فواخر الوقود
* اتضح لنا أن شركة (SMT) التي تناولنا أمرها في مقال الأمس، وذكرنا أنها فازت بعطاءٍ لاستيراد الوقود، مملوكةٌ لمُلّاك شركة (الفاخر)، التي طبقت شهرتها الآفاق، عندما اختصها وزير المالية السابق بصفقاتٍ فاسدةٍ لتصدير الذهب من دون تحويل القيمة، وسمح لها بتوظيف عوائده في استيراد السلع الإستراتيجية، من دون عطاءات.
* كتبنا عن ذلك الفساد القبيح مراراً ورفضت الحكومة التقصي عنه، مع أن رئيس وزرائها أعلن قرار التحقيق فيه بعظمة لسانه في الخامس من شهر مارس الماضي، ثم دارت دورة الأيام لتشرب (الفاخر) من الكأس ذاتها التي سُقيت منها منافساتها على أيام البدوي، بل نالت ضربةً (في الأنكِل) بإلغاء العطاء الذي ظفرت به عبر (SMT) بأسبابٍ أقل ما تُوصف بالواهية.
* العطاء نفسه كان مسخرةً في حد ذاته، إذ اقتصرت فترته على يومين اثنين فقط، وتم تعليل قِصر مُدته بعبارة (الحاجة الماسة)، ليصبح قريناً لعقود مماثلةً، تم بها استيراد السماد والخيش للبنك الزراعي السوداني بالمحسوبية واللف والدوران.
* تم فرز العطاء أولاً، ثم سعوا بعد ذلك إلى التحقق من سيرة الشركة التي فازت به، بسؤالها عن أوراق تسجيلها وتاريخ إنشائها وسيرتها الذاتية وخبراتها السابقة في مجال استيراد الوقود، وما إذا كانت مؤهلةً ومسجلةً لدى المؤسسة السودانية للنفط، مع أن ذلك التحقق يفترض أن يتم قبل فرز العطاء.
* الحقيقة أن ما يحدث في ملف استيراد الوقود مُحيِّر، بل مُثير للريبة، لأن القائمين عليه عصوا أمر دولتهم التي قررت تحرير الوقود، وإخراج الحكومة من سُوقه نهائياً، سعياً منها إلى التخلص من كُلفة دعمه العالية المُهلكة، واستثمار عوائدها في دعم الصحة والتعليم وبقية الخدمات الأساسية.
* مضت الدولة أبعد من ذلك ولم تكتف برفع الدعم عن الوقود، بل وضعت في ضريبةً للقيمة المُضافة على البنزين، ورسوماً أخرى تسببت بها في رفع سعر جالون البنزين الحُر إلى (540) جنيهاً، وجالون الجاز إلى (460).
* توهمنا (لغفلتنا) أن باب الاستيراد بات مفتوحاً على مصراعيه أمام القطاع الخاص لاستيراد الوقود، وأن الصفوف ستتلاشى بتوافر السلعة، وأن الدولة ستكتفي بممارسة دورها الطبيعي في الإشراف والرقابة والتأكد من مواصفات الوقود المُستورد، فإذا بها تدخل من النافذة مجدداً، لتشهر عطاءاتٍ لسلعةٍ لن تدفع قيمتها، وليست مملوكةً لها.
* عندما دققنا وحققنا مسببات ارتداد وزارة الطاقة على توجهٍ رسميٍ، دفع المواطن المسكين فاتورته على حساب معاشه وجدنا أنها استبدلت شركة الفاخر بمجموعة أخرى من (الفواخر)، ممن يتمتعون بعضوية محفظة السلع الإستراتيجية، المكوَّنة من عدة شركاتٍ وبنوكٍ خاصة!!
* بالنهج الجديد نالت المحفظة حظوة احتكار استيراد الوقود بطريقةٍ غير مباشرة، لأن من يرغبون في الاستيراد ملزمون بسداد قيمته بالعملة المحلية إليها، علاوةً على (10%).. هُوادة فوق البيعة!
* بل إنها (أي المحفظة) شمَّرت عن ساعديها واستوردت باخرةً غير مبرمجة، حوت (36) ألف طن من الوقود، ووُصفت بأنها (إسعافية)، ليصبح بذلك أمر استيراد الوقود كله في يد جهةٍ تُتاجر في الوقود، وتتحكم في سوقه، وتضع السياسات التي تحكمه، وتحدد هوية من يستوردونه، في واحدةٍ من أسوأ مظاهر الفساد وتضارب المصالح واستغلال النفوذ!
* عللوا الاحتكار القبيح بسعيهم إلى منع الشركات المستوردة من شراء الدولار من السوق الموازية، مع أنهم سمحوا للمحفظة نفسها بحساب قيمة وقودها بسعر دولار السوق الموازية!
* المؤسف في الأمر أنهم مكنوا شركتين من استيراد باخرتين للوقود من دون إلزامهما (مثل الآخرين) بتسديد قيمتهما بالجنيه إلى المحفظة، التي استولت فعلياً على معظم صلاحيات ومهام وزارتي المالية والمالية والبنك المركزي، وصارت الآمر الناهي في ملف الوقود.
َ* إذا علمنا أن بعض شركاتها وبنوكها تعمل في مجال استيراد وتمويل َالوقود سيختفي العجب، وتتضح معالم الفزورة الجديدة.
* ما يحدث في ملف الوقود ليس تحريراً ولا يحزنون، بل تقنينٌ للفساد والاحتكار، والتفافٌ مُشهر، وتحدٍ سافر لقرارٍ مؤثرٍ وخطير، اتخذته الحكومة ممثلةً في رئيس وزرائها اللاهي، والمتغاضي عن تحدي وزارة النفط والمحفظة لقراره القاضي بتحرير الوقود.
مزمل ابو القاسم – صحيفة اليوم التالي
مكر ومكر من الرأسمالية الطفيلية. سيف مسلط علي رقاب المواطنين…
عليكم بحرقها وانسفوها في اليم
الفساد لم يسقط بعد بل انفتحت أوسع أبوابه وصار يمارس على كل المستويات تبا القحاطة الذين ضيعوا البلاد والعباد بقيادة الغراب الهرم والثعالب المكارة ولمعان أن ثورة الجياع قادمة إذا أدبرت البلاد بهذه الطريقة ربنا يخلصنا من هذا الولاء والبلاء