الدين ابنه ”نبيل“ لمجال الفن، وكذلك الفنان فخري فاخر أدخل ابنته مجال التمثيل، وكذلك عبدالوارث عسر أدخل حفيده مجال التمثيل، وأيضا محمد عبدالوهاب كان لديه ابن أخ.

وأوضح الشناوي، في تصريحات خاصة لـ“إرم نيوز“، أن الأمر يعود لدعم بوصاية وآخر بلا وصاية، منوها بأن الفارق شاسع بين القديم والحالي فيما يتعلق بتوريث الفن للأبناء. حاليا أصبح الأمر زائدا عن الحد، وقديما كان مجرد الفشل يجعل الفنان يتوقف عن الدفع بابنه أو أقاربه في الوسط الفني.

وضرب طارق الشناوي، مثلا بكوكب الشرق ”أم كلثوم“ بأنها في منتصف الخمسينيات كان لديها ابن أخ يُدعى ”إبراهيم“، وقررت وقتها أن يغني وبعدها اكتشفت أنه ليس لديه كاريزما وتوقفت عن الدفع به ولم يتذكر أحد تلك الواقعة.

لكن حاليا، فإن المحاولات لا تتوقف، بحسب الشناوي الذي أكد أنه من غير الممكن أن كل الفنانين أورثوا أبناءهم المهنة“، مشيرا إلى استثناءات قليلة ومنها مثلا ابنة حسين فهمي وميرفت أمين ”منة“، والتي كانت ستدخل المجال الفني ورشحت لتقديم دور جيهان السادات في مسلسل تلفزيوني على أساس أن تلعب ميرفت أمين دور ”جيهان“ في الكبر، إلا أن الموضوع لم يعرفه أحد وانتهى أمره.

وقال الشناوي: لا نستطيع أن ننفي أن بعض أبناء الفنانين لديهم موهبة، مثل أبناء سمير غانم، ”دنيا وإيمي“ إلا أنه بوجه عام تعد هذه ظاهرة سلبية، خاصة وأن الأمر يدفع الأبناء لدخول معادلات خارج النص بمعنى أن الأب لا يعمل مع ابنه ولكن شركة إنتاج أخرى لديها موقف ما مع الفنان فتقوم بالتعاقد مع الابن.

وبشأن تأثير دخول أبناء الفنانين للمجال الفني على فرص آخرين لديهم موهبة أفضل، قال إن الأمر هنا يتوقف على دعم الجمهور، ومن المؤكد أن أمير كرارة ليس له أحد في الوسط الفني وعندما نال فرصة تفوق على محمد عادل إمام، نجل الزعيم عادل إمام، إضافة إلى أن ابنة فاتن حمامة ”نادية“ جرت محاولات لمنحها فرصة التمثيل ولم تنجح بسبب عدم دعم الجمهور.

وشدد طارق الشناوي على أن أي شخص يدخل مجالا لا بد أن يكون لديه موهبة، بمعنى أنه لا تستطيع أن تنجح بناء على رغبة والدك، لأن الجمهور هنا هو الذي يحدد النجاح من عدمه.

مقامرة فنية تعتمد على الواسطة

وأكدت الناقدة ماجدة موريس، أن الأمر لا يعتمد على مجرد إرث الفنانين لأبنائهم فقط لكن له علاقة بالقيم العليا في المجتمع، بمعنى أنه عندما يكون هناك قدر كبير من العدالة ستتاح الفرص للجميع.

وأشارت موريس، في تصريحات خاصة لـ“إرم نيوز“، إلى أن الإرث الاجتماعي العام يتوافق مع توريث الفن وأي مجال آخر، موضحة أنه توجد مواهب كثيرة في مصر، إلا أن القضية تظهر مع أبناء الفنانين لأن هناك اهتماما بهم، ويوجد جيوش من العاملين في الصحافة تتبع أخبارهم لما فيها من إثارة.

ونوّهت بأن الروح الاجتماعية والقيود تجعل العاملين في الفن يرون أن أبناءهم لن يكون لهم فرصة إلا بالمساعدة وهو ما يحرم آخرين من الظهور، ومن هنا فعندما يكون هناك أشخاص موهوبون يرون آخرين أقل منهم موهبة يعملون بسبب الآباء، يأخذون موقفا ويؤثر هذا سلبا على حياتهم المهنية.

وأضافت موريس أن البعض من أبناء الفنانين يأخذون فرصا لا يستحقونها والبعض يأخذ فرصا أكثر من الإمكانيات المتاحة به، فضلا عن عنصر ”الشللية“ الذي يفرض نفسه في الوسط الفني.

الموهبة تفرض نفسها

قال الفنان المصري نبيل الحلفاوي، إن الموهبة هي التي تفرض نفسها بشأن وجود أبناء الفنانين في ذات مهنة أبنائهم من عدمه، مستشهدا بأن ابنة فاتن حمامة وابنة اللبنانية الراحلة صباح لم يواصلا العمل بسبب انعدام الموهبة.

وأكد نبيل الحلفاوي في تصريح خاص لـ“إرم نيوز“ أن مهنة الفن من المستحيل توريثها، خاصة وأننا أصبحنا في عصر يراقب فيه الجمهور كل شيء ويطرحه عبر ”السوشال ميديا“، منوها بأن الجمهور هو الحكم في النهاية ومقياس النجاح يأتي من خلاله مهما تحدث البعض عن ”الواسطة“.

وأردف أن حديثه هذا لا يعني أن هناك عدم مساعدة من البعض لأبنائهم إلا أن تلك المساعدة مبنية على موهبة حقيقية والبعض لا يساعد على الإطلاق ويشق الفنان ابن النجم طريقه دون الالتفات لأحد والأمثلة كثيرة.

وأوضح أن هذا الأمر ليس موجودا في مصر فقط، فهناك دول عربية يتوارث أبناؤها المهنة وكذلك على مستوى العالم، مبينا أن امتداد المهن أو الحرف إلى الأبناء في مجالات أخرى غير الفن يحدث في الكثير من دول العالم، وهذا أمر من أقدم العصور.

إرم نيوز