رأي ومقالات

هاني رسلان: رحم الله الامام الصادق المهدى

فقد كبير للسودان والأمة العربية سوف يترك خلفه ثغرة لا ترتق ، إذ جمع السيد الصادق بين الكثير من الصفات التى يندر أن تجتمع فى شخص واحد ، وكان سياسيا رمزا فى وطنه ، يمثل رقما صعبا لا يمكن تجاوزه فى المعادلة السياسية السودانية لفترة امتدت لما يقرب من ستة عقود .
بخبرته الممتده وتجاربه المتطاولة وإرثه العائلى العتيد ، كان السيد الصادق طوال الوقت من دعاة الوسطية والاعتدال والبحث عن الحلول الوسط ونبذ العنف وتفديم المصالح العليا للاوطان والشعوب .. و قدم باطروحاته وسلوكه العملى نموذجا راقيا للتسامح والتصالح مع النفس ومع الآخر والترفع عن الصغائر .. وان لم يفهم ذلك للاسف بعض صغار النفوس والعقول من مراهقى العمل العام فى بلده ، كما تعرض طوال عقود لهجمات عاتية سياسية وإعلامية من اخوان السودان، ولكنها لم تستطع أن تنال منه ، إذ سقطوا على كل الصعد، وبقى هو رمزا قوميا ووجها مشرقا معبرا عن خلق السودانيين وسماحتهم وقيمهم .
كان السيد الصادق أيضا مفكرا ومثقفا موسوعيا ألف عشرات الكتب ودبج مئات المقالات فى شتى المجالات ، وتجاوز حضوره ودوره بلده السودان ليمتد إلى الإقليم والعالم . وكان خطيبا مفوها تعرفه المنابر والنخب والحشود . كان أيضا أديبا رفيعا رشيق القلم جزل الاسلوب يستشهد دائما بدرر الشعر العربى الذى يحفظ منه آلاف الابيات. تحب أن تقرأ له وتستمتع بما تقرأ ، لاسيما حينما بظهر حسه المرهف وجانبه الانسانى ، وأكثر ما كان يتجلى ذلك فى رثائه الراحلين من أهله أو بعض صحبه .
عرفت الامام عن قرب وكان لى شرف استضافته مرات كثيرة على مر السنين فى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالاهرام ، وقد زرته مرارا فى منزله بالقاهرة بمدينة نصر ، وفى داره بأم درمان فى ” القطية ” الشهيرة التى كان يحب أن يستقبل فيها زائريه . وما لفتنى دائما هو تواضعه الجم واحترامه للجميع كبيرا وصغيرا وانفتاحه دائما للحوار وقبوله للاختلاف فى الرأى .
ومع تواضعه وبساطته الا أنه أيضا كان واعيا لدوره ولأهمية تقديم القدوة والنموذج لمحبيه ومتابعيه . وكان ذلك يظهر فى كل سلوكه وتحركاته وتعاطيه مع الناس واعلائه لقيم التواصل الاجتماعى ودعوته المستمرة لضبط النفس وعدم الاندفاع والنظر فى مآلات الأمور، وكان يظهر أيضا فى عنايته بالتفاصيل الصغيره فى زيه وحرصه الدائم على الأناقة والتجديد بإضافة صديرى له تصميم خاص . . فى إحدى المرات جاءنا الى الاهرام مرتديا ( بدلة ) على غير عادته فى ارتداء زيه الوطنى فسألته عن ذلك ، فقال إنه يتعمد هذا لتوضيح أهمية المرونه و عدم الجمود .
لقد تولى السيد الصادق رئاسة الوزراء بالانتخاب مرتين ، وترأس حزب الأمة القومى وهو أحد الحزبين الرئيسيين فى السودان منذ أواسط ستينيات القرن الماضى ، وكذلك سجن ونفى أكثر من مرة ، الا أنه فى كل أحواله رفد الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية فى السودان ، حاكما ومعارضا ، بمعين وعطاء لم يتوقف فكرا وممارسة وكان أحد دعائم الاستقرار والوحدة الوطنية .
رحمه الله وأحسن إليه وتغمده برحمته ورضوانه
وخالص العزاء لأسرته وابنائه ولكيان الأنصار ولكل السودان .

هاني رسلان
*كاتب مصري