رأي ومقالات

معادلة السياسية السودانية بعد رحيل الصادق المهدي


كان الامام الراحل واسطة العقد في السياسية السودانية ونقطة التوازن بين اطراف معادلتها المعقدة ،، طرح في مستهل مسيرته الطويلة برنامج الاصلاح والتجديد في المنظومة الحزبية العتيقة وهو في ريعان شبابه وكان خطابا ليبراليا في مواجهة ارثودوكسية متنفذة لا تقبل الاصلاح ولا التجديد الذي يتمرد على المسلمات

▪️رمى السيد الصادق في ذلك الوقت حجرا في بحيرة ساكنة مليئة بتماسيح العمل الحزبي التقليدي والولاءات المطلقة العمياء فدفع ثمن الحرب السياسية التي تعرض لها على الصعيد الفكري والسياسي والمجتمعي لعقود طويلة فلم يسلم في زمن الانظمة التعددية السائبة ولا الانظمة الشمولية القابضة ولم يسلم من اليسار ولا اليمين ولم يسلم حتىً في داخل البيت الواحد حينما تصدعت عرى الخيمة الانصارية وتمايل سقفها فوق رؤوس اهلها فامسك الصادق بالمقود وعمود الخيمة و خرج برهطه من اطلال الزلزال الذي اصاب الحزب الكبير ليبني حاضنة لافكاره وتمرده على الالواح القديمة
▪️يدخل الصادق في زمن لاحق ومرة اخرى في نزاع الامامة ليخرج منه بشق الانفس وصراع القريب والبعيد، كان حافزه في كل تلك المدافعات سعيه الحثيث لتوظيف جدلية المعاصرة والتقليد لصالح نهضة المجتمع ولصالح تطوير الحزب واضفاء لمسة حداثة عليه
▪️في الستينات ومن منصة رئاسة الوزراء وهو يقف على حافة جرح الخلاف النازف بينه وبين بني جلدته و اعمامه وفي عنفوان الاختلاف ابتدر خطابه الشهير الذي احتفت به الصحف السودانية وهو على منصة رئاسة الوزراء محاولا الصمود والارتفاع فوق الجراح والخلافات بابيات المقفع الكندي ليقول من داخل البرلمان
وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي
وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا
أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن هُم
دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا
فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم
وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا
▪️اجتهد الصادق من ثم ان يطوي صفحة الخلاف ويتفرغ لتطوير جناحه الحزبي على ارضية من التجديد والاصلاح ولم يكف عن اعتذاراته الضمنية والعلنية في سوح العمل السياسي العامة ومدافعاتها التي لا تهدا وبعد كل معركة وصلح وحرب وسلام ومماصعة واتفاق
كان الصادق يبتدر مقاله وخطابه مرددا بيت الشعر المنسوب الى البحتري
احتربت حتى سالت دماؤها
فلما ذكرت القربى سالت دموعها
▪️لم تكن الاستدلالات الشعرية جواهر لترصيع سيف البيان او مفردات لفصاحة اللسان لكنها ظلت حالة وجدانية عميقة في ضمير الامام الصادق انعكست على تعاملاته السياسية وسعيه وراء التوافق والحقيقة والمصالحة والسلام والمساكنة فوق تضاريس العداوات وخطاب الكراهية الذي كثيرا ما لوث المناخ السياسي في الوطن في مراحل مختلفة فزرع الغبائن في النفوس وعمق الكراهية وازكي نار الضغائن واهدر طاقات البناء السياسي في الانتقام والانتقام المضاد في دائرة مفرغة ومؤذية
▪️ان رحيل الامام الصادق يترك في الظرف الراهن فراغا خطيرا في المعادلة السياسية الماثلة في وقت تتراجع فيه محاولات الوفاق وتتصادم المعادلات الفكرية ويصطخب الوسط السياسي بخطاب كراهية لا مثيل له في التاريخ وبمصالحات واتفاقيات سلام طرية و في بداياتها لم تختبر بيد انها محملة بهواجس كثيرة و نقاط ضعف مفخخة وفي اعماق ماعونها الضيق خميرة اختلاف ستفور وتظهر على السطح مع سطوع شمس الممارسة والتطبيق
▪️و هكذا يبدو النفق الان لاكثر المتفائلين دون بصيص من الضوء وان الامل القليل الذي احيته اتفاقيات السلام سيتلاشى رويدا رويدا اذا لم يحاط بالرشاد والتدبر وحديث العقل الذي يقينا شر المماحكات السياسية التي ستعصف بالبلاد والعباد خاصة في ظل تعاظم سطوة المكونات ذات الشوكة العسكرية وتقاصر قدرات الاحزاب المدنية والتي ستلوذ الى كناسها حسيرة مهيضة الجناح لتسقط السقوط الاخير اذا لم تعيد ترتيب قواعدها ودمج نخبها مع جماهيرها وتؤسس رويتها بعد البيات التنظيمي الطويل وغياب المرجعيات وانقطاع الوحي الفكري وبعد ان ينكشف عنها غطاء السلطة وتظهر عارية امام التاريخ كما يقول ضياء الدين بلال و لا يعد في مخلاتها من حصاد غير تجاربها الخائبة في ادارة الدولة
▪️يغيب قمر السياسة السودانية الزعيم الصادق المهدي وفي ظلام هذا المشهد الحزين ا تتراءى في الافق البعيد صورة ضبابية للتحول السياسي والتداول السلمي للسلطة الذي كان الصادق المهدي واحد من ضماناته
فكيف تملا النخب الحاكمة هذا الفراغ وكيف تردم هذه الهوة ؟؟؟ على الاجابة يتوقف مصير الوطن
رحم الله الامام الصادق وحفظ الامة السودانية في سلام ،،،

كرار التهامي
٢٧-١١-٢٠٢٠