رأي ومقالات

لولا الطلاب النيجيرين الذين يدفعون بالدولار لأغلقت الكثير من الجامعات الأهلية في السودان


الموقع الجغرافي مورد مهدور 3
القنصليات التجارية .
في نهاية التسعينات انتشر في الخرطوم عدد كبير من الشباب الآسيويين من الجنسين ، لكن الغالبية العظمى من البنات ، كانو يبيعون الإبر ، نعم يبيعون فقط إبر الخياطة .
فتيات في عمر الزهور و في منتهي الحسن ، يتجولن حول الساحة الخضراء (مول الواحة الان) و في اكتافهن شنط صغيرة و بأيديهن عدد من الإبر ، إن لم تخني الذاكرة كن يبعن مائة إبرة بجنيه واحد .
تواجدهن بتلك الكثافة ولد الكثير من الجدل حول ماهيتهن، و كيف يأتين من بلاد بعيدة إلى السودان ليبعن فقط إبر خياطة !! .
ذهب البعض إلى أنهن يتبعن إلى أجهزة استخبارات آسيوية ، حيث اختلف الناس في تحديد هويتهن، الكثيرين اعتقدوا بأنهن صينيات …
لكن الرأي الأقرب للتصديق هو أنهن كوريات ، يتبعن إلى شركات مختلفة لدراسة السوق السوداني و ثقافة الشعب . بعدها امتلأت شوارع الخرطوم بالسيارات الكورية من كل نوع ، سيارات رخيصة السعر مقارنة باليابانية و الألمانية التي كانت تكتظ بها شوارع الخرطوم ، و لا نكاد نراها الآن بعد الغزو الكوري .
دراسة ذائقة المستهلك و ثقافة الشعوب ، أصبحت تدفع لها الشركات العالمية و الدول المختلفة الكثير من الأموال ، كي تتمكن من الغزو التجاري للحصول على الفوائد الاقتصادية و المادية .
معظم السفارات لها قنصل تجاري ، هو القاسم المشترك بين أسواق البلدين ، بلده التي اتى منها و مكان القنصلية …
القنصل التجاري يقوم بدراسة ثقافات الشعوب و أنماط الاستهلاك عندهم ليقدمها إلى رجال الأعمال في بلده ليتم تصميم و تصنيع البضائع وفق النمط الاستهلاكي للبلد المقصود …
موقعنا الجغرافي يتيح لنا سهولة الوصول إلى عدد كبير من المستهلكين ، و ذلك بتفعيل دور القنصليات التجارية في هذه الدول ، المؤسف أننا لا نمتلك سفارات في دول قريبة منا مثل الكميرون، و لدينا سفارات في أرض الواق الوق و في دول لا نعرف حتى موقعها الجغرافي في خريطة العالم .
جنوب السودان تشاد إرتريا الكاميرون النيجر نيجيريا أفريقيا الوسطى إثيوبيا . انسان هذه الدول يحترم و يقدر السودانيين ، و كل ما هو سوداني . بقليل من الجهد يمكننا أن نغزوا أسواقها لبيع منتجاتنا و الاستفادة من مواردها الخام …
تفعيل دور القنصل التجاري في هذه الدول يحدد لرجال الأعمال و الشركات و المصانع، أنماط و ثقافة الاستهلاك فيها ، ويوفر معلومات كافية عن الموارد المتوفرة و كيفية الاستفادة منها …
عدد كبير من الطلاب النيجيرين يدرسون في الجامعات السودانية يتجاوز عددهم عشرة الف طالب . يدفع الواحد منهم ما يقارب العشرة الف دولار سنويا كرسوم دراسية . هذه الأموال لا يدفعها أولياء الأمور فقط لجودة التعليم في السودان ، إنما يدفعون بأبنائهم للالتزام الديني و الأخلاقي الموجود في الشارع السوداني حسب اعتقادهم ، بإمكانهم أن يرسلوهم إلى أمريكا أو أوروبا ، لكنهم يفضلون السودان في هذه المرحلة ، حسب ثقتهم في السودانيين و أخلاقهم ، و عندما يتجاوزون المرحلة الجامعية يرسلونهم إلى أمريكا أو أوربا .
لولا الطلاب النيجيرين الذين يدفعون بالدولار لأغلقت الكثير من الجامعات الأهلية المنتشرة في البلاد . يمكننا التوسع في الاستثمار التعليمي الأهلي ، بالاستفادة من الكثافة السكانية العالية لدولة نيجيريا ، بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية الجيدة في ولايات دارفور المتاخمة لأفريقيا و تسهيل حركة المرور لطلاب تلك الدول ، فدولة مثل نيجيريا تبعث بما لايقل عن مائتين الف طالب للدراسة بالخارج سنويا ، يمكن أن يكون نصيب السودان منها ما لا يقل عن خمسين ألف طالب سنويا . إذا ضربنا خمسين ألف × عشرة الف دولار يعني أننا نضخ نصف مليار دولار سنويا في شرايين التعليم العالي و في ميزانية الدولة ، ولك أن تتصور حجم الوظائف التي يوفرها هذا التوسع .
من يذهب إلى (رويال كير) يلحظ عدد كبير من الأخوة التشادين في أروقة المستشفى و كذلك العديد من الأخوة الجنوبيين و الارترين . التوسع في المستشفيات الخاصة بضخامة و جودة رويال كير في الخرطوم و أقاليم دارفور و الشرق ، سيسهم مساهمة فعالة في جعل السودان محط أعين مسئولي و أثرياء دول الجوار الأفريقي مما سيسهم مساهمة فعالة في الارتقاء بالحقل الطبي و العلاجي و يوفر آلاف الفرص للشباب و الخريجين و يجعلنا نتوسع في الدراسات الطبية في جامعاتنا المختلفة …
بالرغم من رأي الكثيرين في ارتفاع تكاليف العلاج في المستشفيات الخاصة عندنا في السودان ، إلا أنها تعتبر أقل كلفة من دول كثيرة حولنا . لذا بإمكاننا المنافسة في هذا السوق .
هذا الأمر يحتاج إلى خطة واضحة من الجهات المسؤولة ، وذلك بتفعيل الدور الحقيقي للقنصل التجاري في سفارات دول الجوار لدراسة ثقافتهم و معرفة أنماط حياتهم ،و كذلك ارسال العديد من البعثات الشبابية و الثقافية للتعريف بالسودان و الفرص المتوفرة فيه، و لمعرفة كيفية غزو اسواق تلك الدول و الاستفادة من مواردها المختلفة …
مصر تمنح مواطني معظم دول غرب و ووسط أفريقيا فرصة الدخول إليها مجانا و بدون تأشيرة ، و للأسف لا يستطيعون الحصول على تأشيرة الدخولإلى السودان إلا بدفع رشاوى .
صديق غيني أراد زيارة السودان من كمبالا قبل عامين تقريبا ، و عندما ذهبت معه للسفارة أخبرني صديق يعمل هناك بأن السلطات وضعت شروط صعبة لدخول سكان غرب إفريقيا إلى السودان ، و علينا الحصول على دعوة من إحدى الشركات من داخل السودان ، و عند الاستفسار من أشخاص يعملون في هذا المجال ، عرفت أننا يجب أن ندفع مائة دولار لشركة وهمية كي تحرر لنا خطاب دعوة للضيف ، و يقوم صاحب الشركة الوهمية بدفع رشوة لموظفي الهجرة والأجانب للتصديق بالإذن النهائي ، و بعدها يدفع مائة دولار أخرى للحكومة كي يحصل على تأشيرة الدخول .
عندما أخبرت صديقي المستثمر بهذه الإجراءات العقيمة و الرشاوى . قال لي أنه غير رأيه من زيارة السودان ، و سيزور القاهرة التي يدخلها بدون تأشيرة . الموسف حقا انه كان يحمل معه مالا يقل عن خمسمائة الف دولار . كان يمكن أن يكون نصيب السودان جزء كبير منها إن لم يكن محطته الأخيرة لاستثمارها.
كي نوقف إهدار موردنا الجغرافي يجب أن نغير هذه المفاهيم و العقليات البالية التي ننظر بها إلى أفريقيا . فالصين الآن تدفع المليارات للحصول على الأسواق و لإنجاز طريق الحرير ، فيمكننا أن نكون بوابة الصين الشرقية بالقليل من الجهد ، فقط علينا أن نؤكد لها بأننا سوق يمثل كل دول الجوار ، وهذا لا يتأتى دون انفتاحنا على الآخر .
سالم الأمين بشير
نوفمبر 2020