مقالات متنوعة

دكتوراة (سكند هاند) من السوق العربي !

الجريدة” هذا الصباح… والغريب في الامر أن كل من يخاطب بكلمة يا دكتور لا يملك الشجاعة في رفض اللقب بأنه ليس بدكتور حتى ترتبط باسمه، أصبح الكثيرون دكاترة بوضع اليد ولا يجدون حرجاً إلا في عدم مخاطبتهم بها وكأنها نهاية الدنيا
**************

* هذه الأيام تصادف الذكرى الخامسة لوفاة الأستاذ المناضل الفخم السر مكي الذي ضحى بحياته مناضلاً في مقاومة الأنظمة العسكرية والديكتاتورية ، كان يحلم بازاحة نظام الانقاذ وعمل جاهداً ومخلصاً على قيام هذه الثورة التي لم يحضرها ولم يأت ذكره كأحد أفذاذ المناضلين الذين مهدوا الطريق لهذا التغيير الذي افتقده وافتقد رأيه الثاقب وحكمته التي كانت دليله في النضال، أيام وليالي مأتم أستاذ الاجيال تاج السر مكي بمنزله في مدينة الثورة كانت عبارة عن (منتدى) ضم قبيلة المثقفين والمناضلين من كافة المدارس الفكرية بالإضافة الى زملاء الراحل في التدريس وتلاميذه في المدارس الثانوية وفي مهنة الصحافة ورفاق الدرب من عضوية الحزب الشيوعي والجباه الديمقراطية وتحالف مزارعي الجزيرة والمناقل جاءوا جميعاً لوداع استاذ الأجيال الذي تمر هذه الايام ذكرى رحيله الخامسة، نسأل الله له الرحمة والمغفرة ، جاء الراحل الأستاذ تاج السر مكي إلى الدنيا فقيراً وغادرها أكثر فقراً إلا من حب واحترام وتقدير الجميع له بقدر إخلاصه وحبه لمهنة الانبياء في بث رسالة التعليم والاستنارة، حتى وهو في النزع الاخير من ما تبقى له من عمر بذله في نشر التعليم والتعلم والوعي ما استطاع اليه سبيلا.
* من ضمن الذين لم يفارقوا المأتم رغم ظرفه الصحي الحرج وهو يحمل شنطة من الادوية والعلاجات صديق الراحل ورفيق دربه الاستاذ والخبير الاقتصادي محمد إبراهيم عبده كبج، متعه الله بالصحة والعافية . حضر أحد المعزيين ، يبدو أنه لا يعرف كبج الذي كان يتحلق حوله مجموعة من أصدقائه ، قام بتحيتهم جميعاً فرداً فردا كطريقة السودانيين وعندما جاء دور التحية والسلام على الخبير كبج خاطبه قائلاً (إزيك يا دكتور) ، رد كبج على التحية بأحسن منها وقبض على يد مصافحه قائلاً له ( يا أخي أنا ما دكتور ) وبعد ذلك بدأ يعلق ساخراً بأن كلمة دكتور أصبحت في عهد الانقاذ تطلق على كل من هبّ ودب، والغريب في الامر أن كل من يخاطب بكلمة يا دكتور لا يملك الشجاعة في رفض اللقب بأنه ليس بدكتور حتى ترتبط باسمه، أصبح الكثيرون دكاترة بوضع اليد ولا يجدون حرجاً إلا في عدم مخاطبتهم بها وكأنها نهاية الدنيا، وبروفيسور علي المك عليه الرحمة برغم علمه وبحوثه الضخمة لم يهتم بنيل درجة الدكتوراه التي حاز عليها عميد الادب العربي د. طه حسين وهو أُمي.
* تذكرت تلك الواقعة وأنا اقرأ في (الجريدة) ،مأساة حدثت لدكتور (أصلي) عميد كلية علوم التأصيل السابق بولاية الجزيرة التابعة لجامعة القرآن الكريم والذي فصل من الكلية وهيئة التدريس لأنه أبلغ عن (سرقة علمية) لرسائل نيل درجة الدكتوراة (قطعية) من قبل بعض الاساتذة الذين قاموا بسرقة جهد علمي من الانترنت، رسائل تخص آخرين نالوا بها درجة الدكتوراة وتبعاً لذلك تم تشكيل لجنة أثبتت سرقة الرسالة وكانت النتيجة أن منح بموجبها درجة الدكتوراة للأستاذ الذي تم ترقيته نائباً للعميد بعد أن تم فصل الدكتور الذي دفع بالشكوى الى ادارة الكلية، بغض النظر عن حيثيات القضية إلا أن الحقيقة تقول أنه ومن السهل جداً الحصول على الدرجات العلمية من البكلوريا حتى الدكتوراة مروراً بالماجستيرات الموثقة في كافة المجالات من مكاتب معروفة بالسوق العربي.
* حكومة الامارات رفضت قبول درجة الدكتوراة من قبل عدد من الجامعات من بينها جامعة أم درمان الاسلامية بعد ثبوت التزوير في إصدار تلك الدرجات من خلال الكميات الضخمة التي صدرت باسم الجامعة ولا تتناسب مع امكانيات الجامعة في الاشراف على ذلك العدد الضخم من تلك الدرجات، أصبح معروفاً لدى السودانيين أن هنالك جامعات تفتح أبوابها للحصول على درجات الماجستير والدكتوراة من أجل ترقية مواردها المالية من الرسوم المتحصلة على الدرجة العلمية لطلاب لا يتمتعون بالحد الادنى من توفر القدر المعرفي الذي يؤهلهم لنيل درجة فوق الجامعية وفلسفتهم في ذلك (أخير من قعاد ساكت)، هذا غير درجات الدكتوراة بالتمكين لعدد من اركان النظام تحت بند(المجاهدين) في العمليات بالجنوب والهدف من ذلك حرف (الدال أبونقطة) الذي يسبق الاسم كنوع من البرستيج، ماذا تستفيد جامعاتنا من درجات دكتوراة في غسل الميت أو رد مسح الرأس ؟ لعل درجة شيخ أنسب من الدكتوراة في العلوم الدينية حتى لا تلتبس الامور لو كنتم تعلمون.
* إزالة التمكين كان يجب أن تفرد لجان خاصة بتفتيش تلك الدرجات العلمية التي صارت في يد كل كوز لم يفك القلم وأصبحت للمنافسة في الوظائف الخارجية وكذلك شغل وظائف أساتذة في تلك الجامعات التي صارت مثل الكناتين في الأحياء، لا يعقل أبداً ان تقوم بعض لجان إزالة التمكين في شغل الأوساط بإلغاء درجة الدكتوراة الفخرية التي منحت بأسباب متفاوتة لبعض رموز الإنقاذ وحتى الذين نالوا شهادة الدكتوراة رسمياً من جامعات معترف بها وهي شهادات أصيلة كما حدث مع دكتور عوض الجاز وتجاهلوا الغاء تلك الشهادات التي منحتها بعض الجامعات لمن لا يستحقونها وبدون مجهود علمي وتخصصوا في سرقة مجهود الغير أو تكليف من هم تخصصوا في تدبيج رسائل الماستر والدكتوراة للمسئولين والنافذين ولكل من يدفع، آن الأوان لمراجعة درجات الدكتوراة والماستر خاصة لأولئك الذين يشغلون بها وظائف حساسة في التعليم والإدارات الحساسة بالدولة، الدكتوراة الفخرية درجة من الاستهبال والمجاملة وليس من العلم في شىء.

حسن وراق – صحيفة الجريدة

تعليق واحد

  1. مقالاتك جميعها تستحق القراءة والتأمل لأنها من منظور حقيقي تلامس الواقع وتشخيص الداء ولو كنت مسئولا لما ترددت في استقصاء الحقائق التي سردتها ، لكن لا أظن أن هناك تجاوب والناس تبحث عن رغيفة عيش واحدة (بلد عبارة عن سوق شعبي)