بيان النائب العام السوداني: العدالة العارية
(1) نتوقف في محطات قصيرة مع بيان النائب العام تاج السر الحبر حول حادثة وفاة المعتقل اللواء د. عبدالله البشير، ونكشف عن حقائق مهمة، ونبدأ بالبيان الصادر في يوم ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠م وحسب تسلسله ونشير للآتي:
أولا: أشار البيان إلى أن الشهيد عبدالله تم القبض عليه بواسطة اللجنة الأمنية (أي المجلس العسكري)، وهنا نتوقف عند نقطتين، فقد سعي النائب العام لتحميل المكون العسكري المسؤولية عن الإعتقال وهذه حقيقة، فالمكون العسكري يتحمل مسؤولية إعتقال الشهيد عبدالله لمجرد أنه شقيق البشير، بل وفي تصريحات مشهورة أعلن الفريق شمس الدين كباشي القبض على إخوان البشير، و لاحقا تم إكتشاف أنهم لم يقبضوا على العباس الذي غادر البلاد، ومع ان هذا الإجراء خاطيء فإن النائب العام اعطي هذا التصرف التكييف القانوني، بل وزاد عليه حين حول القضية من المادة ٤٧ من قانون الإجراءات وقيدها دعوى جنائية في ١٩ يناير ٢٠٢٠م.. وهنا يتساوى الجميع في الجرم.
والإشارة الثانية، هي التشاكس في مؤسسات الحكم والتلاوم، ومع ان المجلس السيادي قد ساند النائب العام في صراعه مع نادي النيابة العامة واجتمع به يوم ٩ نوفمبر ٢٠٢٠م واصدر تصريحات جاء فيها (واكد المجلس السيادي دعمه وثقته في النائب العام معربا عن رفضه للسلوك غير المهني لما يسمى نادي النيابة)، ومع كل هذا السند غير المشروط إلا أن بيان النائب العام تناسي ذلك لمخارجة نفسه وإلقاء اللوم عليهم في تصرف يفتقر للكياسة. وشخص بهذا المستوى من النظرة الذاتية لا يصلح ان يكون شاهدا وقائما بالعدالة.
وثانيا: التلاعب بالتاريخ، لقد ظل الشهيد منذ أبريل ٢٠١٩م محبوسا تحت المادة ٤٧ من قانون الإجراءات وهذه المادة تتيح الحبس لفترات مختلفة أقصاها ستة أشهر، فكيف ظل محبوسا حتى يناير ٢٠٢٠م؟ ومنذ سبتمبر ٢٠١٩م كان تحت ولاية النائب العام والذي ادي القسم نوفمبر ٢٠١٩م ، ولماذا أحيل للمحكمة في يونيو ٢٠٢٠م مع علم النائب العام ومن خلال تقرير طبي ولجنة ثلاثية ان مرضه خطير منذ أبريل ٢٠٢٠م؟ لقد تقدمت الأسرة بطلبات علاج للخارج منذ ظهور الداء اللعين، و تجاهلها النائب العام وقبل ذلك تعامل معها بتغافل المجلس العسكري دون إعتبار للجندية والزمالة والحالة الإنسانية.
وثالثا : ذكر النائب العام التصديق لإطلاق السراح بالضمان المالي وعجز الشهيد عبدالله عن دفع المبلغ، و لمصلحة الرأي العام فإن القضية محل البلاغ تم إلحاق الشهيد فيها كمتهم ثاني، وهى تخص مصنع شواهق والذي تم شراءه لصالح هيئة الخدمات الطبية للقوات المسلحة بمبلغ ٢.٩ مليون دولار ولاحقا تم بيعه لشركة هندية بمبلغ ٩ مليون دولار، والمصنع موجود، فكيف يكون الضمان ٥ مليون دولار؟ وأكثر من ذلك فإن النيابة العامة استلمت في أول نوفمبر ٢٠١٩م شيك بمبلغ ١١.٦٨٨ مليون جنيه ضمان في القضية من المتهم الأول، فلماذا التعسف في هذه الحالة..ولماذا تم طلب الضمان بالدولار؟.. إن هذه ليست مقتضيات عدالة بل روح للتشفي والقصد.
(2)
لقد جاء في بيان النائب العام إن هذه ليست قضية مزايدة سياسية، ولكن الوقائع تشير إلى الأبعاد السياسية منذ الإعتقال في أبريل ٢٠١٩م والذي حدث لمجرد أنه شقيق الرئيس السابق عمر البشير، و من خلال تصريحات كثيرة للنائب العام حول المحاكمات وحتى خطبته في محاكمة إنقلاب ١٩٨٩م، ويضاف لذلك أبعاد أخرى نجملها في الآتي:
أولا : هذه ليست الحالة الأولى فقد استشهد الشريف عمر بدر بذات المنهج والتدابير ووفق ذات الإجراءات مما يرقي للحديث عن القصد والعمد، وهناك مئات المعتقلين بذات الإجراءات دون محاكمة ودون اي بلاغات، وهذا الأمر لا يعفى النائب العام أو حكومة حمدوك التي تغض الطرف عن هذا الواقع، ولا الحاضنة السياسية التي تدافع عن النائب العام،والذي يعمل وفق برنامجها، ولا المجلس السيادي الذي أعلن مساندته ودعمه للنائب، مما يؤكد ان نظام العدالة معطوب.
وثانيا: عدم تفاعل المنظمات الحقوقية مع هذه الظواهر والإهدار للحقوق القانونية، وحتى الأطباء لم يسعفهم الواجب الإنساني في المجاهرة برفض هذا التعسف ولم تنهض روح زمالة الجيش في تحرير الشهيد من مناوشات الساسة، وكل ذلك يستدعي الدفع بهذه القضايا للمنظمات العالمية والمنابر الدولية.
إن شخص مثل النائب العام مولانا تاج السر الحبر تحاصره الإتهامات من زملائه، ويشككون في مواقفه وتوجهاته لا يمكن أن يكون أحد أركان العدل في بلادنا، وهذا تعبير واقعي عن إختلال المعايير والإفتقار للأسس.
#وفاة_عبدالله_البشير
د. إبراهيم الصديق على