أبرز العناوينرأي ومقالات

عمسيب: البرهان داهية أم (عبوب) ؟


ربما نحتاج لشرح مصطلح عبوب في البادية وإن كان أهلنا يعرفونه حق المعرفة ، خشية أن يكون القارئ ابن مدينة منفصل عن الريف ، والعبوب هو جلد صغير الغنم أو الضان أو البقر المحشو بالقش والخرق ، تستبدل أرجل الحيوان الصغير النافق بأعواد من الخشب ، و يقرب من ضرع الأم فتحسب أن صغيرها حي فلا تمسك حليبها و تستمر في أنتاج اللبن .

والعبوب تطلق علي الرجل الأجوف الخاوي ، الذي لا شخصية له و لا كلمة ..و تطلق علي الرجل الضعيف الذي لا رأي له و لا حجة .. و تطلق علي الأمعة الذي يميل حيث يميل الناس .

أما الدهاء فهو سعة الحيلة مع الحذر وقيل هو المكر الخفي ، و يقول حكماء قومي أن الدهاء موهبة و لا يكتسب .. و أن الرجل أما يولد داهية أو غير ذلك .
و موضع حديثنا هو الجنرال عبدالفتاح البرهان و الذي كان جنرالاً عادياً يمضي نحو تقاعد مألوف كما تقاعد عشرات الضباط عن هيئة الأركان علي أيام البشير ، حتى أزفت الأزفة و أكتملت أركان التدبير الخارجي لأسقاط البشير فكان الأنقلاب الأول بزعامة الجنرال عوض بن عوف ، ثم الأنقلاب الثاني الذي قاده البرهان علي قوش و أبنعوف ، أستعان فيه البرهان بحمدان و مكن له في مقابل منصب نائبه الأول ..
في البداية كان للبرهان خطوط مفتوحة مع قيادات بارزة في قوى الحرية و التغيير أيام الدعوات الأولى الي مواكب القيادة ، و قد كان بعض جنرالات الجيش قد بدأوا التواصل مع قيادات شبابية منذ يناير 2019 ، و لذلك و عندما تم تسمية البرهان رئيساً للمجلس العسكرى مع الأشارات التي وصلت الي بعض قيادات قحت من الخارج بأن البرهان ( زولهم ) خففت قيادات قحت الضغط الشعبي و أشاعت تصريحات تعكس أرتياحها لقيادة الجيش الجديدة ، في تلك الأيام رفعت صور البرهان و حمدان في ميدان الأعتصام ..
تسلم البرهان البلد و هو أمام تحديات كبيرة ، حالة أجماع شعبي ضد الأجهزة الأمنية ، غليان غير مسبوق في الشارع ، و عشرات الألاف من المحتجين الذي يحوزون علي تعاطف ملايين السودانيين ، و الأخطر من ذلك تضامن دولي كبير جسده التواجد الكثيف لسفراء أوربا و أمريكا داخل سوح الأعتصام ..
كان واضحاً للبرهان أن الحاضنة الشعبية للنظام المحافظ قد أنهارت و أن الجيش نفسه قد تفككت عراه بأنحياز عشرات الضباط الي خط المحتجين السياسيين و أستعدادهم التدخل لصالحهم أن قرر جنرالات الجيش أن يحكم قبضته علي البلد ..
لوهلة شعر البرهان أنه محاصر حتى داخل بيته ومن أسرته و أن ضباط الجيش سيواجهون صعوبة في دخول قيادتهم العامة دعك من دخول القصر الجمهوري كحكام ، كانت الرسائل التي وصلته من الخارج واضحة ، المحور الخليجي المصري أوضح له أنه سيسانده تماماً ، أمريكا و أوربا أظهرتا قلقهما الشديد و رغبتهما في أحداث تسوية سياسية تستوعب المدنيين ، دخل البرهان الي المفاوضات مهزوماً و تحت ضغوط هائلة و مع ذلك فقد خرج البرهان بأتفاق (غامض ) و فيه الكثير من الثغرات التي سمحت له لاحقاً بالألتفاف علي الوثيقة الدستورية ..
مخابرات دولة شمالية جارة عرضت خدماتها الأستشارية للبرهان ، و كانت رؤيتها كالتالي :
هذه الموجة لن تستمر طويلاً و يجب مسايرتها و فعل كل اللازم كي تمر بأقل الخسائر للجيش .
لا مفر للسودان من الحكم العسكري وفقاً للتقديرات المخابراتية للدول الكبرى في الأقليم .
أنتهت كل الثورات الشعبية في تاريخ السودان و في ظل وجود ذات النخبة الفاعلة اليوم الي حكم عسكري .
هذه الأحزاب لا تملك ثقل شعبي و لا جماهيري و يجب وضعها في السلطة لتواجه غضب الناس .
يجب أعادة ترتيب الجيش كلياً بحيث يكون الولاء كلياً لك .
يجب القضاء علي كل القوات و المؤسسات التي كانت تشكل قوى موازية للجيش و هي هيئة العمليات و الدفاع الشعبي و أخيراً الدعم السريع .
يجب أكمال التطبيع كلياً مع اسرائيل و تحديث الجيش السوداني كلياً بالعتاد العسكري الأمريكي المتطور مما يرفع قدراته القتالية و يمكنه من القضاء علي أي تمرد مستقبلي .
رفض البرهان هذه المشورة و قرر ان يمضي بالحل الأمني الي نهاياته بعد أن أقنعه حمدان بأمكانية المضي قدماً في الخيار العسكري وفقاً لتقديرات دولة أخرى كبرى في الأقليم ، التزمت هذه الدولة بتوفير الدعم الاعلامي و الغطاء الدبلوماسي بشرط فض الأعتصام بطريقة نظيفة و دون سفك غير ضروري للدم .
تم تنفيذ العملية و صاحبها سفك غزير للدم و أخطاء رهيبة تسبب فيها ضعف تدريب القوة المهاجمة و قلة أحترافيتها و عجز قادتها الميدانيين عن السيطرة علي جنودهم .
وجد البرهان نفسه أمام دم مسفوك و موقف ضعيف جعله يسارع الي الأتفاقية القديمة و يوافق علي النقاط التي كان قد رفضها، تم توقيع الأتفاق وتدشين الحقبة الجديدة برئاسة البرهان و وضع حمدوك علي رأس الجهاز التنفيذي ..
تبنى البرهان رؤية الجارة الشمالية كاملة و قرر أن يدير المشهد بحكمة أكبر ، بتشكيل الحكومة أصبح تسكين الجماهير مسؤولية القوى المدنية ، الأمر الذي حول غضب الناس فوراً الي قحت و سبب أنقساماً حاداً بينها و بين لجان المقاومة ..
قام البرهان باستغلال اموال حمدان في شراء ولاء صحفيين و اقلام قحتية كبيرة لتقود حملة التطبيع و تحسين صورة قادة الأنقلاب و قد توجت هذه الحملة بابتلاع العساكر لبعض المدنيين داخل المجلس السيادي نفسه و علي رأسهم التعايشي و نيكول وحسن شيخ ادريس ..
قام البرهان بتحويل الضغط نحو المؤسسات التي يرغب في التخلص منها و قد قام باستغلال نشطاء بارزين لمهاجمة هيئة العمليات و من بعدها الدفاع الشعبي ،و الاهم من ذلك فان الشخص الذي لعب هذه الأدوار و تحمل وزرها اعلامياً و سياسياً هو حمدان دقلو ، كان حمدان يمسك بمعول هدم هاتين المؤسستين بينما يجلس برهان في الظل ..
بعد عام و نصف كان الضغط الاعلامي علي الجيش قد اختفى تماماً ، و لم يعد جهاز الأمن هو القوة الأهم عسكرياً ، قوات الدفاع الشعبي تم تفكيكها ، الاسلاميين لم يعودوا يملكون أي قوة ، قحت نفسها تبدو منهكة و مقسمة ، الحركات المسلحة الأن أصبحت تحت ناظريه في الخرطوم ، و أن أضطر لمحاربة الحلو أو عبدالواحد فسيحاربهم بقوات الحركات المسلحة و الدعم السريع ..
بعد عام و نصف وقع علي صفقة التطبيع التي ستضمن أمانه الشخصي و أمان جنرالاته ، شكل رأي عام في اسرائيل أنه سيكون رجلهم في السودان ، كنت قد قرأت تحقيقاً في مجلسة هارتس الاسرائيلية يصف حمدان دقلو بأنه ليس الشخص الذي يجب علي اسرائيل التحالف معه بسبب سمعته في دارفور ، و يبدو متفائلاً جداً بشأن البرهان ..
المعونات الأمريكية للجيش السوداني ستضمن تفوقاً نوعياً للجيش السوداني علي حساب الدعم السريع ، وستضمن أيضاً تقليصاً للأدوار السياسية التي يلعبها حمدان دقلو ، كما سيضمن تعاوناً أستخباراتياً و أمنياً سيجعل قدح الجيش هو الأعلي مخابراتياً مقارنة بحمدان ..
امتلاك الجيش لطائرات الدرونز المتقدمة يعني أن أي قوات تتحرك علي أربعة عجلات دون غطاء جوي ستصبح فرائس سهلة للجيش و لن يعود من الممكن الحديث عن تمرد يتحرك في مساحات واسعة أو أي ميزة عسكرية لقوات الدعم السريع أو قوات الحركات المسلحة علي الجيش ..
ختاماً ، نجح البرهان في المحافظة علي امتيازات الجيش الاقتصادية و شركاته و أراضيه بعيداً عن ولاية وزاة المالية و وصاية رئيس الوزراء .
هذه زاوية نظر أخرى لشخصية البرهان و للمشهد كل عبر نظارة الجيش ، و ربما يمكن القارئ من أعادة النظر في كثير من جزئيات المشهد بعيداً عما هو سائد .
#وهكذا

عبدالرحمن عمسيب
عبد الرحمن عمسيب


‫3 تعليقات

  1. والله ثم والله لو شباب هذه الثورة ابتعدو عن الاحزاب الفاشلة الطائفية المتخلفة والايدلوجية الأكثر فشلا يمينا او يسارا واسسو لهم جسم يوحدهم تجاه مطالب ثورتهم المباركة والله لا يقدر عليهم برهان ولا زفتان ولا داخل ولا خارج… ولن ينفعه توزيع الظروف علي الصحفيين اكالين الحرام

  2. البرهان قد يجد الدعم من جهات أخرى داخل وخارج السودان إذا أقدم حميدتي والحركات المسلحة على ما يبدو أنهم مقدمون عليه بناء على الكثير من الإشارات التي يصدرونها….