رأي ومقالات

ما يحدث اليوم من تضخُّمٍ وغلاءٍ لم يحدث في سنة ٦ عام المجاعة!

الثالثة
في أُذن حمدوك!!
-١-
لو تم توزيع أوراق بيضاء على كل الوزراء، ليكتب كل واحد منهم ثلاثة أسطر عن ما أنجز، خلال الفترة الماضية.
مُلاحظة:
الإنجاز المقصود: لا التوقيع على اتفاقيات ولا مجموع المُقابلات مع أصحاب العُيُون الخضراء والتقاط الصُّور معهم.
ولا عمليات الفصل والتعيين، ولا قرارات البل والتجفيف، والتفكيك والتربيط!
ولا نثر التغريدات المجنحة في فضاء الأسافير، عن أيّام المرأة والطفل واتفاقية سيداو ومُحاربة الختان وتعازي أسر الموتى والتهانئ بهدف “الغُربال” في شباك غانا!
الإنجاز المقصود:
هو معاش الناس، وكل ما يجعل حياتهم أفضل من الوضع الذي ثاروا عليه، وخرجوا ضده مُسترخصين أرواحهم من أجل التغيير!
تغيير الأحوال لا الأسماء، تغيير السياسات لا الوجهات.
أليست السياسة هي فن تجنيب الشعوب المأساة والأحزان والكوارث؟!
أليست السياسة هي المأكل والملبس والمشرب والمأمن والعلاج والتعليم؟!
كُن على يقينٍ عزيزي القارئ، لن يستطع أيِّ وزير من وزراء حمدوك، في أقصى درجات حُسن ظنه بنفسه، أن يكتب سطراً واحداً عن منجز تحقّق، تراه العين ويحفظه التاريخ..!
-٢-
صحيحٌ لا أحدٌ يتوقّع أن يتم تجاوز الأزمات المُرَحّلَة من الحقبة الماضية خلال زمنٍ وجيزٍ وبجهدٍ قليلٍ.
وفي المُقابل، لن تجد مَن يشتري مُبرّرات تدهُور الأوضاع إلى الأسوأ بهذه السُّرعة القياسية الكارثية.
نعم ، النظام السابق وصل في سنواته الأخيرة مرحلة العجز التام، أصبح غير قادرٍ على إيجاد الحلول ولا توفير الإجابات، ولا هَش الذباب عن شفتيه!
ولكن ما انتهى إليه خلال ثلاثين عاماً بين يسرٍ وعسرٍ ومحن ومنح، بلغته حكومة حمدوك في أقل من خمسة عشر شهراً..!
-٣-
يكفي ما قاله دكتور التجاني الطيب الخبير الاقتصادي المعروف ووزير الدولة بالمالية في الديمقراطية الثالثة.
حيث قال إنّ ما يحدث اليوم من تضخُّمٍ وغلاءٍ لم يحدث في سنة ٦ عام المجاعة!
وقال إنّ التضخُّم ارتفع منذ سُقُوط النظام السابق من 75% إلى 229% وتوقّع أن يصل نهاية العام لـ300%.
وقال الطيب إن مُعالجة الأخطاء التي اُرتكبت خلال العام الأول للفترة الانتقالية تحتاج لثلاث سنوات، دعك من إصلاح أخطاء النظام السابق في ثلاثين عاماً!
وذكر في مُنتدى صحفي أنّ الأسعار زادت بنسبة 200% خلال عشرة أشهر فقط، وتوقّع زيادة جديدة تصل إلى 85%!
-٤-
الغريب أن يحدث هذا التدهُور المُريع بعد ادّعاء الحكومة الانتقالية: إغلاق مواسير الفساد وإيقاف الصرف البذخي وإهدار المال العام وزعمها الكذوب باختيار كفاءات تُلبِّي مطالب المرحلة وتُحقِّق آمال الشباب!
أسوأ ما فعلته الفترة الانتقالية ولا يُمكن تدارُكه ولا إصلاحه على مدى قريب أو متوسط، خلق حالة فراغ عام عريض:
-هدم عشوائي دُون مقدرة على البناء.
-نزع أهوج دون قُدرة على الزرع.
-استخدام أسلحة غير ذكية، تلحق الضرر بالمُواطنين أكثر من الحُكّام السَّابقين.
-غبش الرؤية في التمييز بين تفكيك مُؤسّسات الحزب وتفكيك أجهزة الدولة!
-٥-
ماذا كانت النتائج؟!
-غلاء طاحن وأزمات مُتتابعة وعجز تام عن المُعالجة والمُراقبة والمُتابعة والتدخُّل السريع.
– خلق مناخٍ طاردٍ ومُعادٍ للمُستثمرين ومُشجِّع على الأنشطة الطفيلية:
-تجارة العُملة والتهريب والرقص على حبال المواقف.
-سياسات وإجراءات مُعادية للقطاع الخاص في مجال الصحة والدواء، دُون مقدرة على النُّهوض بمُؤسّسات القطاع الصحي العام، فتحقق الفراغ!
-هَجمة شَرسة على المدارس الخاصّة والمناهج التعليمية.
-إلغاء وإغلاق وشطب، مع عجزٍ تامٍ في توفير البدائل، فكان الفراغ، وفشل العام الدراسي!
-فصل مُديري ثمانية بنوك كُبرى وحل مجالس إداراتهم دون تعيين البديل، خلق حالة فراغ مصرفي كذلك!!
– أخيراً –
إذا مَضَى الوضع على هذا المنوال وبسُرعة التدهُور والتدحرج إلى أسفلٍ، دُون مُعالجات حَاسمةٍ وجَذريةٍ، سنصل إلى نقطة صفرية عدمية، مُفضية إلى فَراغٍ عريض، عنوانه الأبرز- لا قدر الله- (كان هنا السودان)!

ضياء الدين بلال